الباحث القرآني
﴿وأنْفِقُوا﴾ إلَخْ، فَكانَتِ ( التَّهْلُكَةُ ) الإقامَةُ في الأمْوالِ وإصْلاحُها وتَرْكُ الغَزْوِ. وقالَ الجِبّائِيُّ: ( التَّهْلُكَةُ ) الإسْرافُ في الإنْفاقِ، فالمُرادُ بِالآيَةِ النَّهْيُ عَنْهُ بَعْدَ الأمْرِ بِالإنْفاقِ؛ تَحَرِّيًا لِلطَّرِيقِ الوَسَطِ (p-78)بَيْنَ الإفْراطِ والتَّفْرِيطِ فِيهِ، ورَوى البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ، عَنِ الحَسَنِ، أنَّها البُخْلُ؛ لِأنَّهُ يُؤَدِّي إلى الهَلاكِ المُؤَبَّدِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ مُؤَكِّدًا لِلْأمْرِ السّابِقِ، واخْتارَ البَلْخِيُّ أنَّها اقْتِحامُ الحَرْبِ مِن غَيْرِ مُبالاةٍ، وإيقاعُ النَّفْسِ في الخَطَرِ والهَلاكِ، فَيَكُونُ الكَلامُ مُتَعَلِّقًا بِـ قاتَلُوا نَهْيًا عَنِ الإفْراطِ والتَّفْرِيطِ في الشَّجاعَةِ، وأخْرَجَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وجَماعَةٌ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ، أنَّهُ قِيلَ لَهُ: ﴿ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ﴾ هو الرَّجُلُ يَلْقى العَدُوَّ فَيُقاتِلُ حَتّى يُقْتَلَ، قالَ: لا، ولَكِنْ هو الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ: لا يَغْفِرُ اللَّهُ - تَعالى - لِي أبَدًا، ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمانِيِّ، وعَلَيْهِ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وهو في غايَةِ البُعْدِ، ولَمْ أرَ مَن صَحَّحَ الخَبَرَ عَنِ البَراءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - سِوى الحاكِمِ، وتَصْحِيحُهُ يُوثَقُ بِهِ، وظاهِرُ اللَّفْظِ العُمُومُ والإلْقاءُ تَصْيِيرُ الشَّيْءِ إلى جِهَةِ السُّفْلِ وأُلْقِيَ عَلَيْهِ مَسْألَةٌ مَجازٌ، ويُقالُ لِكُلِّ مَن أخَذَ في عَمَلٍ ألْقى يَدَيْهِ إلَيْهِ وفِيهِ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ في الشَّمْسِ:
؎حَتّى إذا ألْقَتْ يَدًا في كافِرٍ وأجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها
وعُدِّيَ ( بِإلى ) لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الإفْضاءِ أوِ الإنْهاءِ، ( والباءُ ) مَزِيدَةٌ في المَفْعُولِ لِتَأْكِيدِ مَعْنى النَّهْيِ؛ لِأنَّ ( ألْقى ) يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ كَما في ﴿فَألْقى مُوسى عَصاهُ﴾ وزِيادَتُها في المَفْعُولِ لا تَنْقاسُ، والمُرادُ بِالأيْدِي الأنْفُسُ مَجازًا، وعَبَّرَ بِها عَنْها؛ لِأنَّ أكْثَرَ ظُهُورِ أفْعالِها بِها، وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ زائِدَةً، والأيْدِي بِمَعْناها، والمَعْنى لا تَجْعَلُوا التَّهْلُكَة آخِذَةً بِأيْدِيكم قابِضَةً إيّاها، وأنْ تَكُونَ غَيْرَ مَزِيدَةٍ، ( والأيْدِي ) أيْضًا عَلى حَقِيقَتِها، ويَكُونُ المَفْعُولُ مَحْذُوفًا؛ أيْ: لا تُلْقُوا بِأيْدِيكم أنْفُسَكم إلى ﴿التَّهْلُكَةِ﴾ وفائِدَةُ ذِكْرِ ( الأيْدِي ) حِينَئِذٍ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنِ الإلْقاءِ إلَيْها بِالقَصْدِ والِاخْتِيارِ، والتَّهْلُكَة مَصْدَرٌ كالهَلَكِ والهَلاكِ، ولَيْسَ في كَلامِ العَرَبِ مَصْدَرٌ عَلى تَفْعُلَةٍ ( بِضَمِّ العَيْنِ ) إلّا هَذا في المَشْهُورِ، وحَكى سِيبَوَيْهِ عَنِ العَرَبِ: ( تَضُرَّةٌ وتَسُرَّةٌ ) أيْضًا بِمَعْنى الضَّرَرِ والسُّرُورِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ أصْلُها ( تَهْلِكَةً بِكَسْرِ اللّامِ ) مَصْدَرُ هَلَكَ مُشَدَّدًا كالتَّجْرِبَةِ والتَّبْصِرَةِ، فَأُبْدِلَتِ الكَسْرَةُ ضَمَّةً، وفِيهِ أنَّ مَجِيءَ تَفْعِلَةٍ بِالكَسْرِ مِن فِعْلِ المُشَدَّدِ الصَّحِيحِ الغَيْرِ المَهْمُوزِ شاذٌّ، والقِياسُ تَفْعِيلٌ، وإبْدالُ الكَسْرَةِ بِالضَّمِّ مِن غَيْرِ عِلَّةٍ في غايَةِ الشُّذُوذِ، وتَمْثِيلُهُ بِالجُوارِ مَضْمُومِ الجِيمِ في جِوارٍ مَكْسُورِها لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ نَصًّا في الإبْدالِ، لِجَوازِ أنْ يَكُونَ بِناءُ المَصْدَرِ فِيهِ عَلى فُعالٍ مَضْمُومِ الفاءِ شُذُوذًا، يُؤَيِّدُهُ ما في الصِّحاحِ جاوَرْتُهُ مُجاوَرَةً وجِوارًا وجُوارًا، والكَسْرُ أفْصَحُ، وفَرَّقَ بَعْضُهم بَيْنَ ( التَّهْلُكَةِ ) والهَلاكِ، بِأنَّ الأوَّلَ ما يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، والثّانِي ما لا يُمْكِنُ، وقِيلَ: الهَلاكُ مَصْدَرٌ، و( التَّهْلُكَةُ ) نَفْسُ الشَّيْءِ المُهْلِكِ، وكِلا القَوْلَيْنِ خِلافُ المَشْهُورِ، واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى تَحْرِيمِ الإقْدامِ عَلى ما يُخافُ مِنهُ تَلَفُ النَّفْسِ، وجَوازِ الصُّلْحِ مَعَ الكُفّارِ والبُغاةِ إذا خافَ الإمامُ عَلى نَفْسِهِ أوْ عَلى المُسْلِمِينَ ﴿وأحْسِنُوا﴾ أيْ: بِالعَوْدِ عَلى المُحْتاجِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ، وقِيلَ: أحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعالى، وأحْسَنُوا في أعْمالِكم بِامْتِثالِ الطّاعاتِ، ولَعَلَّهُ أوْلى.
﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ 195﴾ ويُثِيبُهم.
{"ayah":"وَأَنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











