الباحث القرآني
.
ثُمَّ حَكى سُبْحانَهُ سَفَرَ ذِي القَرْنَيْنِ إلى ناحِيَةٍ أُخْرى، وهي ناحِيَةُ القُطْرِ الشَّمالِيِّ بَعْدَ تَهْيِئَةِ أسْبابِهِ فَقالَ: ﴿ثُمَّ أتْبَعَ سَبَبًا﴾ أيْ: طَرِيقًا ثالِثًا مُعْتَرِضًا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ.
﴿حَتّى إذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وحَفْصٌ وابْنُ مُحَيْصِنٍ ويَحْيى اليَزِيدِيُّ وأبُو زَيْدٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بِفَتْحِ السِّينِ. وقَرَأ الباقُونَ بِضَمِّها.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ وابْنُ الأنْبارِيِّ وأبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ: السَّدُّ إنْ كانَ بِخَلْقِ اللَّهِ سُبْحانَهُ فَهو بِضَمِّ السِّينِ حَتّى يَكُونَ بِمَعْنى مَفْعُولٍ أيْ: هو مِمّا فَعَلَهُ اللَّهُ وخَلَقَهُ، وإنْ كانَ مِن عَمَلِ العِبادِ فَهو بِالفَتْحِ حَتّى يَكُونَ حَدَثًا.
وقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: كُلُّ ما قابَلَكَ فَسَدَّ ما وراءَهُ فَهو سَدٌّ وسُدُّ، نَحْوُ الضَّعْفِ والضُّعْفِ، والفَقْرِ والفُقْرِ، والسَّدّانِ هُما جَبَلانِ مِن قِبَلِ أرْمِينِيَّةَ وأذْرَبِيجانَ، وانْتِصابُ ( بَيْنَ ) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ كَما ارْتَفَعَ بِالفاعِلِيَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤]
وقِيلَ: مَوْضِعُ بَيْنَ السَّدَّيْنِ هو مُنْقَطَعُ أرْضِ التُّرْكِ مِمّا يَلِي المَشْرِقَ لا جَبَلا أرْمِينِيَّةَ وأذْرَبِيجانَ، وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ في تارِيخِهِ أنَّ صاحِبَ أذْرَبِيجانَ أيّامَ فَتْحِها وجَّهَ إنْسانًا مِن ناحِيَةِ الجُزُرِ فَشاهَدَهُ، ووَصَفَ أنَّهُ بُنْيانٌ رَفِيعٌ وراءَ خَنْدَقٍ وثِيقٌ مَنِيعٌ، و﴿وجَدَ مِن دُونِهِما﴾ أيْ: مِن ورائِهِما مَجازًا عَنْهُما، وقِيلَ: أمامَهُما ﴿قَوْمًا لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( يُفْقِهُونَ ) بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ القافِ مِن أفْقَهَ: إذا أبانَ أيْ: لا يُبَيِّنُونَ لِغَيْرِهِمْ كَلامًا، وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِ الياءِ والقافِ أيْ: لا يَفْهَمُونَ كَلامَ غَيْرِهِمْ، والقِراءَتانِ صَحِيحَتانِ، ومَعْناهُما لا يَفْهَمُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ ولا يُفْهِمُونَ غَيْرَهم؛ لِأنَّهم لا يَعْرِفُونَ غَيْرَ لُغَةِ أنْفُسِهِمْ.
( قالُوا ) أيْ هَؤُلاءِ القَوْمُ الَّذِينَ لا يُفْهِمُونَ قَوْلًا، قِيلَ: إنَّ فَهْمَ ذِي القَرْنَيْنِ لِكَلامِهِمْ مِن جُمْلَةِ الأسْبابِ الَّتِي أعْطاهُ اللَّهُ، وقِيلَ: إنَّهم قالُوا ذَلِكَ لِتُرْجُمانِهِمْ، فَقالَ لِذِي القَرْنَيْنِ بِما قالُوا لَهُ ﴿ياذا القَرْنَيْنِ إنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ في الأرْضِ﴾ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ اسْمانِ عَجَمِيّانِ بِدَلِيلِ مَنعِ صَرْفِهِما، وبِهِ قالَ الأكْثَرُ.
وقِيلَ: مُشْتَقّانِ مِن أجَّ الظَّلِيمُ في مَشْيِهِ: إذا هَرْوَلَ، وتَأجَّجَتِ النّارُ: إذا تَلَهَّبَتْ، قَرَأهُما الجُمْهُورُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وقَرَأ عاصِمٌ بِالهَمْزِ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: (p-٨٧٦)وجْهُ هَمْزِهِما وإنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ أصْلٌ أنَّ العَرَبَ قَدْ هَمَزَتْ حُرُوفًا لا يُعْرَفُ لِلْهَمْزِ فِيها أصْلٌ كَقَوْلِهِمْ: كَبْأثَ ورَثَأتْ واسْتَشْأتْ الرِّيحُ.
قالَ أبُو عَلِيٍّ: يَجُوزُ أنْ يَكُونا عَرَبِيَّيْنِ، فَمَن هَمَزَ فَهو عَلى وزْنِ يَفْعُولٍ مِثْلَ يَرْبُوعٍ، ومَن لَمْ يَهْمِزْ أمْكَنَ أنْ يَكُونَ خَفَّفَ الهَمْزَةَ فَقَلَبَها ألِفًا مِثْلَ: راسٍ.
وأمّا مَأْجُوجُ، فَهو مَفْعُولُ مِن أجَّ، والكَلِمَتانِ مَن أصْلٍ واحِدٍ في الِاشْتِقاقِ. قالَ: وتُرِكَ الصَّرْفُ فِيهِما عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِما عَرَبِيَّيْنِ لِلتَّأْنِيثِ والتَّعْرِيفِ كَأنَّهُ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ.
واخْتُلِفَ في نَسَبِهِمْ، فَقِيلَ هم مِن ولَدِ يافِثَ بْنِ نُوحٍ، وقِيلَ: يَأْجُوجُ مِنَ التُّرْكِ ومَأْجُوجُ مِنَ الجَبَلِ والدَّيْلَمِ.
وقالَ كَعْبُ الأحْبارِ: احْتَلَمَ آدَمُ فاخْتَلَطَ ماؤُهُ بِالتُّرابِ فَخُلِقُوا مِن ذَلِكَ الماءِ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: وهَذا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأنَّ الأنْبِياءَ لا يَحْتَلِمُونَ، وإنَّما هم مِن ولَدِ يافِثَ، كَذَلِكَ قالَ مُقاتِلٌ وغَيْرُهُ. وقَدْ وقَعَ الخِلافُ في صِفَتِهِمْ، فَمِنَ النّاسِ مَن يَصِفُهم بِصِغَرِ الجُثَثِ وقِصَرِ القامَةِ، ومِنهم مَن يَصِفُهم بِكِبَرِ الجُثَثِ وطُولِ القامَةِ، ومِنهم مَن يَقُولُ لَهم مَخالِبُ كَمَخالِبِ السِّباعِ، وإنَّ مِنهم صِنْفًا يَفْتَرِشُ إحْدى أُذُنَيْهِ ويَلْتَحِفُ بِالأُخْرى، ولِأهْلِ العِلْمِ مِنَ السَّلَفِ ومَن بَعْدَهم أخْبارٌ مُخْتَلِفَةٌ في صِفاتِهِمْ وأفْعالِهِمْ.
واخْتُلِفَ في إفْسادِهِمْ في الأرْضِ، فَقِيلَ: هو أكْلُ بَنِي آدَمَ، وقِيلَ: هو الظُّلْمُ والغَشْمُ والقَتْلُ وسائِرُ وُجُوهِ الإفْسادِ، وقِيلَ: كانُوا يَخْرُجُونَ إلى أرْضِ هَؤُلاءِ القَوْمِ الَّذِينَ شَكَوْهم إلى ذِي القَرْنَيْنِ في أيّامِ الرَّبِيعِ فَلا يَدَعُونَ فِيها شَيْئًا أخْضَرَ إلّا أكَلُوهُ ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ هَذا الِاسْتِفْهامُ مِن بابِ حُسْنِ الأدَبِ مَعَ ذِي القَرْنَيْنِ. وقُرِئَ ( خَراجًا ) .
قالَ الأزْهَرِيُّ: الخَراجُ يَقَعُ عَلى الضَّرِيبَةِ ويَقَعُ عَلى مالِ الفَيْءِ، ويَقَعُ عَلى الجِزْيَةِ وعَلى الغَلَّةِ. والخَراجُ أيْضًا اسْمٌ لِما يَخْرُجُ مِنَ الفَرائِضِ في الأمْوالِ، والخَرْجُ المَصْدَرُ.
وقالَ قُطْرُبٌ: الخَرْجُ الجِزْيَةُ والخَراجُ في الأرْضِ، وقِيلَ: الخَرْجُ ما يُخْرِجُهُ كُلُّ أحَدٍ مِن مالِهِ، والخَراجُ ما يَجْبِيهِ السُّلْطانُ، وقِيلَ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ ﴿عَلى أنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وبَيْنَهم سَدًّا﴾ أيْ: رَدْمًا حاجِزًا بَيْنَنا وبَيْنَهم. وقُرِئَ ( سَدًّا ) بِفَتْحِ السِّينِ.
قالَ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ: الضَّمُّ هو الِاسْمُ، والفَتْحُ المَصْدَرُ. وقالَ الكِسائِيُّ: الفَتْحُ والضَّمُّ لُغَتانِ بِمَعْنًى واحِدٍ، وقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا ما حَكَيْناهُ عَنْ أبِي عَمْرٍو بْنِ العَلاءِ وأبِي عُبَيْدَةَ وابْنِ الأنْبارِيِّ مِنَ الفَرْقِ بَيْنَهُما.
وقالَ ابْنُ أبِي إسْحاقَ: ما رَأتْهُ عَيْناكَ فَهو سُدٌّ بِالضَّمِّ، وما لا تَرى فَهو سَدٌّ بِالفَتْحِ، وقَدْ قَدَّمْنا بَيانَ مَن قَرَأ بِالفَتْحِ وبِالضَّمِّ في السَّدَّيْنِ.
﴿قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي﴾ أيْ: قالَ لَهم ذُو القَرْنَيْنِ: ما بَسَطَهُ اللَّهُ لِي مِنَ القُدْرَةِ والمُلْكِ خَيْرٌ مِن خَرْجِكم، ثُمَّ طَلَبَ مِنهُمُ المُعاوَنَةَ لَهُ فَقالَ: ( فَأعِينُونِي بِقُوَّةٍ ) أيْ: بِرِجالٍ مِنكم يَعْمَلُونَ بِأيْدِيهِمْ، أوْ أعِينُونِي بِآلاتِ البِناءِ، أوْ بِمَجْمُوعِهِما. قالَ الزَّجّاجُ: بِعَمَلٍ تَعْمَلُونَهُ مَعِي.
قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وحْدَهُ ( ما مَكَّنَنِي ) بِنُونَيْنِ، وقَرَأ الباقُونَ بِنُونٍ واحِدَةٍ ﴿أجْعَلْ بَيْنَكم وبَيْنَهم رَدْمًا﴾ هَذا جَوابُ الأمْرِ، والرَّدْمُ: ما جُعِلَ بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ حَتّى يَتَّصِلَ.
قالَ الهَرَوِيُّ: يُقالُ رَدَمْتُ الثُّلْمَةَ أرْدِمُها بِالكَسْرِ رَدْمًا أيْ: سَدَدْتُها، والرَّدْمُ أيْضًا الِاسْمُ، وهو السَّدُّ، وقِيلَ: الرَّدْمُ أبْلَغُ مِنَ السَّدِّ، إذِ السَّدُّ كُلُّ ما يُسَدُّ بِهِ، والرَّدْمُ: وضْعُ الشَّيْءِ عَلى الشَّيْءِ مِن حِجارَةٍ أوْ تُرابٍ أوْ نَحْوِهِما حَتّى يَقُومَ مِن ذَلِكَ حِجابٌ مَنِيعٌ، ومِنهُ رَدَمَ ثَوْبَهُ: إذا رَقَعَهُ بِرِقاعٍ مُتَكاثِفَةٍ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، ومِنهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
؎هَلْ غادَرَ الشُّعَراءُ مِن مُتَرَدِّمِ
أيْ: مِن قَوْلٍ يَرْكَبُ بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ.
﴿آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ أيْ: أعْطُوْنِي وناوِلُونِي، و( زُبَرَ الحَدِيدِ ) جَمْعُ زُبْرَةٍ، وهي القِطْعَةُ. قالَ الخَلِيلُ: الزُّبْرَةُ مِنَ الحَدِيدِ القِطْعَةُ الضَّخْمَةُ. قالَ الفَرّاءُ: مَعْنى ﴿آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ ائْتُونِي بِها. فَلَمّا أُلْقِيَتِ الياءُ زِيدَتْ ألِفًا، وعَلى هَذا فانْتِصابُ ( زُبُرَ ) بِنَزْعِ الخافِضِ ﴿حَتّى إذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ والصَّدَفانِ: جانِبا الجَبَلِ.
قالَ الأزْهَرِيُّ: يُقالُ لِجانِبَيِ الجَبَلِ صَدَفانِ إذا تَحاذَيا لِتَصادُفِهِما أيْ: تَلاقِيهِما، وكَذا قالَ أبُو عُبَيْدَةَ والهَرَوِيُّ.
قالَ الشّاعِرُ:
؎كِلا الصَّدَفَيْنِ يَنْفِدُهُ سِناها ∗∗∗ تُوقِدُ مِثْلَ مِصْباحِ الظَّلامِ
وقَدْ يُقالُ لِكُلِّ بِناءٍ عَظِيمٍ مُرْتَفِعٍ صَدَفٌ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، قَرَأ نافِعٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ ( الصَّدَفَيْنِ ) بِفَتْحِ الصّادِ والدّالِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ وأبُو عَمْرٍو ويَعْقُوبُ واليَزِيدِيُّ وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِضَمِّ الصّادِ والدّالِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ بِضَمِّ الصّادِ وسُكُونِ الدّالِ. وقَرَأ ابْنُ الماجِشُونَ بِفَتْحِ الصّادِ وضَمِّ الدّالِ، واخْتارَ القِراءَةَ الأُولى أبُو عُبَيْدٍ لِأنَّها أشْهَرُ اللُّغاتِ، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّهم أعْطَوْهُ زُبَرَ الحَدِيدِ، فَجَعَلَ يَبْنِي بِها بَيْنَ الجَبَلَيْنِ حَتّى ساواهُما ( قالَ انْفُخُوا ) أيْ: قالَ لِلْعَمَلَةِ: انْفُخُوا عَلى هَذِهِ الزُّبَرِ بِالكِيرانِ ﴿حَتّى إذا جَعَلَهُ نارًا﴾ أيْ: جَعَلَ ذَلِكَ المَنفُوخَ فِيهِ - وهو الزُّبَرُ - نارًا أيْ: كالنّارِ في حَرِّها. وإسْنادُ الجَعْلِ إلى ذِي القَرْنَيْنِ مَجازٌ لِكَوْنِهِ الآمِرَ بِالنَّفْخِ.
قِيلَ: كانَ يَأْمُرُ بِوَضْعِ طاقَةٍ مِنَ الزُّبَرِ والحِجارَةِ ثُمَّ يُوقِدُ عَلَيْها الحَطَبَ والفَحْمَ بِالمَنافِخِ حَتّى تُحْمى، والحَدِيدُ إذا أُوقِدَ عَلَيْهِ صارَ كالنّارِ، ثُمَّ يُؤْتى بِالنُّحاسِ المُذابِ فَيُفْرِغُهُ عَلى تِلْكَ الطّاقَةِ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: القِطْرُ النُّحاسُ الذّائِبُ، والإفْراغُ: الصَّبُّ، وكَذا قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ. وقالَتْ طائِفَةٌ: القِطْرُ الحَدِيدُ المُذابُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرى مِنهُمُ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هو الرَّصاصُ المُذابُ.
( فَما اسْطاعُوا ) أصْلُهُ اسْتَطاعُوا، فَلَمّا اجْتَمَعَ المُتَقارِبانِ، وهُما التّاءُ والطّاءُ خُفِّفُوا بِالحَذْفِ. قالَ ابْنُ السِّكِيتِ: يُقالُ: ما أسْتَطِيعُ، وما أسْطِيعُ، وما أسْتِيعُ.
وبِالتَّخْفِيفِ قَرَأ الجُمْهُورُ، وقَرَأ حَمْزَةُ وحْدَهُ ( فَما اسَطّاعُوا ) بِتَشْدِيدِ الطّاءِ كَأنَّهُ أرادَ ( اسْتَطاعُوا ) فَأدْغَمَ التّاءَ في الطّاءِ وهي قِراءَةٌ ضَعِيفَةُ الوَجْهِ، قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: هي غَيْرُ جائِزَةٍ.
وقَرَأ الأعْمَشُ ( فَما اسْتَطاعُوا ) عَلى الأصْلِ، ومَعْنى ( أنْ يَظْهَرُوهُ ) أنْ يَعْلُوهُ أيْ: فَما اسْتَطاعَ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ أنْ يَعْلُوا عَلى ذَلِكَ الرَّدْمِ لِارْتِفاعِهِ ومَلاسَتِهِ ﴿وما اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ يُقالُ: نَقَبْتُ الحائِطَ؛ إذا خَرَقْتَ فِيهِ خَرْقًا (p-٨٧٧)فَخَلَصَ إلى ما وراءَهُ.
قالَ الزَّجّاجُ: ما قَدَرُوا أنْ يَعْلُوا عَلَيْهِ لِارْتِفاعِهِ وانْمِلاسِهِ، وما اسْتَطاعُوا أنْ يَنْقُبُوهُ مِن أسْفَلِهِ لِشِدَّتِهِ وصَلابَتِهِ.
﴿قالَ هَذا رَحْمَةٌ مِن رَبِّي﴾ أيْ: قالَ ذُو القَرْنَيْنِ مُشِيرًا إلى السَّدِّ: هَذا السَّدُّ رَحْمَةٌ مِن رَبِّي أيْ: أثَرٌ مِن آثارِ رَحْمَتِهِ لِهَؤُلاءِ المُتَجاوِزِينَ لِلسَّدِّ ولِمَن خَلْفَهم مِمَّنْ يَخْشى عَلَيْهِمْ مَعَرَّتَهم لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ السَّدُّ، وقِيلَ: الإشارَةُ إلى التَّمْكِينِ مِن بِنائِهِ ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ رَبِّي﴾ أيْ: أجَلُ رَبِّي أنْ يَخْرُجُوا مِنهُ، وقِيلَ: هو مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ، وهو يَوْمُ القِيامَةِ ( جَعَلَهُ دَكّاءً ) أيْ: مُسْتَوِيًا بِالأرْضِ ومِنهُ قَوْلِهِ: ﴿كَلّا إذا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا﴾ [الفجر: ٢١] . قالَ التِّرْمِذِيُّ، أيْ: مُسْتَوِيًا، يُقالُ: ناقَةٌ دَكّاءٌ: إذا ذَهَبَ سَنامُها. وقالَ القُتَيْبِيُّ أيْ: جَعَلَهُ مَدْكُوكًا مُلْصَقًا بِالأرْضِ. وقالَ الحَلِيمِيُّ: قِطَعًا مُتَكَسِّرًا. قالَ الشّاعِرُ:
؎هَلْ غَيْرُ غارٍ دَكَّ غارًا فانْهَدَمَ
قالَ الأزْهَرِيُّ: دَكَكْتُهُ أيْ: دَقَقْتَهُ.
ومَن قَرَأ ( دَكّاءً ) بِالمَدِّ وهو عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ أرادَ التَّشْبِيهَ بِالنّاقَةِ الدَّكّاءِ، وهي الَّتِي لا سَنامَ لَها أيْ: مِثْلُ دَكّاءٍ؛ لِأنَّ السَّدَّ مُذَكَّرٌ فَلا يُوصَفُ بِدَكّاءٍ.
وقَرَأ الباقُونَ ( دَكًّا ) بِالتَّنْوِينِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ، ومَعْناهُ ما تَقَدَّمَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنى الحالِ أيْ: مَدْكُوكًا ﴿وكانَ وعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ أيْ: وعْدُهُ بِالثَّوابِ والعِقابِ، أوِ الوَعْدُ المَعْهُودُ حَقًّا ثابِتًا لا يَتَخَلَّفُ، وهَذا آخِرُ قَوْلِ ذِي القَرْنَيْنِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿حَتّى إذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ قالَ: الجَبَلَيْنِ أرْمِينِيَّةَ وأذْرَبِيجانَ.
وأخْرَجَ أيْضًا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ﴿لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ قالَ: التُّرْكُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ شِبْرٌ وشِبْرانِ وأطْوَلُهم ثَلاثَةُ أشْبارٍ، وهم مِن ولَدِ آدَمَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «إنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِن ولَدِ آدَمَ ولَوْ أُرْسِلُوا لَأفْسَدُوا عَلى النّاسِ مَعايِشَهم، ولا يَمُوتُ مِنهم رَجُلٌ إلّا تَرَكَ مِن ذُرِّيَّتِهِ ألْفًا فَصاعِدًا، وإنَّ مِن ورائِهِمْ ثَلاثَ أُمَمٍ: تاوِيلُ، وتارِيسُ، ومَنسَكُ» .
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ مِن حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أوْسٍ عَنْ أبِيهِ مَرْفُوعًا «أنَّهُ لا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنهم إلّا تَرَكَ مِن ذُرِّيَّتِهِ ألْفًا فَصاعِدًا» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وابْنُ ماجَه وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «إنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ في الأرْضِ يَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتّى إذا كادُوا يَرَوْنَ شُعاعَ الشَّمْسِ قالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَفْتَحُونَهُ غَدًا، فَيَعُودُونَ إلَيْهِ أشَدَّ ما كانَ، حَتّى إذا بَلَغَتْ مُدَّتُهم وأرادَ اللَّهُ أنْ يَبْعَثَهم عَلى النّاسِ حَفَرُوا، حَتّى إذا كادُوا يَرَوْنَ شُعاعَ الشَّمْسِ قالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَفْتَحُونَهُ غَدًا إنْ شاءَ اللَّهُ، ويَسْتَثْنِي فَيَعُودُونَ إلَيْهِ وهو كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ ويَخْرُجُونَ عَلى النّاسِ فَيَسْتَقُونَ المِياهَ، ويَتَحَصَّنُ النّاسُ مِنهم في حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهامِهِمْ إلى السَّماءِ فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدِّماءِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنا مَن في الأرْضِ وعَلَوْنا مَن في السَّماءِ قَسْرًا وعُلُوًّا، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا في أقْفائِهِمْ فَيَهْلِكُونَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: فَوالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ دَوابَّ الأرْضِ لَتَسْمَنُ وتَبْطَرُ وتَشْكُرُ شُكْرًا مِن لُحُومِهِمْ» وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قالَتِ: «اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِن نَوْمِهِ وهو مُحْمَرٌّ وجْهُهُ وهو يَقُولُ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وحَلَّقَ. قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أنَهْلَكُ وفِينا الصّالِحُونَ ؟ قالَ: نَعَمْ، إذا كَثُرَ الخَبَثُ»، وأخْرَجا نَحْوَهُ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ قالَ: أجْرًا عَظِيمًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: رَدْمًا قالَ: هو كَأشَدِّ الحِجابِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ( زُبَرَ الحَدِيدَ ) قالَ: قِطَعُ الحَدِيدِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ( بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ) . قالَ: الجَبَلَيْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: رُءُوسُ الجَبَلَيْنِ.
وأخْرَجَ هَؤُلاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ( قِطْرًا ) قالَ النُّحاسُ: وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ ﴿فَما اسْطاعُوا أنْ يَظْهَرُوهُ﴾ قالَ: أنْ يَرْتَقُوهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: أنْ يَعْلُوهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ( جَعَلَهُ دَكّاءَ ) قالَ: لا أدْرِي الجَبَلَيْنِ يَعْنِي بِهِ أمْ بَيْنَهُما.
{"ayahs_start":96,"ayahs":["ءَاتُونِی زُبَرَ ٱلۡحَدِیدِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا سَاوَىٰ بَیۡنَ ٱلصَّدَفَیۡنِ قَالَ ٱنفُخُوا۟ۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارࣰا قَالَ ءَاتُونِیۤ أُفۡرِغۡ عَلَیۡهِ قِطۡرࣰا","فَمَا ٱسۡطَـٰعُوۤا۟ أَن یَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ لَهُۥ نَقۡبࣰا","قَالَ هَـٰذَا رَحۡمَةࣱ مِّن رَّبِّیۖ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ رَبِّی جَعَلَهُۥ دَكَّاۤءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّی حَقࣰّا"],"ayah":"ءَاتُونِی زُبَرَ ٱلۡحَدِیدِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا سَاوَىٰ بَیۡنَ ٱلصَّدَفَیۡنِ قَالَ ٱنفُخُوا۟ۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارࣰا قَالَ ءَاتُونِیۤ أُفۡرِغۡ عَلَیۡهِ قِطۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق