الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (٤٢) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿وهي تجري بهم﴾ ، والفلك تجري بنوح ومن معه فيها = ﴿في موج كالجبال ونادى نوح ابنه﴾ ، يام = ﴿وكان في معزل﴾ ، عنه، لم يركب معه الفلك: ﴿يا بني اركب معنا﴾ ، الفلك = ﴿ولا تكن مع الكافرين﴾ . * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال ابن نوح لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة خوفًا عليه من الغرق: ﴿ساوي إلى جبل يعصمني من الماء﴾ يقول: سأصير إلى جبل أتحصّن به من الماء، [[انظر تفسير " أوى " فيما سلف ١٣: ٤٧٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] فيمنعني منه أن يغرقني. * * * ويعني بقوله: ﴿يعصمني﴾ يمنعني، مثل "عصام القربة "، الذي يشدُّ به رأسها، فيمنع الماء أن يسيل منها. [[انظر تفسير " يعصم " فيما سلف ١٠: ٤٧٢، تعليق: ٢ / ١٥: ٧٣.]] * * * وقوله: ﴿لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم﴾ ، يقول: لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك، إلا من رحمنا فأنقذنا منه، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم. * * * = ف "من" في موضع رفع، لأن معنى الكلام: لا عاصم يَعصم اليوم من أمر الله إلا الله. * * * وقد اختلف أهل العربية في موضع "من" في هذا الموضع. فقال بعض نحويي الكوفة: هو في موضع نصب، لأن المعصوم بخلاف العاصم، والمرحوم معصوم. قال: كأن نصبه بمنزلة قوله: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [سورة النساء: ١٥٧] ، قال: ومن استجاز: ﴿اتِّباعُ الظَّنِّ﴾ ، والرفع في قوله: [[هو جران العود.]] وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلا الْيَعَافِيرُ وَإِلا العِيسُ [[سلف البيت وتخريجه فيما مضى ٩: ٢٠٣.]] لم يجز له الرفع في "من"، لأن الذي قال: "إلا اليعافير"، جعل أنيس البرِّ، اليعافير وما أشبهها. وكذلك قوله: ﴿إلا اتباع الظن﴾ ، يقول علمهم ظنٌّ. قال: وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول: "المعصوم " هو "عاصم " في حال، ولكن لو جعلت "العاصم " في تأويل " معصوم"، [كأنك قلت] : " لا معصوم اليوم من أمر الله"، [[الزيادة بين القوسين من معاني القرآن للفراء، وهو نص كلامه.]] لجاز رفع "من". قال: ولا ينكر أن يخرج "المفعول" على "فاعل"، ألا ترى قوله: ﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ ، [سورة الطارق: ٦] ، معناه، والله أعلم: مدفوق = وقوله: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ ، معناها: مرضية؟ قال الشاعر: [[هو الحطيئة.]] دَعِ الْمَكَارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا ... وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي [[ديوانه: ٥٤، وطبقات فحول الشعراء: ٩٨، واللسان (طعم) ، (كسا) ، ومعاني القرآن للفراء، وغيرها كثير، في خبره المشهور لما ذم الزبرقان، واستعدى عليه عمر بن الخطاب، وقال عمر لحسان: أهجاه؟ قال: لا، ولكنه ذرق عليه! وقد فسرته على أن " الطاعم " و" الكاسي "، على النسب، أي: ذو الطعام، يشتهيه ويستجيده من شرهه = وذو الكسوة، يتخيرها ويتأنق فيها، لا هم له في المكارم. ولذلك قال الزبرقان لعمر: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! ! ومثل هذا قول عبد الرحمن بن حسان: إنِّي رأَيْتُ مِنَ المَكَارِمِ حَسْبَكُم ... أَن تَلْبَسُوا حُرَّ الثِّيَابِ وَتَشْبَعُوا .]] ومعناه: المكسوُّ. * * * وقال بعض نحويّي البصرة: ﴿لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم﴾ ، على: "لكن من رحم"، ويجوز أن يكون على: لا ذا عصمة: أي: معصوم، ويكون ﴿إلا من رحم﴾ ، رفعًا بدلا من "العاصم". * * * قال أبو جعفر: ولا وجه لهذه الأقوال التي حكيناها عن هؤلاء، لأن كلام الله تعالى إنما يُوَجَّه إلى الأفصح الأشهر من كلام من نزل بلسانه، ما وُجِد إلى ذلك سبيل. ولم يضطرَّنا شيء إلى أن نجعل "عاصمًا" في معنى "معصوم"، ولا أن نجعل "إلا" بمعنى "لكن"، إذ كنا نجد لذلك في معناها الذي هو معناه في المشهور من كلام العرب مخرجًا صحيحًا، وهو ما قلنا من أنَّ معنى ذلك: قال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله، إلا من رحمَنا فأنجانا من عذابه، كما يقال: "لا مُنجي اليوم من عذاب الله إلا الله" = " ولا مطعم اليومَ من طعام زيد إلا زيد". فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم. * * * وقوله: ﴿وحال بينهما الموج فكان من المغرقين﴾ ، يقول: وحال بين نوح وابنه موجُ الماء فغرق، [[انظر تفسير " حال " فيما سلف ١٣: ٤٧٢.]] فكان ممن أهلكه بالغرق من قوم نوح ﷺ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب