الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبَرًا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ أَيْ: ثُمَّ سَلَكَ طَرِيقًا مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ. ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ وَهُمَا جَبَلَانِ مُتَنَاوِحَانِ بَيْنَهُمَا ثُغْرة يَخْرُجُ مِنْهَا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ عَلَى بِلَادِ التُّرْكِ، فَيَعِيثُونَ فِيهِمْ فَسَادًا، وَيُهْلِكُونَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ سُلَالَةِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ؟ فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، فَيُقَالُ: إِنَّ فِيكُمْ أُمَّتَيْنِ، مَا كَانَتَا فِي شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ" [[صحيح البخاري برقم (٦٥٣٠) وصحيح مسلم برقم (٢٢٢) من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه.]] . وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ [[في أ: "النواوي".]] ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي شَرْحِ "مُسْلِمٍ" عَنْ بَعْضِ النَّاسِ: أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ خُلِقُوا مِنْ مَنِيٍّ خَرَجَ مِنْ آدَمَ فَاخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ، فَخُلِقُوا مِنْ ذَلِكَ [[شرح النووي (٣/٩٧) .]] فَعَلَى هَذَا يَكُونُونَ مَخْلُوقِينَ مِنْ آدَمَ، وَلَيْسُوا مِنْ حَوَّاءَ. وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا، [ثُمَّ] [[زيادة من ف، أ.]] لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ عَقْلٍ وَلَا [مِنْ] [[زيادة من ت، ف.]] نَقْلٍ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ هَاهُنَا عَلَى مَا يَحْكِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ [[في ت: "من الأكاذيب".]] الْمُفْتَعَلَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مُسْنَدِ [[في ف، أ: "المسند".]] الْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ سَمُرَة؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "وَلَدُ نُوحٌ ثَلَاثَةً: سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو السُّودَانِ، وَيَافِثُ أَبُو التُّرْكِ" [[المسند (٥/٩) .]] . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَؤُلَاءِ مِنْ نَسْلِ يَافِثَ أَبِي التُّرْكِ، قَالَ: [إِنَّمَا [[في أ: "وإنما".]] سُمُّوا هَؤُلَاءِ تُرْكًا؛ لِأَنَّهُمْ تُرِكُوا مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ مِنْ [[في أ: "فمن".]] هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِلَّا فَهُمْ أَقْرِبَاءُ أُولَئِكَ، وَلَكِنْ كَانَ فِي أُولَئِكَ بَغْيٌ وَفَسَادٌ وَجَرَاءَةٌ [[في أ: "وجرأة".]] . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَثَرًا طَوِيلًا عَجِيبًا فِي سَيْرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَبِنَائِهِ السَّدَّ، وَكَيْفِيَّةِ مَا جَرَى لَهُ، وَفِيهِ طُولٌ وَغَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ فِي أَشْكَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ، [وَطُولِهِمْ] [[زيادة من ف، أ.]] وَقِصَرِ بَعْضِهِمْ، وَآذَانِهِمْ [[تفسير الطبري (١٦/١٤) .]] . وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَحَادِيثَ غَرِيبَةً فِي ذَلِكَ لَا تَصِحُّ [[في ف، أ: "لا يصح".]] أَسَانِيدُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا﴾ [أي] [[زيادة من ف، أ.]] : لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس. ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَجْرًا عَظِيمًا، يَعْنِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ مَالًا يُعْطُونَهُ إِيَّاهُ، حَتَّى يَجْعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ سَدًا. فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعِفَّةٍ وَدِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ وَقَصْدٍ لِلْخَيْرِ: ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ﴾ أَيْ: إِنَّ الَّذِي أَعْطَانِي اللَّهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالتَّمْكِينِ [[في أ: "والتمكن".]] خَيْرٌ لِي مِنَ الَّذِي تَجْمَعُونَهُ، كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النَّمْلِ: ٣٦] وَهَكَذَا قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي تَبْذُلُونَهُ، وَلَكِنْ سَاعِدُونِي ﴿بِقُوَّةٍ﴾ أَيْ: بِعَمَلِكُمْ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ، ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ وَالزُّبَرُ: جَمْعُ زُبْرَة، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ. وَهِيَ كَاللَّبِنَةِ [[في أ: "اللبنة".]] ، يُقَالُ: كُلُّ لَبِنَةٍ [زِنَةُ] [[زيادة من ف، أ.]] قِنْطَارٍ بِالدِّمَشْقِيِّ، أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهِ. ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ أَيْ: وَضَعَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الْأَسَاسِ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِهِ رُءُوسَ الْجَبَلَيْنِ طُولًا وَعَرْضًا. وَاخْتَلَفُوا فِي مِسَاحَةِ عَرْضِهِ وَطُولِهِ عَلَى أَقْوَالٍ. ﴿قَالَ انْفُخُوا﴾ أَيْ: أَجَّجَ [[في ف: "أججوا".]] عَلَيْهِ النَّارَ حَتَّى صَارَ كُلُّهُ نَارًا، ﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدي: هُوَ النُّحَاسُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ: الْمُذَابُ. وَيَسْتَشْهِدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سَبَإٍ: ١٢] وَلِهَذَا يُشَبَّهُ [[في أ: "شبه".]] بِالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَأَيْتَ سَدَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، قَالَ: "انْعَتْهُ لِي" قَالَ: كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ. وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ. قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُهُ". هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. [[وقد روي موصولا من طرق: فرواه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف (٢/٣١٢) من طريق أبي الجماهر -سعيد بن بشير- عن قتادة، عن رجل، عن أبي بكرة الثقفى: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي قد رأيته، فذكر نحوه. ورواه البزار في مسنده كما في تخريج الكشاف (٢/٣١٣) من طريق عبد الملك بن أبي نعامة عن يوسف بن أبي مريم، عن أبي بكرة بنحوه مطولا. ورواه ابن مردويه أيضا من طريق سفيان، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رجل من أهل المدينة أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فذكر نحوه.]] وَقَدْ بَعَثَ الْخَلِيفَةُ الْوَاثِقُ فِي دَوْلَتِهِ بَعْضَ أُمَرَائِهِ، وَوَجَّهَ [[في ف، أ: "وجهز".]] مَعَهُ جَيْشًا سِرِّيَّةً، لِيَنْظُرُوا إِلَى السَّدِّ وَيُعَايِنُوهُ وَيَنْعِتُوهُ لَهُ إِذَا رَجَعُوا. فَتَوَصَّلُوا مِنْ بِلَادٍ إِلَى بِلَادٍ، وَمِنْ مُلْك إِلَى مُلْك، حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْهِ، وَرَأَوْا بِنَاءَهُ مِنَ الْحَدِيدِ وَمِنَ النُّحَاسِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِيهِ بَابًا عَظِيمًا، وَعَلَيْهِ [[في ت: "وعلى".]] أَقْفَالٌ عَظِيمَةٌ، وَرَأَوْا بَقِيَّةَ اللَّبَنِ وَالْعَمَلِ فِي بُرْجٍ هُنَاكَ. وَأَنَّ عِنْدَهُ حَرَسًا [[في ف، أ: "سرحا".]] مِنَ الْمُلُوكِ الْمُتَاخِمَةِ لَهُ، وَأَنَّهُ مُنِيفٌ عَالٍ [[في ت، ف، أ: "عال منيف".]] ، شَاهِقٌ، لَا يُسْتَطَاعُ وَلَا مَا حَوْلَهُ مِنَ الْجِبَالِ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين، وَشَاهَدُوا أَهْوَالًا وَعَجَائِبَ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب