الباحث القرآني

﴿آتُونِي﴾ أَعْطُوْنِي وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ: " ائْتُونِي " أَيْ جِيئُونِي ﴿زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ أَيْ قِطَعَ الْحَدِيدِ وَاحِدَتُهَا زُبْرَةٌ، فَآتَوْهُ بِهَا وَبِالْحَطَبِ وَجَعَلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَجْعَلُ الْحَدِيدَ عَلَى الْحَطَبِ وَالْحَطَبَ عَلَى الْحَدِيدِ ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: بِضَمِّ الصَّادِّ وَالدَّالِّ وَجَزَمَ أَبُو بَكْرٍ الدَّالَ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا وَهُمَا الْجَبَلَانِ سَاوَى: أَيْ سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيِ الْجَبَلَيْنِ. ﴿قَالَ انْفُخُوا﴾ وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّهُ جَعَلَ الْفَحْمَ وَالْحَطَبَ فِي خِلَالِ زُبَرِ الْحَدِيدِ، ثُمَّ قَالَ: انْفُخُوا، يَعْنِي: فِي النَّارِ. ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا﴾ أَيْ صَارَ الْحَدِيدُ نَارًا، ﴿قَالَ آتُونِي﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَصْلًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ. ﴿أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ أَيْ: [آتَوْنِي قِطْرًا أُفْرِغْ عَلَيْهِ، وَ"الْإِفْرَاغُ": الصَّبُّ وَ"الْقِطْرُ": هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ فَجَعَلَتِ النَّارُ تَأْكُلُ الْحَطَبَ وَيَصِيرُ النُّحَاسُ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] مَكَانَ الْحَطَبِ حَتَّى لَزِمَ الْحَدِيدُ النُّحَاسَ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ عَرْضَهُ كَانَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا وَارْتِفَاعَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَطُولُهُ فَرْسَخٌ. ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ أَنْ يَعْلُوهُ مِنْ فَوْقِهِ لِطُولِهِ وَمَلَاسَتِهِ ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ مِنْ أَسْفَلِهِ لِشِدَّتِهِ وَلِصَلَابَتِهِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ: ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا﴾ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَدْغَمَ تَاءَ الافْتِعَالِ فِي الطَّاءِ. ﴿قَالَ﴾ يَعْنِي ذَا الْقَرْنَيْنِ ﴿هَذَا﴾ أَيِ السَّدُّ ﴿رَحْمَةٌ﴾ أَيْ: نِعْمَةٌ ﴿مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي﴾ قِيلَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ: وَقْتُ خُرُوجِهِمْ ﴿جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ ﴿دَكَّاءَ﴾ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ، أَيْ: أَرْضًا مَلْسَاءَ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِلَا مَدٍّ أَيْ: جَعَلَهُ مَدْكُوكًا مُسْتَوِيًا مَعَ وَجْهِ الْأَرْضِ ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: "أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاسْتَثْنَى فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيَتْبَعُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ فِي حُصُونِهِمْ مِنْهُمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ [["النغف": بفتح النون والغين المعجمة؛ دود يكون في أنوف الإبل والغنم، مفرده: "نغفة". و"الأقفاء": جمع "قفا" وهو ما وراء العنق.]] فَيَهْلِكُونَ وَإِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمُنُ وَتَشْكَرُ [[يقال: شكرت الناقة -من باب سمع- إذا امتلأ ضرعها باللبن، وشكرت الدابة: إذا سمنت.]] مِنْ لُحُومِهِمْ شَكَرًا" [[أخرجه الترمذي في التفسير: ٨ / ٥٩٧-٥٩٩، وقال: "هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه.."، وابن ماجه في الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم ... برقم (٤٠٨٠) : ٢ / ١٣٦٤-١٣٦٥، وابن حبان ص (٤٧٠) من موارد الظمآن صححه الحاكم على شرط الشيخين: ٤ / ٤٨٨، وأخرجه الإمام أحمد في المسند: ٢ / ٥١٠. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (٣ / ١٠٦) : "إسناده جيد قوي، ولكن متنه في رفعه نكارة، لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته، ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار: أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون: غدا نفتحه فيأتون من الغد، وقد عاد كما كان.. مرتين ويلهمون أن يقولوا: إن شاء الله، فيصبحون وهو كما فارقوه، فيفتحونه. وهذا متجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب، فإنه كان كثيرا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع، فرفعه والله أعلم".]] . أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: "مَا شَأْنُكُمْ؟ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ؟ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ [["قطط": شديد جعودة الشعر، مباعد للجعودة المحبوبة.]] عَيْنُهُ الْيُمْنَى [[ساقط من "ب".]] طَافِيَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللَّهِ! فَاثْبُتُوا" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: "كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَيَسْتَجِيبُوا لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ الأرض فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ [["تروح": ترجع آخر النهار. و"السارحة": هي الماشية التي تسرح، أي: تذهب أول النهار إلى المرعى، والذرى: الأعالي والأسنمة، جمع ذروة، بالضم وبالكسر. و"أسبغة ضروعا": أطوله، لكثرة اللبن وكذا "أمده خواصر"، لكثرة امتلائها من الشبع.]] ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، قَالَ: فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ [[أي: أصابهم المحل، وهو الجدب والقحط.]] لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَيَتْبَعُهُ كنوزها كيعاسيب النخل [[هي ذكور النحل، أو: جماعة النحل لا ذكورها خاصةن لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب، وهو أميرها.]] ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ [["الجزلة" -بالفتح، ويحكى بالكسر- القطعة ومعنى "رمية الغرض": أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رمية. هذا هو الظاهر المشهور، وقيل غير ذلك.]] ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ وَيَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ بَابِ دمشق بين مهرورتين [["مهرورتين" - بالدال المهملة، وروي بالمعجمة- ومعناه: لابس مهرورتين، أي: ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران. وقيل: هما شقتان، والشقة: نصف الملاءة.]] وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانِ اللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ مِنْ رِيحِ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قد أخرجت ٢٢٣/ب عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ [["يدان": تثنية يد، معناه: لا قدرة ولا طاقة. "فحرز": أي ضمهم، واجعله لهم حرزا، يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازا، إذا حفظته وضممته إليك، وصنته عن الأخذ.]] وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ [["زهمهم": أي: دسمهم.]] وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ [["البخت": قال ابن منظور في "لسان العرب": البخت والبخيتة، دخيل في العربية، أعجمي معرب. وهي: الإبل الخراسانية، تنتج من عربية وفالج، وهي جمال طوال الأعناق.]] فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ [[أي: لا يمنع نزول الماء.]] مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ [[وروي بلفظ: "الزَّلَقَة" وبلفظ: "الزُّلْقَة" وكلها صحيحة، قيل معناه: كالمرآة، وقيل: كمصانع الماء، لأن الماء يستنقع فيها حتى تصير كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء. وقيل: كالإجانة الخضراء. وقيل: كالروضة.]] ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ [["الرسل" هو اللبن، و"اللقحة" -بالكسر وبالفتح- القريبة العهد بالولادة.]] مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُرِ [[أي: يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس، كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك، و"الهرج" -بإسكان الراء- الجماع.]] فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ" [[أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفة ما معه، برقم (٢١٣٧) : ٤ / ٢٢٥٠-٢٢٥٥.]] . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: -لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ-ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ [[في "أ": (أحمر) ، وفي "ب": (الحمر) بالمهملة، والمثبت من صحيح مسلم. و"الخمر" هو الشجر الملتف الذي يستر من فيه. وقد فسره في الحديث أنه جبل بيت المقدس، لكثرة شجره.]] وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فيقولون: لقد قلنا مَنْ فِي الْأَرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ [[أي: سهامهم، والواحدة: "نشابة".]] إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا" [[أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفة ما معه، برقم (٢١٣٧) : ٤ / ٢٢٥٥.]] . وَقَالَ وَهْبٌ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ الْبَحْرَ فَيَشْرَبُونَ مَاءَهُ وَيَأْكُلُونَ دَوَابَّهُ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ الْخَشَبَ وَالشَّجَرَ، وَمَنْ ظَفِرُوا بِهِ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَأْتُوا مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ أَنْبَأَنَا أَبِي أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ" [[أخرجه البخاري في الحج، باب قول الله تعالى: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس": ٣ / ٤٥٤، والمصنف في شرح السنة: ١٥ / ٨٣.]] . وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ دَخَلَ الظُّلْمَةَ فَلَمَّا رجع توفي بشهر زور وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب