الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ حَتّى إذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتّى إذا جَعَلَهُ نارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ ﴿فَما اسْطاعُوا أنْ يَظْهَرُوهُ وما اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ ﴿قالَ هَذا رَحْمَةٌ مِن رَبِّي فَإذا جاءَ وعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وكانَ وعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ اعْلَمْ أنَّ ﴿زُبَرَ الحَدِيدِ﴾ قِطَعُهُ، قالَ الخَلِيلُ: الزُّبْرَةُ مِنَ الحَدِيدِ القِطْعَةُ الضَّخْمَةُ، قِراءَةُ الجَمِيعِ آتَوْنِي بِمَدِّ الألِفِ إلّا حَمْزَةَ؛ فَإنَّهُ قَرَأ ائْتُونِي مِنَ الإتْيانِ، وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عاصِمٍ، والتَّقْدِيرُ ائْتُونِي بِزُبَرِ الحَدِيدِ ثُمَّ حُذِفَ الباءُ كَقَوْلِهِ: شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ لَهُ وكَفَرْتُهُ، وكَفَرْتُ لَهُ، وقَوْلُهُ: ﴿حَتّى إذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ فِيهِ إضْمارٌ أيْ فَأتَوْهُ بِها فَوَضَعَ تِلْكَ الزُّبَرَ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ حَتّى صارَتْ بِحَيْثُ تَسُدُّ ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ إلى أعْلاهُما ثُمَّ وضَعَ المَنافِخَ عَلَيْها حَتّى إذا صارَتْ كالنّارِ صَبَّ النُّحاسَ المُذابَ عَلى الحَدِيدِ المُحْمى فالتَصَقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وصارَ جَبَلًا صَلْدًا، واعْلَمْ أنَّ هَذا مُعْجِزٌ قاهِرٌ لِأنَّ هَذِهِ الزُّبَرَ الكَثِيرَةَ إذا نُفِخَ عَلَيْها حَتّى صارَتْ كالنّارِ لَمْ يَقْدِرِ الحَيَوانُ عَلى القُرْبِ مِنها، والنَّفْخُ عَلَيْها لا يُمَكِنُ إلّا مَعَ القُرْبِ مِنها فَكَأنَّهُ تَعالى صَرَفَ تَأْثِيرَ تِلْكَ الحَرارَةِ العَظِيمَةِ عَنْ أبْدانِ أُولَئِكَ النّافِخِينَ عَلَيْها. قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: قِيلَ: بُعْدُ ما بَيْنَ (السَّدَّيْنِ) مِائَةُ فَرْسَخٍ. و(الصَّدَفانِ) بِفَتْحَتَيْنِ جانِبا الجَبَلَيْنِ، لِأنَّهُما يَتَصادَفانِ أيْ: يَتَقابَلانِ، وقُرِئَ: (بَيْنَ الصُّدُفَيْنِ) بِضَمَّتَيْنِ. (والصُّدْفَيْنِ) بِضَمَّةٍ وسُكُونٍ، والقِطْرُ النُّحاسُ المُذابُ؛ لِأنَّهُ يَقْطُرُ، وقَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ مَنصُوبٌ بِقَوْلِهِ: ﴿أُفْرِغْ﴾ وتَقْدِيرُهُ آتَوْنِي قِطْرًا: ﴿أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ فَحُذِفَ الأوَّلُ لِدَلالَةِ الثّانِي عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ: ﴿فَما اسْطاعُوا﴾ فَحَذَفَ التّاءَ لِلْخِفَّةِ لِأنَّ التّاءَ قَرِيبَةُ المَخْرَجِ مِنَ الطّاءِ وقُرِئَ: (فَما اصْطاعُوا) بِقَلْبِ السِّينِ صادًا ﴿أنْ يَظْهَرُوهُ﴾ أنْ يَعْلُوهُ أيْ ما قَدَرُوا عَلى الصُّعُودِ عَلَيْهِ لِأجْلِ ارْتِفاعِهِ ومَلاسَتِهِ، ولا عَلى نَقْبِهِ لِأجْلِ صَلابَتِهِ وثَخانَتِهِ، ثُمَّ قالَ ذُو القَرْنَيْنِ: ﴿هَذا رَحْمَةٌ مِن رَبِّي﴾ فَقَوْلُهُ هَذا إشارَةٌ إلى السَّدِّ، أيْ هَذا السَّدُّ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَحْمَةٌ عَلى عِبادِهِ، أوْ هَذا الِاقْتِدارُ والتَّمْكِينُ مِن تَسْوِيَتِهِ. ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ رَبِّي﴾ يَعْنِي: فَإذا دَنا مَجِيءُ القِيامَةِ؛ جَعَلَ السَّدَّ دَكًّا؛ أيْ: مَدْكُوكًا مُسَوًّى بِالأرْضِ، وكُلُّ ما انْبَسَطَ بَعْدَ الِارْتِفاعِ فَقَدِ انْدَكَّ، وقُرِئَ دَكّاءَ بِالمَدِّ أيْ أرْضًا مُسْتَوِيَةً، ﴿وكانَ وعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ وهَهُنا آخِرُ حِكايَةِ ذِي القَرْنَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب