الباحث القرآني

لما ذكر العاصم استدعى معصوما مفهوما من السياق فكأنه قيل لا معصوم اليوم من أمره إلا من رحِمه فإنه لما قال ﴿لا عاصم اليوم من أمر الله﴾ بقي الذهن طالبا للمعصوم فكأنه قيل فمن الذي يعصم فأجيب بأنه لا يعصم إلا من رحمة الله ودل هذا الفظ باختصاره وجلالته وفصاحته علي نفي كل عاصم سواه وعلى نفي كل معصوم سوى من رحمة الله فدل الاستثناء على أمرين على المعصوم من هو وعلى العاصم وهو ذو الرحمة وهذا من أبلغ الكلام وأفصحه وأوجزه ولا يلتفت إلى ما قيل في الآية بعد ذلك وقد قالوا فيها ثلاثة أقوال أُخر: أحدها: أن عاصما بمعنى معصوم كماء دافق وعيشة راضية والمعنى لا معصوم إلا من رحمة الله وهذا فاسد لأن كل واحد من اسم الفاعل واسم المفعول موضوع لمعناه الخاص به فلا يشاركه فيه الآخر وليس الماء الدافق بمنى المدفوق بل هو فاعل على بابه كما يقال ماء جار فدافق كجار فما الموجب للتكليف البارد وأما عيشة راضية فهي عند سيبويه على النسب كتامر ولابن أي ذات رضي وعند غيره كنهار صائم وليل قائم على المبالغة. والقول الثاني: أن من رحم فاعل لا مفعول والمعنى لا يعصم اليوم من أمر الله إلا الراحم فهو استثناء فاعل من فاعل وهذا وإن كان أقل تكلفا فهو أيضا ضعيف جدا وجزالة الكلام وبلاغته تأباه بأول نظر. والقول الثالث إن في الكلام مضافا محذوفا قام المضاف إليه مقامه والتقدير لا معصوم عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحمة الله وهذا من أنكر الأقوال وأشدها منافاة للفصاحة والبلاغة ولو صرح به لكان مستغثا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب