الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾
لَمّا كانَتِ الآياتُ السّابِقَةُ مَسُوقَةً لِلرَّدِّ عَلى مَن أنْكَرُوا أنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ أعْقَبَ الرَّدَّ بِالتَّمْثِيلِ بِالنَّظِيرِ وهو إرْسالُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - إلى قَوْمِهِ بِمِثْلِ ما أُرْسِلَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ وبِمِثْلِ الغايَةِ الَّتِي أُرْسِلَ لَها مُحَمَّدٌ ﷺ لِيُخْرِجَ قَوْمَهُ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ.
وتَأْكِيدُ الإخْبارِ عَنْ إرْسالِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِلامِ القَسَمِ وحَرْفِ التَّحْقِيقِ لِتَنْزِيلِ المُنْكِرِينَ رِسالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ مَنزِلَةَ مَن (p-١٨٩)يُنْكِرُ رِسالَةَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِأنَّ حالَهم في التَّكْذِيبِ بِرِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَقْتَضِي ذَلِكَ التَّنْزِيلَ، لِأنَّ ما جازَ عَلى المِثْلِ يَجُوزُ عَلى المُماثِلِ، عَلى أنَّ مِنهم مَن قالَ﴿ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١]، والباءُ في بِآياتِنا لِلْمُصاحَبَةِ، أيْ: إرْسالًا مُصاحِبًا لِلْآياتِ الدّالَّةِ عَلى صِدْقِهِ في رِسالَتِهِ، كَما أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ ﷺ مُصاحِبًا لِآيَةِ القُرْآنِ الدّالِّ عَلى أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَقَدْ تَمَّ التَّنْظِيرُ وانْتَهَضَ الدَّلِيلُ عَلى المُنْكِرِينَ، و(أنْ) تَفْسِيرِيَّةٌ، فَسَّرَ الإرْسالَ بِجُمْلَةِ ﴿أخْرِجْ قَوْمَكَ﴾ الخَ، والإرْسالُ فِيهِ مَعْنى القَوْلِ فَكانَ حَقِيقًا بِمَوْقِعِ (أنِ) التَّفْسِيرِيَّةِ.
و(الظُّلُماتُ) مُسْتَعارٌ لِلشِّرْكِ والمَعاصِي، و(النُّورُ) مُسْتَعارٌ لِلْإيمانِ الحَقِّ والتَّقْوى، وذَلِكَ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ لَمّا طالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ في مِصْرَ بَعْدَ وفاةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - سَرى إلَيْهِمُ الشِّرْكُ واتَّبَعُوا دِينَ القِبْطِ، فَكانَتْ رِسالَةُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِإصْلاحِ اعْتِقادِهِمْ مَعَ دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ لِلْإيمانِ بِاللَّهِ الواحِدِ، وكانَتْ آيِلَةً إلى إخْراجِ بَنِي إسْرائِيلَ مِنَ الشِّرْكِ والفَسادِ وإدْخالِهِمْ في حَظِيرَةِ الإيمانِ والصَّلاحِ.
والتَّذْكِيرُ: إزالَةُ نِسْيانِ شَيْءٍ. ويُسْتَعْمَلُ في تَعْلِيمِ مَجْهُولٍ كانَ شَأْنُهُ أنْ يُعْلَمَ. ولَمّا ضُمِّنَ التَّذْكِيرُ مَعْنى الإنْذارِ والوَعْظِ عُدِّيَ بِالباءِ، أيْ: ذَكِّرْهم تَذْكِيرَ عِظَةٍ بِأيّامِ اللَّهِ.
و﴿أيّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ١٤] أيّامُ ظُهُورِ بَطْشِهِ وغَلْبِهِ مَن عَصَوْا أمْرَهُ، وتَأْيِيدِهِ المُؤْمِنِينَ عَلى عَدُوِّهِمْ، فَإنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَظْهَرٌ مِن مَظاهِرِ عِزَّةِ اللَّهِ تَعالى، وشاعَ إطْلاقُ اسْمِ اليَوْمِ مُضافًا إلى اسْمِ شَخْصٍ أوْ قَبِيلَةٍ عَلى يَوْمٍ انْتَصَرَ فِيهِ مُسَمّى المُضافِ إلَيْهِ عَلى عَدُوِّهِ، يُقالُ: أيّامُ تَمِيمٍ، أيْ: أيّامُ انْتِصارِهِمْ، فَأيّامُ اللَّهِ أيّامُ ظُهُورِ قُدْرَتِهِ وإهْلاكِهِ الكافِرِينَ بِهِ ونَصْرِهِ أوْلِياءَهُ والمُطِيعِينَ لَهُ.
(p-١٩٠)فالمُرادُ بِـ ﴿أيّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ١٤] هُنا الأيّامُ الَّتِي أنْجى اللَّهُ فِيها بَنِي إسْرائِيلَ مِن أعْدائِهِمْ ونَصَرَهم وسَخَّرَ لَهم أسْبابَ الفَوْزِ والنَّصْرِ وأغْدَقَ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ في زَمَنِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فَإنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمّا أُمِرَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِأنْ يُذَكِّرَهُمُوهُ، وكُلُّهُ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِمَضْمُونِ الإرْسالِ؛ لِأنَّ إرْسالَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُمْتَدٌّ زَمَنُهُ، وكُلَّما أوْحى اللَّهُ إلَيْهِ بِتَذْكِيرٍ في مُدَّةِ حَيّاتِهِ فَهو مِن مَضْمُونِ الإرْسالِ الَّذِي جاءَ بِهِ فَهو مَشْمُولٌ لِتَفْسِيرِ الإرْسالِ، فَقَوْلُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم إذْ جَعَلَ فِيكم أنْبِئاءَ وجَعَلَكم مُلُوكًا وآتاكم ما لَمْ يُؤْتِ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ يا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢٠] هو مِنَ التَّذْكِيرِ المُفَسَّرِ بِهِ إرْسالُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وهو إنْ كانَ واقِعًا بَعْدَ ابْتِداءِ رِسالَتِهِ بِأرْبَعِينَ سَنَةً فَما هو إلّا تَذْكِيرٌ صادِرٌ في زَمَنِ رِسالَتِهِ، وهو مِنَ التَّذْكِيرِ بِأيّامِ نِعَمِ اللَّهِ العَظِيمَةِ الَّتِي أعْطاهم، وما كانُوا يُحَصِّلُونَها لَوْلا نَصْرُ اللَّهِ إيّاهم، وعِنايَتُهُ بِهِمْ لِيَعْلَمُوا أنَّهُ رُبَّ ضَعِيفٍ غَلَبَ قَوِيًّا ونَجا بِضَعْفِهِ ما لَمْ يَنْجُ مِثْلُهُ القَوِيُّ في قُوَّتِهِ.
واسْمُ الإشارَةِ في قَوْلِهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ عائِدٌ إلى ما ذُكِرَ مِنَ الإخْراجِ والتَّذْكِيرِ، فالإخْراجُ مِنَ الظُّلُماتِ بَعْدَ تَوَغُّلِهِمْ فِيها وانْقِضاءِ الأزْمِنَةِ الطَّوِيلَةِ عَلَيْها آيَةٌ مِن آياتِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى.
والتَّذْكِيرُ بِأيّامِ اللَّهِ يَشْتَمِلُ عَلى آياتِ قُدْرَةِ اللَّهِ وعِزَّتِهِ وتَأْيِيدِ مَن أطاعَهُ. وكُلُّ ذَلِكَ آياتٌ كائِنَةٌ في الإخْراجِ والتَّذْكِيرِ عَلى اخْتِلافِ أحْوالِهِ.
وقَدْ أحاطَ بِمَعْنى هَذا الشُّمُولِ حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ مِن قَوْلِهِ (في ذَلِكَ) لِأنَّ الظَّرْفِيَّةَ تَجْمَعُ أشْياءَ مُخْتَلِفَةً يَحْتَوِيها الظَّرْفُ، ولِذَلِكَ كانَ لِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ هُنا مَوْقِعٌ بَلِيغٌ، ولِكَوْنِ الآياتِ مُخْتَلِفَةً، بَعْضُها آياتُ مَوْعِظَةٌ وزَجْرٌ وبَعْضُها آياتُ مِنَّةٍ وتَرْغِيبٍ، جُعِلَتْ مُتَعَلِّقَةً بِـ كُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ إذِ الصَّبْرُ المُناسِبُ لِلزَّجْرِ (p-١٩١)لِأنَّ التَّخْوِيفَ يَبْعَثُ النَّفْسَ عَلى تَحَمُّلِ مُعاكَسَةِ هَواها خِيفَةَ الوُقُوعِ في سُوءِ العاقِبَةِ، والإنْعامَ يَبْعَثُ النَّفْسَ عَلى الشُّكْرِ، فَكانَ ذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ تَوْزِيعًا لِما أجْمَلَهُ ذِكْرُ أيّامِ اللَّهِ مِن أيّامِ بُؤْسٍ وأيّامِ نَعِيمٍ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَیَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق