الباحث القرآني
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
(قل تعالوا) أي تقدموا، قال ابن الشجري: إن المأمور بالتقدم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعداً فقيل له: تعال أي ارفع شخصك بالقيام وتقدم، واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي، وهكذا، قال الزمخشري في الكشاف إنه من الخاص الذي صار عاماً وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عم.
(أتل ما حرم ربكم) أتل جواب الأمر، وما موصولة في محل نصب به والمراد من تلاوة ما حرم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه، ويجوز أن يكون (ما) مصدرية أي أتل تحريم ربكم والمعنى ما اشتمل على التحريم، قيل ويجوز أن تكون (ما) استفهامية أي أتل أي شيء حرم ربكم؟ على جعل التلاوة بمعنى القول وهو ضعيف جداً، (عليكم) إن تعلق بأتل فالمعنى أتل عليكم الذي حرم ربكم وهو اختيار الكوفيين، وإن تعلق بحرم فالمعنى أتل الذي حرم ربكم عليكم وهو اختيار البصريين، وهذا أولى لأن المقام مقام بيان ما هو محرم عليهم لا مقام بيان ما هو محرم مطلقاً.
(أن لا تشركوا به شيئاً) إن مفسرة لفعل التلاوة المعلق بما حرم ولا ناهية وهذا وجه ظاهر لأمور من جملتها أن في إخراج المفسر على صورة النهي مبالغة في بيان التحريم وهو اختيار الفراء، وقيل (أن) ناصبة ومحلها النصب بعليكم على أنه للإغراء، وقيل النصب على البدلية مما حرم، والمعنى على الإغراء الزموا نفي الإشراك وعدمه.
وهذا وإن كان ذكره جماعة كما نقله ابن الأنباري ضعيف لتفكيك التركيب عن ظاهره ولأنه لا يتبادر إلى الذهن، وقيل التقدير لئلا تشركوا وهذا منقول عن أبي اسحق وقيل تقديره أوصيكم أن لا تشركوا وهو أيضاً مذهب أبي اسحق، وقيل (إن) في محل رفع أي المحرم أن لا تشركوا وهذا يحوج إلى زيادة لا لئلا يفسد المعنى، وقيل تقديره عليكم عدم الإشراك وهو مذهب أبي بكر بن الأنباري، وقيل استقر عليكم عدم الإشراك وهو ظاهر قول ابن الأنباري.
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث، ثم تلا (قل تعالوا) إلى ثلاث آيات، ثم قال فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهم شيئاً فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه " [[ابن كثير، 2/ 187.]].
وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن المنذر عن كعب الأحبار قال: أول ما أنزل في التوراة عشر آيات وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام (قل تعالوا) إلى آخرها.
وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله ابن عدي بن الخيار قال: سمع كعب رجلاً يقرأ (قل تعالوا) الخ فقال كعب والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى آخر الآيات انتهى.
قلت هي الوصايا العشر التي في التوراة، أولها أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك إله غيري، ومنها أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد على قريبك شهادة زور، ولا تشته بنت قريبك ولا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيء مما لقريبك.
فلعل مراد كعب الأحبار هذا، ولليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة، وقد كتبها أهل الزبور في آخر زبورهم، وأهل الإنجيل في أول إنجيلهم، وهي مكتوبة في لوحين وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت، قال أبو السعود: وهذه الأحكام العشرة لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار.
(و) أحسنوا (بالوالدين إحساناً) هو البر بهما وامتثال أمرهما ونهيهما، وقد تقدم الكلام على هذا، ولما كان إيجاب الإحسان تحريماً لترك الإحسان ذكر في المحرمات وكذا حكم ما بعده من الأوامر.
(ولا تقتلوا أولادكم) لما ذكر حق الوالدين على الأولاد، ذكر حق الأولاد عليهما وهو أن لا يقتلوهم (من) أجل (إملاق) هو الفقر فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكور والإناث خشية الإملاق، وتفعله بالإناث خاصة خشية العار، وحكى النقاش عن مؤرخ أن الإملاق الجوع بلغة لخم.
وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق يقال أملق ماله بمعنى أنفقه، وقيل الإملاق الإسراف يقال أملق أي أسرف في نفسه، قاله محمد بن نعيم اليزيدي، والإملاق الإفساد أيضاً قاله شمر، يقال أملق ما عنده الدهر أي أفسده، وقال قتادة: الإملاق الفاقة، يقال أملق افتقر واحتاج، وهو الذي أطبق عليه أئمة اللغة والتفسير ههنا.
وقال هنا من " إملاق " وفي الإسراء " خشية إملاق " قال بعضهم لأن هذا في الفقر الناجز فيكون خطاباً للآباء الفقراء، وما في الإسراء في المتوقع فيكون خطاباً للآباء الأغنياء فلعلهم كان فقراؤهم يقتلون أولادهم وأغنياؤهم كذلك، وقيل هذا التقديم للتفنن في البلاغة والأول أولى لأن إفادة معنى جديد أولى من إدعاء كون الآيتين بمعنى واحد للتأكيد.
(نحن نرزقكم وإياهم) هذا تعليل للنهي قبله، وكان ظاهر السياق أن يقدم ويقال نحن نرزقهم وإياكم كما في آية الإسراء لأن الكلام في الأولاد، ولكن قدم هنا خطاب الآباء ليكون كالدليل على ما بعده.
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
(ولا تقربوا الفواحش) أي المعاصي ومنه ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة، والأولى حمل لفظ الفواحش على العموم في جميع المحرمات والمنهيات فيدخل فيه الزنا وغيره، ولا وجه لتخصيصه بنوع من الفواحش وإن كان السبي خاصاً فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
(ما ظهر) أي ما أعلن به (منها) واطلع عليه الناس (وما بطن) ما أسر ولم يطلع عليه إلا الله أي علانيتها وسرها، قال ابن عباس: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السر ويستقبحونه بالعلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية.
(ولا تقتلوا النفس) اللام للجنس أي لا تقتلوا شيئاً من الأنفس (التي حرم الله) قتلها (إلا بالحق) أي إلا بما يوجبه الحق والاستثناء مفرغ أي لا تقتلوها في حال من الأحوال إلا في حال الحق أو لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، ومن الحق قتلها قصاصاً وقتلها بسبب زنا المحصن، وقتلها بسبب الردة ونحو ذلك من الأسباب التي ورد الشرع بها، وإنما أفرد قتل النفس بالذكر تعظيماً لأمر القتل وأنه من أعظم الفواحش والكبائر.
(ذلكم) إشارة إلى جميع ما تقدم مما تلاه عليهم قاله أبو حيان.
إلى الأمور الخمسة (وصاكم) أي أمركم (به) وأوجبه عليكم وفيه من اللطف والرأفة وجعلهم أوصياء له تعالى ما لا يخفى من الإحسان.
ولما كان العقل هو مناط التكليف قال: (لعلكم تعقلون) أي لكي تفهموا ما في هذه التكاليف من الفوائد النافعة في الدين والدنيا فتعملوا بها.
{"ayah":"۞ قُلۡ تَعَالَوۡا۟ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَیۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰاۖ وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَـٰقࣲ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِیَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلۡفَوَ ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَ ٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق