الباحث القرآني
﴿وقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ كالجِبالِ ونادى نُوحٌ ابْنَهُ وكانَ في مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا ولا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ﴾ ﴿قالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَن رَحِمَ وحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ فَكانَ مِنَ المُغْرَقِينَ﴾ ﴿وقِيلَ يا أرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سَماءُ أقْلِعِي وغِيضَ الماءُ وقُضِيَ الأمْرُ واسْتَوَتْ عَلى الجُودِيِّ وقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [هود: ٤٤] ﴿ونادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إنَّ ابْنِي مِن أهْلِي وإنَّ وعْدَكَ الحَقُّ وأنْتَ أحْكَمُ الحاكِمِينَ﴾ [هود: ٤٥] ﴿قالَ يا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِن أهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْألْنِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنِّي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٦] ﴿قالَ رَبِّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أسْألَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وإلّا تَغْفِرْ لِي وتَرْحَمْنِي أكُنْ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ [هود: ٤٧] ﴿قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهم ثُمَّ يَمَسُّهم مِنّا عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [هود: ٤٨] ﴿تِلْكَ مِن أنْباءِ الغَيْبِ نُوحِيها إلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أنْتَ ولا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذا فاصْبِرْ إنَّ العاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: ٤٩] ﴿وإلى عادٍ أخاهم هُودًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أنْتُمْ إلّا مُفْتَرُونَ﴾ [هود: ٥٠] ﴿يا قَوْمِ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إنْ أجْرِيَ إلّا عَلى الَّذِي فَطَرَنِي أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [هود: ٥١] ﴿ويا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا ويَزِدْكم قُوَّةً إلى قُوَّتِكم ولا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: ٥٢] ﴿قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٥٣] ﴿إنْ نَقُولُ إلّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ واشْهَدُوا أنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾ [هود: ٥٤] ﴿مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي﴾ [هود: ٥٥] ﴿إنِّي تَوَكَّلْتُ عَلى اللَّهِ رَبِّي ورَبِّكم ما مِن دابَّةٍ إلّا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أبْلَغْتُكم ما أُرْسِلْتُ بِهِ إلَيْكم ويَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكم ولا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود: ٥٧] ﴿ولَمّا جاءَ أمْرُنا نَجَّيْنا هُودًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا ونَجَّيْناهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: ٥٨] ﴿وتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وعَصَوْا رُسُلَهُ واتَّبَعُوا أمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: ٥٩] ﴿وأُتْبِعُوا في هَذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً ويَوْمَ القِيامَةِ ألا إنَّ عادًا كَفَرُوا رَبَّهم ألا بُعْدًا لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ [هود: ٦٠] (p-٢٢٤)رَسا الشَّيْءُ يَرْسُو: ثَبَتَ واسْتَقَرَّ. قالَ:
؎فَصَبَرْتُ نَفْسًا عِنْدَ ذَلِكَ حُرَّةً تَرْسُو إذا نَفْسُ الجَبانِ تَطَلَّعُ
البَلْعُ: مَعْرُوفٌ، والفِعْلُ مِنهُ بَلَعَ بِكَسْرِ اللّامِ وبِفَتْحِها لُغَتانِ حَكاهُما الكِسائِيُّ والفَرّاءُ، يَبْلَعُ بَلْعًا، والبالُوعَةُ: المَوْضِعُ الَّذِي يَشْرَبُ الماءَ.
الإقْلاعُ: الإمْساكُ، يُقالُ: أقْلَعَ المَطَرُ وأقْلَعَتِ الحُمّى، أيْ: أمْسَكَتْ عَنِ المَحْمُومِ. وقِيلَ: أقْلَعَ عَنِ الشَّيْءِ: تَرَكَهُ، وهو قَرِيبٌ مِنَ الإمْساكِ. غاضَ الماءُ: نَقَصَ في نَفْسِهِ، وغِضْتُهُ: نَقَصْتُهُ، جاءَ لازِمًا ومُتَعَدِّيًا. الجُودِيُّ: عَلَمٌ لِجَبَلٍ بِالمَوْصِلِ، ومَن قالَ بِالجَزِيرَةِ أوْ بِآمِدَ فَلِأنَّهُما قَرِيبانِ مِنَ المَوْصِلِ. وقِيلَ الجُودِيُّ: اسْمٌ لِكُلِّ جَبَلٍ، ومِنهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ:
؎سُبْحانَهُ ثُمَّ سُبْحانًا نَعُوذُ لَهُ ∗∗∗ وقَبْلَنا سَبَّحَ الجُودِيُّ والجُمُدُ
اعْتَراهُ بِكَذا: أصابَهُ بِهِ، وقِيلَ: افْتَعَلَ مِن عَراهُ يَعْرُوهُ. النّاصِيَةُ: مَنبَتُ الشَّعْرِ في مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، ويُسَمّى الشَّعْرُ النّابِتُ هُناكَ ناصِيَةً باسِمِ مَنبَتِهِ. ونَصَوْتُ الرَّجُلَ انْصُوهُ نَصْوًا: مَدَدْتُ ناصِيَتَهُ. الجَبّارُ: المُتَكَبِّرُ. العَنِيدُ: الطّاغِي الَّذِي لا يَقْبَلُ الحَقَّ ولا يُصْغِي إلَيْهِ، مِن عَنَدَ يَعْنُدُ حادَ عَنِ الحَقِّ إلى جانِبٍ، قِيلَ: ومِنهُ عِنْدِي كَذا، أيْ: في جانِبِي. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: العَنِيدُ والعَنُودُ والمُعانِدُ والعانِدُ: المَعارِضُ بِالخِلافِ، ومِنهُ قِيلَ لِلْعِرْقِ الَّذِي يَنْفَجِرُ بِالدَّمِ: عانِدٌ.
﴿وقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ كالجِبالِ ونادى نُوحٌ ابْنَهُ وكانَ في مَعْزِلٍ يابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا ولا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ﴾ ﴿قالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَن رَحِمَ وحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ فَكانَ مِنَ المُغْرَقِينَ﴾: الضَّمِيرُ في وقالَ عائِدٌ عَلى نُوحٍ، أيْ: وقالَ نُوحٌ حِينَ أُمِرَ بِالحَمْلِ في السَّفِينَةِ لِمَن آمَنَ مَعَهُ ومَن أُمِرَ بِحَمْلِهِ: ارْكَبُوا فِيها. وقِيلَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى اللَّهِ، والتَّقْدِيرُ: وقالَ اللَّهُ لِـ نُوحٍ ومَن مَعَهُ، ويُبْعِدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . قِيلَ: وغَلَبَ مَن يَعْقِلُ في قَوْلِهِ: ارْكَبُوا، وإنْ كانُوا قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِما لا يَعْقِلُ مِمَّنْ حُمِلَ فِيها، والظّاهِرُ أنَّهُ خِطابٌ لِمَن يَعْقِلُ خاصَّةً، لِأنَّهُ لا يَلِيقُ بِما لا يَعْقِلُ.
وعُدِّيَ ارْكَبُوا بِفي لِتَضْمِينِهِ مَعْنى صَيِّرُوا فِيها، أوْ مَعْنى ادْخُلُوا فِيها. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ ارْكَبُوا الماءَ فِيها. وقِيلَ: في زائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، أيِ: ارْكَبُوها. والباءُ في باسِمِ اللَّهِ في مَوْضِعِ الحالِ، أوْ (p-٢٢٥)مُتَبَرِّكِينَ بِاسْمِ اللَّهِ. مَجْراها ومُرْساها: مَنصُوبانِ إمّا عَلى أنَّهُما ظَرْفا زَمانٍ أوْ مَكانٍ، لِأنَّهُما يَجِيئانِ لِذَلِكَ. أوْ ظَرْفا زَمانٍ عَلى جِهَةِ الحَذْفِ، كَما حُذِفَ مِن جِئْتُكَ مَقْدَمَ الحاجِّ، أيْ: وقْتَ قُدُومِ الحاجِّ، فَيَكُونُ مَجْراها ومُرْساها مَصْدَرانِ في الأصْلِ حُذِفَ مِنهُما المُضافُ، وانْتَصَبا بِما في باسِمِ اللَّهِ مِن مَعْنى الفِعْلِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (بِاسْمِ اللَّهِ) حالًا مِن ضَمِيرِ فِيها، و﴿مَجْراها ومُرْساها﴾ مَصْدَرانِ مَرْفُوعانِ عَلى الفاعِلِيَّةِ، أيِ: ارْكَبُوا فِيها مُلْتَبِسًا باسِمِ اللَّهِ إجْراؤُها وإرْساؤُها، أيْ: بِبَرَكَةِ اسْمِ اللَّهِ.
أوْ يَكُونُ مَجْراها ومُرْساها مَرْفُوعَيْنِ عَلى الِابْتِداءِ، وبِاسْمِ اللَّهِ الخَبَرُ، والجُمْلَةُ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في فِيها. وعَلى هَذِهِ التَّوْجِيهاتِ الثَّلاثَةِ فالكَلامُ جُمْلَةٌ واحِدَةٌ، والحالُ مُقَدَّرَةٌ. ولا يَجُوزُ مَعَ رَفْعِ مَجْراها ومُرْساها عَلى الفاعِلِيَّةِ أوْ الِابْتِداءِ أنْ يَكُونَ حالًا مِن ضَمِيرِ ارْكَبُوا، لِأنَّهُ لا عائِدَ عَلَيْهِ فِيما وقَعَ حالًا. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها﴾ جُمْلَةً ثانِيَةً مِن مُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ، لا تَعَلُّقَ لَها بِالجُمْلَةِ الأوْلى مِن حَيْثُ الإعْرابِ، أمَرَهم أوَّلًا بِالرُّكُوبِ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ مَجْراها ومُرْساها بِذِكْرِ اللَّهِ أوْ بِأمْرِهِ وقُدْرَتِهِ، فالجُمْلَتانِ كَلامانِ مَحْكِيّانِ. يُقالُ: كَما أنَّ الجُمْلَةَ الثّانِيَةَ مَحْكِيَّةٌ أيْضًا بِـ (قالَ) .
وقالَ الضَّحّاكُ: إذا أرادَ جَرْيَ السَّفِينَةِ قالَ: بِاسْمِ اللَّهِ مَجْراها فَتَجْرِي، وإذا أرادَ وُقُوفَها قالَ: بِاسْمِ اللَّهِ مُرْساها فَتَقِفُ.
وقَرَأ مُجاهِدٌ والحَسَنُ وأبُو رَجاءٍ والأعْرَجُ وشَيْبَةُ والجُمْهُورُ مِنَ السَّبْعَةِ: الحَرَمِيّانِ والعَرَبِيّانِ وأبُو بَكْرٍ: ﴿مَجْراها﴾ بِضَمِّ المِيمِ. وقَرَأ الأخَوانِ وحَفْصٌ: بِفَتْحِها، وكُلُّهم ضَمَّ مِيمَ مُرْساها. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ وعِيسى الثَّقَفِيُّ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ والأعْمَشُ: ﴿مَجْراها ومُرْساها﴾ بِفَتْحِ المِيمَيْنِ، ظَرْفَيْ زَمانٍ أوْ مَكانٍ، أوْ مَصْدَرَيْنِ عَلى التَّقارِيرِ السّابِقَةِ.
وقَرَأ الضَّحّاكُ والنَّخَعِيُّ وابْنُ وثّابٍ وأبُو رَجاءٍ ومُجاهِدٌ وابْنُ جُنْدَبٍ والكَلْبِيُّ والجَحْدَرِيُّ: مُجْرِيها ومُرْسِيها، اسْمَيْ فاعِلٍ مِن أجْرى وأرْسى عَلى البَدَلِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ، فَهُما في مَوْضِعِ خَبَرٍ، ولا يَكُونانِ صِفَتَيْنِ لِكَوْنِهِما نَكِرَتَيْنِ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهُما عَلى هَذِهِ القِراءَةِ صِفَتانِ عائِدَتانِ عَلى ذِكْرِهِ في قَوْلِهِمْ بِاسْمِ اللَّهِ، انْتَهى.
ولا يَكُونانِ صِفَتَيْنِ إلّا عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونا مَعْرِفَتَيْنِ. وقَدْ ذَهَبَ الخَلِيلُ إلى أنَّ ما كانَتْ إضافَتُهُ غَيْرَ مَحْضَةٍ قَدْ يَصِحُّ أنْ تُجْعَلَ مَحْضَةً فَتُعَرَّفَ، إلّا ما كانَ مِنَ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ فَلا تَتَمَحَّضُ إضافَتُها فَلا تُعَرَّفُ.
﴿إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ﴾: سَتُورٌ عَلَيْكم ذُنُوبَكم بِتَوْبَتِكم وإيمانِكم، (رَحِيمٌ): لَكم إذا نَجّاكم مِنَ الغَرَقِ. ورُوِيَ في الحَدِيثِ: «أنَّ نُوحًا رَكِبَ في السَّفِينَةِ أوَّلَ يَوْمٍ مِن رَجَبٍ، وصامَ الشَّهْرَ أجْمَعَ» وعَنْ عِكْرِمَةَ: لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِن رَجَبٍ.
﴿وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ﴾: إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِما جَرى لِلسَّفِينَةِ، وبِهِمْ: حالٌ، أيْ: مُلْتَبِسَةٌ بِهِمْ، والمَعْنى: تَجْرِي وهم فِيها، ﴿فِي مَوْجٍ كالجِبالِ﴾، أيْ: في مَوْجِ الطُّوفانِ، شَبَّهَ كُلَّ مَوْجَةٍ مِنهُ بِجَبَلٍ في تَراكُمِها وارْتِفاعِها. رُوِيَ أنَّ السَّماءَ أمْطَرَتْ جَمِيعَها حَتّى لَمْ يَكُنْ في الهَواءِ جانِبٌ إلّا أمْطَرَ، وتَفَجَّرَتِ الأرْضُ كُلُّها بِالنَّبْعِ، وهَذا مَعْنى التِقاءِ الماءِ.
ورُوِيَ أنَّ الماءَ عَلا عَلى الجِبالِ وأعالِي الأرْضِ أرْبَعِينَ ذِراعًا، وقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ. وكَوْنُ السَّفِينَةِ تَجْرِي في مَوْجٍ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ كانَ في الماءِ مَوْجٌ، وأنَّهُ لَمْ يُطْبِقِ الماءُ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، وأنَّ السَّفِينَةَ لَمْ تَكُنْ تَجْرِي في جَوْفِ الماءِ، والماءُ أعْلاها وأسْفَلَها، فَكانَتْ تَسْبَحُ في الماءِ كَما تَسْبَحُ السَّمَكَةُ، كَما أشارَ إلَيْهِ الزَّجّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ وغَيْرُهُما.
وقَدِ اسْتَبْعَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذا قالَ: وأيْنَ كانَ المَوْجُ كالجِبالِ عَلى هَذا ؟ ثُمَّ كَيْفَ اسْتَقامَتْ حَياةُ مَن في السَّفِينَةِ ؟ وأجابَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِأنَّ الجَرَيانَ في المَوْجِ كانَ قَبْلَ التَّطْبِيقِ، وقَبْلَ أنْ يَعُمَّ الماءُ الجِبالَ. ألا تَرى إلى قَوْلِ ابْنِهِ: ﴿سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ﴾ .
﴿ونادى نُوحٌ ابْنَهُ﴾: الواوُ لا تُرَتِّبُ. وهَذا النِّداءُ كانَ قَبْلَ جَرْيِ السَّفِينَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ﴾، وفي إضافَتِهِ إلَيْهِ هُنا، وفي قَوْلِهِ: ﴿إنَّ ابْنِي مِن أهْلِي﴾ [هود: ٤٥] ونِدائِهِ، دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ، وهو قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةَ والضَّحّاكِ وابْنِ جُبَيْرٍ ومَيْمُونِ بْنِ (p-٢٢٦)مِهْرانَ والجُمْهُورِ، واسْمُهُ كَنْعانُ. وقِيلَ: يامُ، وقِيلَ: كانَ ابْنَ قَرِيبٍ لَهُ ودَعاهُ بِالبُنُوَّةِ حَنانًا مِنهُ وتَلَطُّفًا.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِكَسْرِ تَنْوِينِ نُوحٍ، وقَرَأ وكِيعُ بْنُ الجَرّاحِ: بِضَمِّهِ، أتْبَعَ حَرَكَتَهُ حَرَكَةَ الإعْرابِ في الحاءِ. قالَ أبُو حاتِمٍ: هي لُغَةُ سُوءٍ لا تُعْرَفُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِوَصْلِ هاءِ الكِنايَةِ بِواوٍ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّهْ بِسُكُونِ الهاءِ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وأبُو الفَضْلِ الرّازِيُّ: وهَذا عَلى لُغَةِ الأزْدِ الشُّراةِ، يُسَكِّنُونَ هاءَ الكِنايَةِ مِنَ المُذَكَّرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎ومِطْوايَ مُشْتاقانِ لَهُ أرِقانِ
وذَكَرَ غَيْرُهُ أنَّها لُغَةٌ لِبَنِي كِلابٍ وعَقِيلٍ، ومِنَ النَّحْوِيِّينَ مَن يَخُصُّ هَذا السُّكُونَ بِالضَّرُورَةِ ويُنْشِدُونَ:
؎وأشْرَبُ الماءَ ما بِي نَحْوَهُ عَطَشٌ ∗∗∗ إلّا لِأنَّ عُيُونَهُ سَيْلُ وادِيها
وقَرَأ السُّدِّيُّ: ابْناهُ بِألِفٍ، وهاءِ السَّكْتِ. قالَ أبُو الفَتْحِ: ذَلِكَ عَلى النِّداءِ. وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إلى أنَّهُ عَلى النُّدْبَةِ والرِّثاءِ. وقَرَأ عَلِيٌّ وعُرْوَةُ وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ وابْنُهُ أبُو جَعْفَرٍ وابْنُهُ جَعْفَرٌ: ﴿ابْنَهُ﴾ بِفَتْحِ الهاءِ مِن غَيْرِ ألِفٍ، أيِ: ابْنَها مُضافًا لِضَمِيرِ امْرَأتِهِ، فاكْتَفى بِالفَتْحَةِ عَنِ الألِفِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهي لُغَةٌ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎إمّا تَقُودُ بِها شاةً فَتَأْكُلُها ∗∗∗ أوْ أنْ تَبِيعَهُ في بَعْضِ الأراكِيبِ
وأنْشَدَ ابْنُ الأعْرابِيِّ عَلى هَذا:
؎فَلَسْتَ بِمُدْرِكٍ ما فاتَ مِنِّي ∗∗∗ بِلَهْفَ ولا بِلَيْتَ ولا لَوانِّي
انْتَهى.
يُرِيدُ: تَلَهُّفًا، وخَطَّأ النَّحّاسُ أبا حاتِمٍ في حَذْفِ هَذِهِ الألِفِ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ولَيْسَ كَما قالَ، انْتَهى.
وهَذا أعْنِي مِثْلَ تَلَهَّفَ بِحَذْفِ الألِفِ عِنْدَ أصْحابِنا ضَرُورَةً، ولِذَلِكَ لا يُجِيزُونَ: يا غُلامُ بِحَذْفِ الألِفِ، والِاجْتِزاءُ بِالفَتْحَةِ عَنْها كَما اجْتَزَءُوا بِالكَسْرَةِ في يا غُلامِ عَنِ الياءِ، وأجازَ ذَلِكَ الأخْفَشُ. وقَرَأ أيْضًا عَلِيٌّ وعُرْوَةُ: ابْنَها بِفَتْحِ الهاءِ وألِفٍ، أيِ: ابْنَ امْرَأتِهِ. وكَوْنُهُ لَيْسَ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ، وإنَّما كانَ ابْنَ امْرَأتِهِ قَوْلَ عَلِيٍّ والحَسَنِ وابْنِ سِيرِينَ وعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ. وكانَ الحَسَنُ يَحْلِفُ أنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ، قالَ قَتادَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ اللَّهَ حَكى عَنْهُ: ﴿إنَّ ابْنِي مِن أهْلِي﴾ [هود: ٤٥]، وأنْتَ تَقُولُ: لَمْ يَكُنِ ابْنَهُ، وأهْلُ الكِتابِ لا يَخْتَلِفُونَ في أنَّهُ كانَ ابْنَهُ فَقالَ: ومَن يَأْخُذُ دِينَهُ مِن أهْلِ الكِتابِ ؟ واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ ﴿مِن أهْلِي﴾ [هود: ٤٥] ولَمْ يَقُلْ مِنِّي، فَعَلى هَذا يَكُونُ رَبِيبًا.
وكانَ عِكْرِمَةُ والضَّحّاكُ يَحْلِفانِ عَلى أنَّهُ ابْنُهُ، ولا يُتَوَهَّمُ أنَّهُ كانَ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ، لِأنَّ ذَلِكَ غَضاضَةٌ عُصِمَتْ مِنهُ الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ وابْنِ جُرَيْجٍ، ولَعَلَّهُ لا يَصِحُّ عَنْهُما. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ما بَغَتِ امْرَأةُ نَبِيٍّ قَطُّ، والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظاهِرُ الآيَةِ أنَّهُ ابْنُهُ، وأمّا قِراءَةُ مَن قَرَأ: ابْنَهُ أوِ ابْنَها فَشاذَّةٌ، ويُمْكِنُ أنْ نُسِبَ إلى أُمِّهِ وأُضِيفَ إلَيْها، ولَمْ يُضَفْ إلى أبِيهِ لِأنَّهُ كانَ كافِرًا مِثْلَها، يُلْحَظُ فِيهِ هَذا المَعْنى ولَمْ يُضَفْ إلَيْهِ اسْتِبْعادًا لَهُ، ورَعْيًا أنْ لا يُضافُ إلَيْهِ كافِرٌ، وإنَّما ناداهُ ظَنًّا مِنهُ أنَّهُ مُؤْمِنٌ، ولَوْلا ذَلِكَ ما أحَبَّ نَجاتَهُ. أوْ ظَنًّا مِنهُ أنَّهُ يُؤْمِنُ إنْ كانَ كافِرًا لِما شاهَدَ مِنَ الأهْوالِ العَظِيمَةِ، وأنَّهُ يَقْبَلُ الإيمانَ. ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿ارْكَبْ مَعَنا﴾ كالدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ طَلَبَ مِنهُ الإيمانَ، وتَأكَّدَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ﴾، أيِ: ارْكَبْ مَعَ المُؤْمِنِينَ، إذْ لا يَرْكَبُ مَعَهم إلّا مُؤْمِنٌ لِقَوْلِهِ: ﴿ومَن آمَنَ﴾ [هود: ٤٠] .
و﴿فِي مَعْزِلٍ﴾، أيْ: في مَكانٍ عَزَلَ فِيهِ نَفْسَهُ عَنْ أبِيهِ وعَنْ مَرْكَبِ المُؤْمِنِينَ. وقِيلَ: في مَعْزِلٍ عَنْ دِينِ أبِيهِ.
ونِداؤُهُ بِالتَّصْغِيرِ خِطابُ تَحَنُّنٍ ورَأْفَةٍ، والمَعْنى: ارْكَبْ مَعَنا في السَّفِينَةِ فَتَنْجُوَ ولا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ فَتَهْلَكَ. وقَرَأ عاصِمٌ: (يا بَنِيَ) بِفَتْحِ الباءِ، ووُجِّهَ عَلى أنَّهُ اجْتَزَأ بِالفَتْحَةِ عَنِ الألْفِ، وأصْلُهُ: يا بُنَيًّا كَقَوْلِكَ: يا غُلامًا، كَما اجْتَزَأ باقِي السَّبْعَةِ بِالكَسْرَةِ عَنِ الياءِ في قِراءَتِهِمْ يا بَنِي بِكَسْرِ الياءِ، أوْ أنَّ الألِفَ انْحَذَفَتْ لِالتِقائِها مَعَ راءِ ارْكَبْ. وظَنَّ ابْنُ نُوحٍ أنَّ ذَلِكَ المَطَرَ والتَّفْجِيرَ عَلى العادَةِ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ﴾، أيْ: مِن (p-٢٢٧)وُصُولِ الماءِ إلَيَّ فَلا أغْرَقُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى عادَتِهِ في الكُفْرِ، وعَدَمِ وُثُوقِهِ بِأبِيهِ فِيما أخْبَرَ بِهِ.
قِيلَ: والجَبَلُ الَّذِي عَناهُ طُورُ زَيْتا فَلَمْ يَمْنَعْهُ، والظّاهِرُ إبْقاءُ (عاصِمَ) عَلى حَقِيقَتِهِ وأنَّهُ نَفى كُلَّ عاصِمٍ مِن أمْرِ اللَّهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ، وأنَّ مَن رَحِمَ يَقَعُ فِيهِ (مَن) عَلى المَعْصُومِ. والضَّمِيرُ الفاعِلُ يَعُودُ عَلى اللَّهِ تَعالى، وضَمِيرُ المَوْصُولِ مَحْذُوفٌ، ويَكُونُ الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعًا، أيْ: لَكِنْ مَن رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْصُومٌ، وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ مِنَ اللَّهِ تَعالى، أيْ لا عاصِمَ إلّا الرّاحِمُ، وأنْ يَكُونَ عاصِمَ بِمَعْنى ذِي عِصْمَةٍ، كَما قالُوا لابِنٌ، أيْ: ذُو لَبَنٍ، وذُو عِصْمَةٍ: مُطْلَقٌ عَلى عاصِمٍ وعَلى مَعْصُومٍ، والمُرادُ بِهِ هُنا: المَعْصُومُ. أوْ فاعِلٌ بِمَعْنى: مَفْعُولٍ، فَيَكُونُ عاصِمٌ بِمَعْنى: مَعْصُومٍ، كَماءٍ دافِقٍ بِمَعْنى: مَدْفُوقٍ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎بَطِيءُ القِيامِ رَخِيمُ الكَلامِ ∗∗∗ أمْسى فُؤادِي بِهِ فاتِنًا
أيْ: مَفْتُونًا. و(مَن) لِلْمَعْصُومِ، أيْ: لا ذا عِصْمَةٍ، أوْ لا مَعْصُومَ إلّا المَرْحُومُ. وعَلى هَذَيْنِ التَّجْوِيزَيْنِ يَكُونُ اسْتِثْناءً مُتَّصِلًا، وجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مُتَّصِلًا بِطَرِيقٍ أُخْرى: وهو حَذْفُ مُضافٍ وقَدَّرَهُ: لا يَعْصِمُكَ اليَوْمَ مُعْتَصَمٌ قَطُّ مِن جَبَلٍ ونَحْوِهِ سِوى مُعْتَصَمٍ واحِدٍ، وهو مَكانُ مَن رَحِمَهُمُ اللَّهُ ونَجّاهم، يَعْنِي في السَّفِينَةِ، انْتَهى.
والظّاهِرُ أنَّ خَبَرَ ﴿لا عاصِمَ﴾ مَحْذُوفٌ، لِأنَّهُ إذا عُلِمَ كَهَذا المَوْضِعِ التَزَمَ حَذْفَهُ بَنُو تَمِيمٍ، وكَثُرَ حَذْفُهُ عِنْدَ أهْلِ الحِجازِ، لِأنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ﴾ قالَ لَهُ نُوحٌ: ﴿لا عاصِمَ﴾، أيْ: لا عاصِمَ مَوْجُودٌ.
ويَكُونُ اليَوْمَ مَنصُوبًا عَلى إضْمارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ عاصِمَ، أيْ: لا عاصِمَ يَعْصِمُ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ، ومِن أمْرِ: مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الفِعْلِ المَحْذُوفِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اليَوْمَ مَنصُوبًا بِقَوْلِهِ: ﴿لا عاصِمَ﴾، ولا أنْ يَكُونَ مِن أمْرِ اللَّهِ مُتَعَلِّقًا بِهِ، لِأنَّ اسْمَ لا إذْ ذاكَ كانَ يَكُونُ مُطَوَّلًا، وإذا كانَ مُطَوَّلًا لَزِمَ تَنْوِينُهُ وإعْرابُهُ، ولا يُبْنى وهو مَبْنِيٌّ، فَبَطَلَ ذَلِكَ.
وأجازَ الحَوْفِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ أنْ يَكُونَ اليَوْمَ خَبَرًا لِقَوْلِهِ: ﴿لا عاصِمَ﴾ . قالَ الحَوْفِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (اليَوْمَ) خَبَرًا ويَتَعَلَّقَ بِمَعْنى الِاسْتِقْرارِ، وتَكُونَ (مِن) مُتَعَلِّقَةً بِما تَعَلَّقَ بِهِ (اليَوْمَ) . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: و(اليَوْمَ) ظَرْفٌ وهو مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن أمْرِ اللَّهِ﴾، أوْ بِالخَبَرِ الَّذِي تَقْدِيرُهُ: كائِنٌ اليَوْمَ، انْتَهى.
ورَدَّ ذَلِكَ أبُو البَقاءِ فَقالَ: فَأمّا خَبَرُ لا فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اليَوْمَ، لِأنَّ ظَرْفَ الزَّمانِ لا يَكُونُ خَبَرًا عَنِ الجَنَّةِ، بَلِ الخَبَرُ مِن أمْرِ اللَّهِ، واليَوْمُ مَعْمُولٌ مِن أمْرِ اللَّهِ. وقالَ الحَوْفِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (اليَوْمَ) نَعْتًا لِعاصِمَ (ومِن) الخَبَرَ، انْتَهى.
ويُرَدُّ بِما رَدَّ بِهِ أبُو البَقاءِ مِن أنَّ ظَرْفَ الزَّمانِ لا يَكُونُ نَعْتًا لِلْجُثَثِ، كَما لا يَكُونُ خَبَرًا. وقُرِئَ: إلّا مَن رُحِمَ بِضَمِّ الرّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِمَن في قِراءَةِ الجُمْهُورِ الَّذِينَ فَتَحُوا الرّاءَ هو المَرْحُومُ لا الرّاحِمُ، ﴿وحالَ بَيْنَهُما﴾ أيْ: بَيْنَ نُوحٍ وابْنِهِ. قِيلَ: كانا يَتَراجَعانِ الكَلامَ، فَما اسْتَتَمَّتِ المُراجَعَةُ حَتّى جاءَتْ مَوْجَةٌ عَظِيمَةٌ، وكانَ راكِبًا عَلى فَرَسٍ قَدْ بَطِرَ وأُعْجِبَ بِنَفْسِهِ فالتَقَمَتْهُ وفَرَسَهُ، وحِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ نُوحٍ فَغَرِقَ. وقالَ الفَرّاءُ: بَيْنَهُما، أيْ: بَيْنَ ابْنِ نُوحٍ والجَبَلِ الَّذِي ظَنَّ أنَّهُ يَعْصِمُهُ.
{"ayahs_start":41,"ayahs":["۞ وَقَالَ ٱرۡكَبُوا۟ فِیهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَاۤۚ إِنَّ رَبِّی لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَهِیَ تَجۡرِی بِهِمۡ فِی مَوۡجࣲ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِی مَعۡزِلࣲ یَـٰبُنَیَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","قَالَ سَـَٔاوِیۤ إِلَىٰ جَبَلࣲ یَعۡصِمُنِی مِنَ ٱلۡمَاۤءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡیَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَیۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِینَ"],"ayah":"قَالَ سَـَٔاوِیۤ إِلَىٰ جَبَلࣲ یَعۡصِمُنِی مِنَ ٱلۡمَاۤءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡیَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَیۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق