الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا﴾، أيْ: اَلْبُرْهانِ الَّذِي دَلَّ عَلى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، نَحْوَ إخْراجِ يَدِهِ بَيْضاءَ، وكَوْنِ العَصا حَيَّةً. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ﴾، (p-١٥٥)أيْ: ”بِأنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ“، اَلْمَعْنى: ”أرْسَلْناهُ بِأنْ يُخْرِجَ قَوْمَهُ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ“، أيْ: مِن ظُلُماتِ الكُفْرِ إلى نُورِ الإسْلامِ، و”أنْ“، هَهُنا، يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ في مَعْنى ”أنْ“، اَلْمُخَفَّفَةِ، وتَكُونَ مُفَسِّرَةً، ويَكُونَ المَعْنى: ”وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أيْ أخْرِجْ قَوْمَكَ“، كَأنَّ المَعْنى: ”قُلْنا لَهُ: أخْرِجْ قَوْمَكَ“. وَمِثْلُ هَذا: ﴿وانْطَلَقَ المَلأُ مِنهم أنِ امْشُوا﴾ [ص: ٦]، ”أيِ امْشُوا“، والتَّأْوِيلُ: ”قالُوا لَهُمْ: اِمْشُوا“، قالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ: ”كَتَبْتُ إلَيْهِ أنْ قُمْ، وأمَرْتُهُ أنْ قُمْ“، إنْ شِئْتَ كانَتْ ”أنْ“، وُصِلَتْ بِالأمْرِ، والتَّأْوِيلُ تَأْوِيلُ الخَبَرِ، المَعْنى: ”كَتَبْتُ إلَيْهِ أنْ يَقُومَ، وأمَرْتُهُ أنْ يَقُومَ“، إلّا أنَّها وُصِلَتْ بِلَفْظِ الأمْرِ لِلْمُخاطَبِ، والمَعْنى مَعْنى الخَبَرِ، كَما تَقُولُ: ”أنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ“، والمَعْنى: ”أنْتَ الَّذِي فَعَلَ“، قالَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَعْنى ”أيْ“، ومِثْلُهُ: ”أرْسَلْتُ إلَيْهِ أنْ ما أنْتَ وذا؟“. وَقَوْلُهُ: ﴿وَذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ﴾، ”وَذَكِّرْهُمْ“، عَطْفٌ عَلى ”أخْرِجْ“، وتَذْكِيرُهم بِأيّامِ اللَّهِ، أيْ: تَذْكِيرُهم بِنِعَمِ أيّامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وبِنِقَمِ اللَّهِ الَّتِي انْتَقَمَ فِيها مِن قَوْمِ نُوحٍ، وعادٍ، وثَمُودَ، أيْ: ذَكِّرْهم بِالأيّامِ الَّتِي سَلَفَتْ لِمَن كَفَرَ، وما نَزَلْ بِهِمْ فِيها، وذَكِّرْهم بِنِعَمِ اللَّهِ. والدَّلِيلُ عَلى أنَّ التَّذْكِيرَ مُشْتَمِلٌ عَلى الإنْذارِ والتَّحْذِيرِ مِمّا نَزَلَ بِمَن قَبْلَهم قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ - بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ -: ﴿ألَمْ يَأْتِكم نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ والَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩]، أيْ: ألَمْ يَأْتِهِمْ أخْبارُ أُولَئِكَ والنَّوازِلِ بِهِمْ؟ ﴿لا يَعْلَمُهم إلا اللَّهُ﴾ [إبراهيم: ٩]، فَأعْلَمَ اللَّهُ أنَّ بَعْدَ هَؤُلاءِ أُمَمًا قَدْ مَضى مَن كانَ يَعْلَمُ أنْباءَها، ومِن هَذا (p-١٥٦)قِيلَ: ”كَذَبَ النَّسّابُونَ“، لِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ مَن كانَ بَعْدَ هَؤُلاءِ، وهَذا يُرْوى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ﴿جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَرَدُّوا أيْدِيَهم في أفْواهِهِمْ﴾ [إبراهيم: ٩] يُرْوى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهم عَضُّوا أنامِلَهم غَيْظًا مِمّا أتَتْهم بِهِ الرُّسُلُ، وقِيلَ: ”رَدُّوا أيْدِيَهم في أفْواهِهِمْ“، أوْمَؤُوا إلى الرُّسُلِ أنِ اسْكُتُوا، وقِيلَ: ”رَدُّوا أيْدِيَهُمْ“، اَلْهاءُ والمِيمُ يَرْجِعانِ عَلى الرُّسُلِ، المَعْنى: رَدُّوا أيْدِيَ الرُّسُلِ، أيْ: نِعَمَ الرُّسُلِ، لِأنَّ مَجِيئَهم بِالبَيِّناتِ نِعَمٌ، تَقُولُ: ”لِفُلانٍ عِنْدِي يَدٌ“، أيْ: نِعْمَةٌ، ومَعْنى ”فِي أفْواهِهِمْ“، بِأفْواهِهِمْ، أيْ: ”رَدُّوا تِلْكَ النِّعَمَ بِالنُّطْقِ بِالتَّكْذِيبِ لِما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ“، والمَعْنى أنَّ الرَّدَّ جاءَ في هَذِهِ الجِهَةِ، وفي مَعْناها، كَما تَقُولُ: ”جَلَسْتُ في البَيْتِ“، وجَلَسْتُ بِالبَيْتِ"، ﴿وَقالُوا إنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ [إبراهيم: ٩]، هَذا هو الرَّدُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب