الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ أي: بالبراهين التي دلت على صحة نبوته مثل اليد والعصا وغيرهما من آيات موسى [[وهي تسع آيات، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: 101] وهي: الطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدَّم، والعصا، واليد، والسنين، والنقص في الثمرات.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ﴾ أي: بأن أخرج قومك [[ورد في "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 155 بنصه. انظر: "تفسير ابن عطية" 8/ 200.]]، قال أبو إسحاق: (أنْ) هاهنا يصلح أن تكون المخففة [[أي المخففة من (أنّ) الثقيلة، وهي التي تقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته. انظر: "مغني اللبيب" ص 46.]] التي للخبر، ويصلح أن تكون مفسِّرة [[هي التي تُسبق بكلام في معنى القول دون حروفه، ولها شروط. انظر: "مغني اللبيب" ص 48 - 49.]] بمعنى: أيّ، ولكون المعنى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ أي [[في (ش)، (ع): (أن)، والمثبت هو الصحيح لموافقته للمصدر.]]: أخرج قومك، كأن المعنى: قلنا له: أَخْرِج قومك، ومثل هذا قوله: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا﴾ [ص: 6]: (أي امشوا) [[ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د)، والمثبت من (ش)، (ع)، وهو موافق لما في المصدر.]] والتأويل: قالوا لهم امشوا [[ساقطة من: (ع).]]، وإن جعلتها المخففة التي هي للخبر كان المعنى: أرسلناه بأن يخرج قومه، إلا أن الجار حذف ووُصِلتْ (أن) بلفظ الأمر للمخاطب، والمعنى معنى الخبر؛ نحو قولك: كتبت أن قُمْ، وأمرته أن يقوم، إلا أنها وصلت بلفظ الأمر الذي كان للمخاطب، وحُكي القولين عن سيبويه [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 155 بتصرف يسير، وانظر: "الكتاب" لسيبويه 3/ 162.]]. وقوله تعالى ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ قال ابن عباس: يريد من الشرك إلى الإيمان [[لم أقف عليه منسوبًا إلى ابن عباس، وأورده الواحدي في وجيزه 1/ 578 بلا نسبة، وورد عن ابن عباس تفسير الآية بقوله: من الضلال إلى الهدى. انظر: "تفسير == الطبري" 13/ 179 بدون نسبة لابن عباس، و"الدر المنثور" 4/ 130. وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.]]، ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾، الأيام: جمع يوم، واليوم مقداره من طلوع [[(طلوع) مكررة في (أ)، وفي (د): (من طلوع إلى طلوع الشمس).]] الشمس إلى غروبها، وكانت الأيام في الأصل: أيْوام واجتمعت الياء والواو، سُبقت إحداهما بالسكون فأدغمت إحداهما في الأخرى وغُلبت الواو [[انظر (يوم) في: "تهذيب اللغة" 4/ 3990، و"اللسان" 8/ 4974، ونقله الفخر الرازي في "تفسيره" 19/ 84 وعزاه للواحدي.]]، ويُعبَّر بالأيام عن الوقائع والنِّعم والنقم؛ لأن هذه كلها تقع فيها، ذَكره شَمر، وقال ابن السَّكِّيت: العرب تقول: الأيام في معنى الوقائع، يقال: هو عالم بأيام العرب، يريد: وقائعها [[ورد في "تهذيب اللغة" (يوم) 4/ 3991 بنصه.]]. قال ابن عباس في هذه الآية: يريد بنِعم الله [[ورد في "تفسيرالثعلبي" 7/ 145 أ، بلفظه، وتفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 1/ 305، بلفظه، وانظر: "تفسير البغوي" 4/ 335، و"تفسير القرطبي" 9/ 341، أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 132، وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، وهو قول مجاهد [["تفسير مجاهد" 1/ 333، بلفظه، أخرجه عبد الرزاق 2/ 341، بلفظه، والطبري 13/ 183 - 184، بلفظه من طرق، وورد بلفظه في "تفسير الماوردي" 3/ 122، و"الطوسي" 6/ 274، وانظر: "تفسير البغوي" 4/ 335، و"ابن الجوزي" 4/ 346.]]، وأبي بن كعب؛ رواه عن النبّي ﷺ في قوله: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ قال: "أيامه: نِعَمُه" [[أخرج أحمد 5/ 122 بنحوه مرفوعاً وموقوفاً، والنسائي في "التفسير" 1/ 614 بنحوه، والطبري 13/ 182 - 184، بنحوه، وأورده المزي في "تحفة الأشراف" 1/ 27، وابن كثير في "تفسيره" 2/ 542، وزاد نسته إلى ابن أبي حاتم، والسيوطي في "الدر المنثور" 4/ 132، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه == والبيهقي في شعب الإيمان [لم أقف عليه]، وهذا الحديث له إسنادان؛ إسناد أحمد والطبري، وإسناد النسائي، أما الإسناد الأول: فضعيف؛ لأنه يدور على محمد بن أبان الجعفي، وهو مضَّعف بعلتين: سوء الحفظ، وبدعة الإرجاء مع الدعوة إليها. انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 1/ 34، و"الضعفاء الصغير" للبخاري ص 98 و"الضعفاء" للنسائي ص 91، و"الجرح والتعديل" 7/ 200، و"الكامل في ضعفاء الرجال" 6/ 2139، و"ميزان الاعتدال" 4/ 373، أما الإسناد الثاني: فانفرد به النسائي، ورجاله ثقات، فهو صحيح.]]. ونحو هذا قال الحسن [[ورد في "تفسير الطوسي" 6/ 274 بنحوه.]]، وسعيد بن جبير [[أخرجه الطبري 13/ 184 بنحوه، وورد في "تفسير الطوسي" 6/ 274.]]، وقال مقاتل بن سليمان: بوقائع الله في الأمم السالفة [["تفسير مقاتل" 1/ 191 أ، بمعناه، وورد في "تفسير الثعلبي" 7/ 145 ب بنصه.]]، قال أبو إسحاق: أي ذكِّرهم بنِعم أيام الله عليهم، وبنقم أيام الله التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 155 بنصه.]]، وقال الفراء: يقول: خوِّفهم بما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب، وبالعفو [[في (أ)، (د): (بالعقوبة)، والمثبت من (ش)، (ع)، وهو موافق للمصدر.]] عن آخرين، وهو في المعنى: خذهم بالشدة واللين [["معاني القرآن" للفراء 2/ 68 بنصه.]]. وقال أهل المعاني: يقول: عظهم بالترغيب (والترهيب، والوعد والوعيد؛ والترغيب) [[ما بين القوسين ساقط من (ع).]]، والوعد: (أن يذكِّرهم) [[ما بين القوسين ساقط من (د).]] بما أنعم الله عليهم، وعلى مَن قبلهم ممن آمنوا بالرسل وصدَّقوه فيما مضى من الأيام، (والترهيب والوعيد: أي ذكِّرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ممن كذَّب الرسل فيما مضى من الأيام) [[ما بين القوسين ساقط من (ش)، (ع).]]؛ ليرغبوا في الوعد فيصدِّقوا، ويحْذروا فيتركوا التكذيب [[لم أقف على من قال به من أهل المعاني، وقد ذكره بعض المفسرين، انظر: "تفسير الفخر الرازي" 19/ 84، و"الخازن" 3/ 70.]]، ومن الأيام التي أريد بها الدُّول من النعيم [[في (ش)، (ع): (النعم).]] قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [[يقول القفال -رحمه الله-: المداولة: نقل الشيء من واحد إلى آخر، ويقال تداولته الأيدي إذا تناقلته. انظر: "تفسير الفخر الرازي" 9/ 15. فهذه الآية دليل على أن أيام الله تعالى ليست مقصورة على النعم، بل تشمل النقم كذلك، فقد أُديل المسلمون من المشركين يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، وأُديل المشركون من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمساً وسبعين، فسمَّى إنكسار المسلمين في أُحد أياماً، كما كانت هزيمة قريش في بدر أياماً.]] [آل عمران: 140]، والعرب تقول: من ير يومًا (يُرَ به [[انظر: كتاب "الأمثال" لأبي عبيد بن سَلاَّم ص 334، و"جمهرة الأمثال" للعسكري 2/ 272، و"مجمع الأمثال" للميداني 3/ 318.]]، معناه: من يرى لنفسه يوم سرور بمصرع غيره، رأى غيرُه مثلَ ذلك اليوم بمصرعه، وكل هذا) [[ما بين القوسين ساقط من (ع).]] يدل على أنه يُعبَّر باليوم والأيام من حادثات الخير والشر [[وقد رجّحه ابن عطية -رحمه الله- فقال: ولفظة الأيام تعم المعنيين؛ لأن التذكير يقع بالوجهن جميعاً 8/ 203.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ قال ابن عباس: يريد لكل صَبَّارٍ على طاعة الله وعن معاصيه، شكور لأنعم الله [[انظر: "تنوير المقباس" ص 268 بنحوه، وورد بلا نسبة في تفسيره الوسيط، تحقيق سيسي 1/ 306، وابن الجوزي 4/ 346.]]، وقال أهل المعاني: أراد لآياتٍ لكل مؤمن؛ لأن الصبر والشكر من أفعال المؤمنين، والحال لا يخلو من نعمة وشدة، والمؤمن شاكر في أحديهما [[في (د): (إحداهما).]] صابر في الأخرى [[لم أقف على مصدره، وفي هذا المعنى ورد حديث صحيح؛ يقول الرسول ﷺ: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" رواه مسلم: الزهد والرقائق/ المؤمن أمره كله خير 4/ 2295، فقوله: لأن الصبر والشكر من أفعال المؤمنين، أي من خصائصهم، ويؤيده في الحديث قوله: وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب