الباحث القرآني
فِي هَذِهِ الآيَةِ الأمْرُ بِالإنْفاقِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وهو الجِهادُ، واللَّفْظُ يَتَناوَلُ غَيْرَهُ مِمّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أنَّهُ مِن سَبِيلِ اللَّهِ والباءُ في قَوْلِهِ: ﴿بِأيْدِيكُمْ﴾ زائِدَةٌ، والتَّقْدِيرُ: ولا تُلْقُوا أيْدِيَكم، ومِثْلُهُ: ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ وقالَ المُبَرِّدُ: ﴿بِأيْدِيكُمْ﴾ أيْ بِأنْفُسِكم تَعْبِيرًا بِالبَعْضِ عَنِ الكُلِّ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ﴾ وقِيلَ: هَذا مَثَلٌ مَضْرُوبٌ، يُقالُ: فُلانٌ ألْقى بِيَدِهِ في أمْرِ كَذا: إذا اسْتَسْلَمَ، لِأنَّ المُسْتَسْلِمَ في القِتالِ يُلْقِي سِلاحَهُ بِيَدَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِعْلُ كُلِّ عاجِزٍ في أيِّ فِعْلٍ كانَ وقالَ قَوْمٌ: التَّقْدِيرُ ولا تُلْقُوا أنْفُسَكم بِأيْدِيكم.
والتَّهْلُكَةُ: مَصْدَرٌ مِن هَلَكَ يَهْلَكُ هَلاكًا وهُلْكًا وتَهْلُكَةً، أيْ لا تَأْخُذُوا فِيما يُهْلِكُكم.
ولِلسَّلَفِ في مَعْنى الآيَةِ أقْوالٌ سَيَأْتِي بَيانُها، وبَيانُ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ.
والحَقُّ أنَّ الِاعْتِبارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَكُلُّ ما صَدَقَ عَلَيْهِ أنَّهُ تَهْلُكَةٌ في الدِّينِ أوِ الدُّنْيا فَهو داخِلٌ في هَذا، وبِهِ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.
ومِن جُمْلَةِ ما يَدْخُلُ تَحْتَ الآيَةِ أنْ يَقْتَحِمَ الرَّجُلُ في الحَرْبِ فَيَحْمِلُ عَلى الجَيْشِ مَعَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلى التَّخَلُّصِ وعَدَمِ تَأْثِيرِهِ لِأثَرٍ يَنْفَعُ المُجاهِدِينَ، ولا يَمْنَعُ مِن دُخُولِ هَذا تَحْتَ الآيَةِ إنْكارُ مَن أنْكَرَهُ مِنَ الَّذِينَ رَأوُا السَّبَبَ، فَإنَّهم ظَنُّوا أنَّ الآيَةَ لا تُجاوِزَ سَبَبَها، وهو ظَنٌّ تَدْفَعُهُ لُغَةُ العَرَبِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وأحْسِنُوا﴾ أيْ في الإنْفاقِ في الطّاعَةِ، أوْ أحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ في إخْلافِهِ عَلَيْكم.
وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبُخارِيُّ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وأنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ﴾ قالَ: نَزَلَتْ في النَّفَقَةِ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: هو تَرْكُ النَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ مَخافَةَ العَيْلَةِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ أيْضًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الحَسَنِ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ قالَ: هو البُخْلُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ في الآيَةِ قالَ: كانَ رِجالٌ يَخْرُجُونَ في بُعُوثٍ يَبْعَثُها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ، فَإمّا يَقْطَعُ لَهم، وإمّا كانُوا عِيالًا، فَأمَرَهُمُ اللَّهُ أنْ يَسْتَنْفِقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ولا يُلْقُوا بِأيْدِيهمْ إلى التَّهْلُكَةِ.
والتَّهْلُكَةُ: أنْ تَهْلَكَ رِجالٌ مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ ومِنَ المَشْيِ.
وقالَ لِمَن بِيَدِهِ فَضْلٌ: ﴿وأحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو يَعْلى وابْنُ جَرِيرٍ والبَغَوِيُّ في مُعْجَمِهِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ حِبّانَ وابْنُ مانِعٍ والطَّبَرانِيُّ عَنِ الضَّحّاكِ بْنِ أبِي جُبَيْرَةَ: أنَّ الأنْصارَ كانُوا يُنْفِقُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ ويَتَصَدَّقُونَ، فَأصابَتْهم سَنَةٌ فَساءَ ظَنُّهم وأمْسَكُوا عَنْ ذَلِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ والنَّسائِيُّ وأبُو يَعْلى وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ أسْلَمَ بْنِ عِمْرانَ قالَ: كُنّا بِالقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وعَلى أهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عامِرٍ، وعَلى أهْلِ الشّامِ فُضالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَخَرَجَ صَفٌّ عَظِيمٌ مِنَ الرُّومِ فَصَفَفْنا لَهم، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلى صَفِّ الرُّومِ حَتّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصاحَ النّاسُ وقالُوا: سُبْحانَ اللَّهِ يُلْقِي بِيَدِهِ إلى التَّهْلُكَةِ ؟ فَقامَ أبُو أيُّوبَ صاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا أيُّها النّاسُ إنَّكم تُئَوِّلُونَ الآيَةَ هَذا التَّأْوِيلَ، وإنَّما أُنْزِلَتْ فِينا هَذِهِ الآيَةُ مَعْشَرَ الأنْصارِ، إنّا لَمّا أعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ وكَثُرَ ناصِرُوهُ، قالَ بَعْضُنا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إنْ أمْوالَ النّاسِ قَدْ ضاعَتْ، وإنَّ اللَّهَ قَدْ أعَزَّ الإسْلامَ وكَثُرَ ناصِرُوهُ، فَلَوْ أقَمْنا في أمْوالِنا فَأصْلَحْنا ما ضاعَ مِنها ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ يَرُدُّ عَلَيْنا: ﴿وأنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ﴾ فَكانَتِ التَّهْلُكَةُ الإقامَةَ في الأمْوالِ وإصْلاحَها وتَرْكَ الغَزْوِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ في تَفْسِيرِ الآيَةِ: هو الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ: لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِي أبَدًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ قالَ في تَفْسِيرِ الآيَةِ: إنَّهُ القُنُوطُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: التَّهْلُكَةُ عَذابُ اللَّهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ أنَّهم حاصَرُوا دِمَشْقَ فَأسْرَعَ رَجُلٌ إلى العَدُوِّ وحْدَهُ، فَعابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ، ورُفِعَ حَدِيثُهُ إلى عَمْرِو بْنِ العاصِ فَأرْسَلَ إلَيْهِ فَرَدَّهُ، وقالَ: قالَ اللَّهُ: ﴿ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحابَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وأحْسِنُوا﴾ قالَ: أدَّوُا الفَرائِضَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي إسْحاقَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ (p-١٢٦)عِكْرِمَةَ قالَ: أحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ.
{"ayah":"وَأَنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق