الباحث القرآني
وَقَدْ فُسِّرَتْ أيّامُ اللَّهِ بِنِعَمِهِ، وفُسِّرَتْ بِنِقَمِهِ مِن أهْلِ الكُفْرِ والمَعاصِي، فالأوَّلُ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبّاسٍ وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ومُجاهِدٍ، والثّانِي تَفْسِيرُ مُقاتِلٍ.
والصَّوابُ أنَّ أيّامَهُ تَعُمُّ النَّوْعَيْنِ، وهي وقائِعُهُ الَّتِي أوْقَعَها بِأعْدائِهِ، ونِعَمُهُ الَّتِي ساقَها إلى أوْلِيائِهِ، وسُمِّيَتْ هَذِهِ النِّعَمُ والنِّقَمُ الكِبارُ المُتَحَدَّثُ بِها أيّامًا لِأنَّها ظَرْفٌ لَها، تَقُولُ العَرَبُ: فُلانٌ عالِمٌ بِأيّامِ العَرَبِ وأيّامِ النّاسِ، أيْ بِالوَقائِعِ الَّتِي كانَتْ في تِلْكَ الأيّامِ، فَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الأيّامِ تُوجِبُ لِلْعَبْدِ اسْتِبْصارَ العِبَرِ، وبِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ بِها تَكُونُ عِبْرَتُهُ وعَظَمَتُهُ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الألْبابِ﴾ [يوسف: ١١١].
قوله تعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾
وَسَمّى نَفْسَهُ شاكِرًا وشَكُورًا وسَمّى الشّاكِرِينَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ. فَأعْطاهم مِن وصْفِهِ. وسَمّاهم بِاسْمِهِ. وحَسْبُكَ بِهَذا مَحَبَّةً لِلشّاكِرِينَ وفَضْلًا.
وَإعادَتُهُ لِلشّاكِرِ مَشْكُورًا. كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا كانَ لَكم جَزاءً وكانَ سَعْيُكم مَشْكُورًا﴾ [الإنسان: ٢٢]
وَرِضا الرَّبِّ عَنْ عَبْدِهِ بِهِ. كَقَوْلِهِ: ﴿وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧] وقِلَّةُ أهْلِهِ في العالَمِينَ تَدُلُّ عَلى أنَّهم هم خَواصُّهُ. كَقَوْلِهِ: ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّهُ قامَ حَتّى تَوَرَّمَتْ قَدَماهُ. فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُ هَذا وقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ؟ فَقالَ: أفَلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟».
* (فصل: في أن الصبر نصف الإيمان)
والإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر قال غير واحد من السلف الصبر نصف الإيمان.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر"
ولهذا جمع الله سبحانه بين الصبر والشكر في قوله ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ في سورة إبراهيم وفي سورة حم عسق وفي سورة سبأ وفي سورة لقمان.
وقد ذكر لهذا التنصيف اعتبارات
أحدها أن الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهي ترجع إلى شطرين فعل وترك، فالفعل هو العمل بطاعة الله وهو حقيقة الشكر، والترك هو الصبر عن المعصية، والدين كله في هذين الشيئين فعل المأمور وترك المحظور
الاعتبار الثاني أن الإيمان مبني على ركنين يقين وصبر، وهما الركنان المذكوران في قوله تعالى ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾
فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب، وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عما نهي عنه، ولا يحصل له التصديق بالأمر والنهي إنه من عند الله وبالثواب والعقاب إلا باليقين، ولا يمكنه الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور إلا بالصبر، فصار الصبر نصف الإيمان، والنصف الثاني الشكر بفعل ما أمر به وبترك ما نهي عنه
* (فصل آخر)
الصَّبْرُ نِصْفُ الإيمانِ، فَإنَّهُ ماهِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِن صَبْرٍ وشُكْرٍ، كَما قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الإيمانُ نِصْفانِ: نِصْفٌ صَبْرٌ، ونِصْفٌ شُكْرٌ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] والصَّبْرُ مِنَ الإيمانِ بِمَنزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ، وهو ثَلاثَةُ أنْواعٍ: صَبْرٌ عَلى فَرائِضِ اللَّهِ، فَلا يُضَيِّعُها، وصَبْرٌ عَنْ مَحارِمِهِ، فَلا يَرْتَكِبُها، وصَبْرٌ عَلى أقْضِيَتِهِ وأقْدارِهِ، فَلا يَتَسَخَّطُها، ومَنِ اسْتَكْمَلَ هَذِهِ المَراتِبَ الثَّلاثَ، اسْتَكْمَلَ الصَّبْرَ، ولَذَّةَ الدُّنْيا والآخِرَةِ ونَعِيمَها، والفَوْزُ والظَّفَرُ فِيهِما لا يَصِلُ إلَيْهِ أحَدٌ إلّا عَلى جِسْرِ الصَّبْرِ، كَما لا يَصِلُ أحَدٌ إلى الجَنَّةِ إلّا عَلى الصِّراطِ، قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (خَيْرُ عَيْشٍ أدْرَكْناهُ بِالصَّبْرِ).
وَإذا تَأمَّلْتَ مَراتِبَ الكَمالِ المُكْتَسَبِ في العالَمِ، رَأيْتَها كُلَّها مَنُوطَةً بِالصَّبْرِ، وإذا تَأمَّلْتَ النُّقْصانَ الَّذِي يُذَمُّ صاحِبُهُ عَلَيْهِ، ويَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ، رَأيْتَهُ كُلَّهُ مِن عَدَمِ الصَّبْرِ، فالشَّجاعَةُ والعِفَّةُ، والجُودُ والإيثارُ كُلُّهُ صَبْرُ ساعَةٍ.
؎فالصَّبْرُ طِلَّسْمٌ عَلى كَنْزِ العُلى ∗∗∗ مَن حَلَّ ذا الطِّلَّسْمَ فازَ بِكَنْزِهِ
وَأكْثَرُ أسْقامِ البَدَنِ والقَلْبِ، إنَّما تَنْشَأُ عَنْ عَدَمِ الصَّبْرِ، فَما حُفِظَتْ صِحَّةُ
القُلُوبِ والأبْدانِ والأرْواحِ بِمِثْلِ الصَّبْرِ، فَهو الفارُوقُ الأكْبَرُ، والتِّرْياقُ الأعْظَمُ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلّا مَعِيَّةُ اللَّهِ مَعَ أهْلِهِ، فَإنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ ومَحَبَّتَهُ لَهُمْ، فَإنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصّابِرِينَ، ونَصْرُهُ لِأهْلِهِ، فَإنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وإنَّهُ خَيْرٌ لِأهْلِهِ، ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهو خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ [النحل: ١٢٦]، وإنَّهُ سَبَبُ الفَلاحِ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠].
{"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَیَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق