الباحث القرآني
﴿قالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ﴾ مِنَ الجِبالِ ﴿يَعْصِمُنِي﴾ بِارْتِفاعِهِ مِنَ ﴿الماءِ﴾ زَعْمًا مِنهُ أنَّ ذَلِكَ كَسائِرِ المِياهِ في أزْمِنَةِ السُّيُولِ المُعْتادَةِ الَّتِي رُبَّما يُتَّقى مِنها بِالصُّعُودِ إلى الرُّبا وأنّى لَهُ ذَلِكَ، وقَدْ بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبى، وجَهْلًا بِأنَّ ذَلِكَ إنَّما كانَ لِإهْلاكِ الكَفَرَةِ، وأنْ لا مَحِيصَ مِن ذَلِكَ سِوى الِالتِجاءِ إلى مَلْجَأِ المُؤْمِنِينَ، فَلِذَلِكَ أرادَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يُبَيِّنَ لَهُ حَقِيقَةَ الحالِ ويَصْرِفَهُ عَنْ ذَلِكَ الفِكْرِ المُحالِ، وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يَجِبَ بِما يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَلامُهُ ويَتَعَرَّضَ لِنَفْيِ ما أثْبَتَهُ لِلْجَبَلِ مِن كَوْنِهِ عاصِمًا لَهُ مِنَ الماءِ، بِأنْ (p-211)يَقُولَ: لا يَعْصِمُكَ مِنهُ، مُفِيدًا لِنَفْيِ وصْفِ العِصْمَةِ عَنْهُ فَقَطْ مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ، ولا لِنَفْيِ المَوْصُوفِ أصْلًا، لَكِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَيْثُ ﴿قالَ لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ سَلَكَ طَرِيقَةَ نَفْيِ الجِنْسِ المُنْتَظِمِ لِنَفْيِ جَمِيعِ أفْرادِ العاصِمِ ذاتًا وصِفَةً، كَما في قَوْلِهِمْ: لَيْسَ فِيهِ داعٍ ولا مُجِيبٌ، أيْ: أحَدٌ مِنَ النّاسِ لِلْمُبالَغَةِ في نَفْيِ كَوْنِ الجَبَلِ عاصِمًا بِالوَجْهَيْنِ المَذْكُورَيْنِ، وزادَ اليَوْمَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ لَيْسَ كَسائِرِ الأيّامِ الَّتِي تَقَعُ فِيها الوَقائِعُ، وتُلِمُّ فِيها المُلِمّاتُ المُعْتادَةُ، الَّتِي رُبَّما يُتَخَلَّصُ مِن ذَلِكَ بِالِالتِجاءِ إلى بَعْضِ الأسْبابِ العادِيَّةِ، وعُبِّرَ عَنِ الماءِ في مَحَلِّ إضْمارِهِ بِأمْرِ اللَّهِ أيْ: عَذابِهِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ، حَيْثُ قِيلَ: حَتّى إذا جاءَ أمْرُنا؛ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، وتَهْوِيلًا لِأمْرِهِ، وتَنْبِيهًا لِابْنِهِ عَلى خَطَئِهِ في تَسْمِيَتِهِ ماءً، ويُوهِمُ أنَّهُ كَسائِرِ المِياهِ الَّتِي يُتَفَصّى مِنها بِالهَرَبِ إلى بَعْضِ المَهارِبِ المَعْهُودَةِ، وتَعْلِيلًا لِلنَّفْيِ المَذْكُورِ، فَإنَّ أمْرَ اللَّهِ لا يُغالَبُ، وعَذابَهُ لا يُرَدُّ، وتَمْهِيدًا لِحَصْرِ العِصْمَةِ في جَنابِ اللَّهِ عَزَّ جارُهُ بِالِاسْتِثْناءِ، كَأنَّهُ قِيلَ: لا عاصِمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا هُوَ، وإنَّما قِيلَ: ﴿إلا مَن رَحِمَ﴾ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ الجَلِيلِ بِالإبْهامِ ثُمَّ التَّفْسِيرِ، وبِالإجْمالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ، وإشْعارًا بِعِلِّيَّةِ رَحْمَتِهِ في ذَلِكَ بِمُوجِبِ سَبْقِها عَلى غَضَبِهِ، وكُلُّ ذَلِكَ لِكَمالِ عِنايَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِتَحْقِيقِ ما يَتَوَخّاهُ مِن نَجاةِ ابْنِهِ، بِبَيانِ شَأْنِ الدّاهِيَةِ، وقَطْعِ أطْماعِهِ الفارِغَةِ، وصَرْفِهِ عَنِ التَّعَلُّلِ بِما لا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا، وإرْشادِهِ إلى العِياذِ بِالمُعاذِ الحَقِّ عَزَّ حِماهُ، وقِيلَ: لا مَكانَ يَعْصِمُ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَكانُ مَن رَحِمَهُ اللَّهُ وهو الفُلْكُ، وقِيلَ: مَعْنى لا عاصِمَ لا ذا عِصْمَةٍ إلّا مَن رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى.
﴿وَحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ﴾ أيْ: بَيْنَ نُوحٍ وبَيْنَ ابْنِهِ، فانْقَطَعَ ما بَيْنَهُما مِنَ المُجاوَبَةِ لا بَيْنَ ابْنِهِ وبَيْنَ الجَبَلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكانَ مِنَ المُغْرَقِينَ﴾ إذْ هو إنَّما يَتَفَرَّعُ عَلى حَيْلُولَةِ المَوْجِ بَيْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبَيْنَ ابْنِهِ لا بَيْنُهُ وبَيْنَ الجَبَلِ؛ لِأنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِن كَوْنِهِ عاصِمًا، وإنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُلْتَجِئِ إلَيْهِ مَوْجٌ، وفِيهِ دِلالَةٌ عَلى هَلاكِ سائِرِ الكَفَرَةِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ، فَكانَ ذَلِكَ أمْرًا مُقَرَّرُ الوُقُوعِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلى البَيانِ، وفي إيرادِ "كانَ" دُونَ صارَ مُبالَغَةٌ في كَوْنِهِ مِنهم.
{"ayah":"قَالَ سَـَٔاوِیۤ إِلَىٰ جَبَلࣲ یَعۡصِمُنِی مِنَ ٱلۡمَاۤءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡیَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَیۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق