الباحث القرآني
﴿آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ جَمْعُ زُبْرَةٍ كَغُرَفٍ في غُرْفَةٍ وهي القِطْعَةُ العَظِيمَةُ، وأصْلُ الزُّبَرِ الِاجْتِماعُ ومِنهُ زَبَرْتُ الكِتابَ جَمَعْتُ حُرُوفَهُ وزُبْرَةُ الأسَدِ لِما اجْتَمَعَ عَلى كاهِلِهِ مِنَ الشَّعْرِ، وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ سَألَهُ عَنْ ﴿زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ فَقالَ: قِطْعَةٌ وأنْشَدَ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ:
؎تَلَظّى عَلَيْهِمْ حِينَ شَدَّ حَمْيُها بِزُبَرِ الحَدِيدِ والحِجارَةِ شاجِرُ
وطَلَبُ إيتاءِ الزُّبَرِ لا يُنافِي أنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ مِنهم شَيْئًا لِأنَّ المُرادَ مِنَ الإيتاءِ المَأْمُورِ بِهِ الإيتاءُ بِالثَّمَنِ أوْ مُجَرَّدُ المُناوَلَةِ والإيصالِ، وإنْ كانَ ما آتَوْهُ لَهُ لا إعْطاءَ ما هو لَهم فَهو مَعُونَةٌ مَطْلُوبَةٌ، وعَلى تَسْلِيمِ كَوْنِ الإيتاءِ بِمَعْنى الإعْطاءِ لا المُناوَلَةِ يُقالُ: إنَّ إعْطاءَ الآلَةِ لِلْعَمَلِ لا يَلْزَمُهُ تَمَلُّكُها ولَوْ تَمَلَّكَها لا يُعَدُّ ذَلِكَ جُعْلًا فَإنَّهُ إعْطاءُ المالِ لا إعْطاءُ مِثْلِ هَذا، ويُنْبِئُ عَنْ أنَّ المُرادَ لَيْسَ الإعْطاءَ قِراءَةُ أبِي بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ ( رَدْمًا ائْتُونِي ) بِكَسْرِ التَّنْوِينِ ووَصْلِ الهَمْزَةِ مِن أتاهُ بِكَذا إذْ جاءَ بِهِ لَهُ وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ نُصِبَ (زُبَرًا) بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ جِيئُونِي بِزُبَرِ الحَدِيدِ، وتَخْصِيصُ زُبَرِ الحَدِيدِ بِالذِّكْرِ دُونَ الصُّخُورِ والحَطَبِ ونَحْوِهِما لِما أنَّ الحاجَةَ إلَيْها أمْسُّ إذْ هي الرَّكْنُ القَوِيُّ في السَّدِّ ووُجُودُها أعَزُّ.
وقَرَأ الحَسَنُ ( زُبُرَ ) بِضَمِّ الباءِ كالزّايِ ﴿حَتّى إذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ في الكَلامِ حَذْفٌ أيْ فَأتَوْهُ إيّاها فَأخَذَ يَبْنِي شَيْئًا فَشَيْئًا، حَتّى إذا جَعَلَ ما بَيْنَ جانِبَيِ الجَبَلَيْنِ مِنَ البُنْيانِ مُساوِيًا لَهُما في العُلُوِّ فَبَيْنَ مَفْعُولِ ساوى وفاعِلِهِ ضَمِيرُ ذِي القَرْنَيْنِ، وقِيلَ: الفاعِلُ ضَمِيرُ السَّدِّ المَفْهُومُ مِنَ الكَلامِ، أيْ فَأتَوْهُ إيّاها فَأخَذَ يَسُدُّ بِها حَتّى إذا ساوى السَّدُّ الفَضاءَ الَّذِي بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، ويَفْهَمُ مِن ذَلِكَ مُساواةُ السَّدِّ في العُلُوِّ لِلْجَبَلَيْنِ، والصَّدَفُ كَما أشَرْنا إلَيْهِ جانِبُ الجَبَلِ وأصْلُهُ عَلى ما قِيلَ: المَيْلُ، ونُقِلَ في الكَشْفِ أنَّهُ لا يُقالُ لِلْمُنْفَرِدِ صَدَفٌ حَتّى يُصادِفَهُ الآخَرُ ثُمَّ قالَ: فَهو مِنَ الأسْماءِ المُتَضايِفَةِ كالزَّوْجِ وأمْثالِهِ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وهو كُلُّ بِناءٍ عَظِيمٍ مُرْتَفِعٍ ولا يَخْفى أنَّهُ لَيْسَ بِالمُرادِ هُنا.
وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ المُرادَ بِهِ هُنا الجَبَلُ وهو خِلافُ ما عَلَيْهِ الجُمْهُورُ. وقَرَأ قَتادَةُ سَوّى مِنَ التَّسْوِيَةِ.
وقَرَأ ابْنُ أبِي أُمِّيَّةَ عَنْ أبِي بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ ( سُوُّوِيَ ) بِالبِناءِ لِلْمَجْهُولِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ والزُّهْرِيُّ ومُجاهِدٌ والحَسَنُ ( الصُّدُفَيْنِ ) بِضَمِّ الصّادِ والدّالِ وهي لُغَةُ حِمْيَرَ كَما أنَّ فَتْحَهُما في قِراءَةِ (p-41)الأكْثَرِينَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وقَرَأ أبُو بَكْرٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وأبُو رَجاءٍ وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ( الصُّدْفَيْنِ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ.
وقَرَأ ابْنُ جُنْدَبٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتادَةَ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وهي قِراءَةُ أبانَ عَنْ عاصِمٍ، وقَرَأ الماجِشُونُ بِفَتْحٍ فَضَمٍّ.
(قالَ) لِلْعَمَلَةِ (انْفُخُوا) أيْ بِالكِيرانِ في زُبَرِ الحَدِيدِ المَوْضُوعَةِ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ فَفَعَلُوا ﴿حَتّى إذا جَعَلَهُ﴾ أيْ: جَعَلَ المَنفُوخَ فِيهِ نارًا أيْ كالنّارِ في الحَرارَةِ والهَيْئَةِ فَهو مِنَ التَّشْبِيهِ البَلِيغِ، وإسْنادُ الجَعْلِ المَذْكُورِ إلى ذِي القَرْنَيْنِ مَعَ أنَّهُ فَعَلَ الفِعْلَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ العُمْدَةُ في ذَلِكَ وهم بِمَنزِلَةِ الآلَةِ (قالَ) الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ أمْرَ النُّحاسِ مِنَ الإذابَةِ وغَيْرِها، وقِيلَ لِأُولَئِكَ النّافِخِينَ قالَ لَهم بَعْدَ أنْ نَفَخُوا في ذَلِكَ حَتّى صارَ كالنّارِ وتَمَّ ما أرادَهُ مِنهم أوَّلًا (آتُونِي) مِنَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ أمْرَ النُّحاسِ ﴿أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ أيْ آتُونِي قِطْرًا أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَحُذِفَ مِنَ الأوَّلِ لِدَلالَةِ الثّانِي عَلَيْهِ، وبِهِ تَمَسَّكَ البَصْرِيُّونَ عَلى أنَّ إعْمالَ الثّانِي في بابِ التَّنازُعِ أوْلى إذْ لَوْ كانَ (قِطْرًا) مَفْعُولَ (آتُونِي) لَأضْمَرَ مَفْعُولَ (أُفْرِغْ) وحَذَفَهُ وإنْ جازَ لِكَوْنِهِ فَضْلَةً إلّا أنَّهُ يُوقِعُ في لَبْسٍ.
والقِطْرُ كَما أشَرْنا إلَيْهِ النُّحاسُ المُذابُ وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ، وقِيلَ: الرَّصاصُ المُذابُ، وقِيلَ: الحَدِيدُ المُذابُ ولَيْسَ بِذاكَ، وقَرَأ الأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحَمْزَةُ وأبُو بَكْرٍ بِخِلافٍ عَنْهُ ( ائْتُونِي ) بِهَمْزَةِ الوَصْلِ أيْ جِيئُونِي كَأنَّهُ يَسْتَدْعِيهِمْ لِلْإغاثَةِ بِاليَدِ عِنْدَ الإفْراغِ، وإسْنادُ الإفْراغِ إلى نَفْسِهِ لِلسِّرِّ الَّذِي وقَفْتُ عَلَيْهِ آنِفًا، وكَذا الكَلامُ في قَوْلِهِ اجْعَلْ وقَوْلِهِ ساوى عَلى أحَدِ القَوْلَيْنِ.
{"ayah":"ءَاتُونِی زُبَرَ ٱلۡحَدِیدِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا سَاوَىٰ بَیۡنَ ٱلصَّدَفَیۡنِ قَالَ ٱنفُخُوا۟ۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارࣰا قَالَ ءَاتُونِیۤ أُفۡرِغۡ عَلَیۡهِ قِطۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق