الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
الآيَةَ، الظّاهِرُ في قَوْلِهِ: ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم أنَّهُ مُضَمَّنٌ مَعْنى ما وصّاكم بِهِ فِعْلًا، أوْ تَرْكًا؛ لِأنَّ كُلًّا مِن تَرْكِ الواجِبِ، وفِعْلِ الحَرامِ حَرامٌ، فالمَعْنى وصّاكم ﴿ألّا تُشْرِكُوا﴾، وأنْ تُحْسِنُوا بِالوالِدَيْنِ إحْسانًا.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ هَذا هو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم وصّاكم بِهِ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ١٨٥] .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكم مِن إمْلاقٍ﴾ الآيَةَ، نَهى اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَنْ قَتْلِ الأوْلادِ مِن أجْلِ الفَقْرِ الواقِعِ بِالفِعْلِ؛ ونَهى في سُورَةِ الإسْراءِ عَنْ قَتْلِهِمْ خَشْيَةَ الفَقْرِ المُتَرَقَّبِ المَخُوفِ مِنهُ، مَعَ أنَّهُ غَيْرُ واقِعٍ في الحالِ، بِقَوْلِهِ: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكم خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١]، وقَدْ أوْضَحَ ﷺ مَعْناهُ حِينَ سَألَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ”«أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ ؟ فَقالَ:“ أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ ”قالَ: ثُمَّ أيُّ ؟ قالَ:“ أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ”قالَ: ثُمَّ أيُّ ؟ قالَ:“ أنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ جارِكَ " ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ ولا يَزْنُونَ﴾» الآيَةَ [الفرقان: ٦٨] .
(p-٥٤٥)وَأخَذَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِن هَذِهِ الآيَةِ مَنعَ العَزْلِ؛ لِأنَّهُ وأْدٌ خَفِيٌّ، وحَدِيثُ جابِرٍ: «كُنّا نَعْزِلُ والوَحْيُ يَنْزِلُ» يَدُلُّ عَلى جَوازِهِ، لَكِنْ قالَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: إنَّهُ لا يَجُوزُ عَنِ الحُرَّةِ إلّا بِإذْنِها، ويَجُوزُ عَنِ الأمَةِ بِغَيْرِ إذْنِها. والإمْلاقُ: الفَقْرُ، وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: الإمْلاقُ الجُوعُ.
وَحَكاهُ النَّقّاشُ عَنْ مُؤَرِّجٍ، وقِيلَ: الإمْلاقُ الإنْفاقُ، يُقالُ: أمْلَقَ مالَهُ بِمَعْنى أنْفَقَهُ، وذَكَرَ أنَّ عَلِيًّا قالَ لِامْرَأتِهِ: أمْلِقِي ما شِئْتِ مِن مالِكِ.
وَحُكِيَ هَذا القَوْلُ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ، ذَكَرَهُ القُرْطُبِيُّ، وغَيْرُهُ، والصَّحِيحُ الأوَّلُ.
⁕ ⁕ ⁕
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ الآيَةَ.
هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ حَرَّمَهُ رَبُّهم عَلَيْهِمْ، فَيُوهِمُ أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [الأنعام: ١٥١]، أنَّ الإحْسانَ بِالوالِدَيْنِ وعَدَمَ الشِّرْكِ حَرامٌ، والواقِعُ خِلافُ ذَلِكَ، كَما هو ضَرُورِيٌّ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ كَلامٌ كَثِيرٌ لِلْعُلَماءِ، وبُحُوثٌ ومُناقَشاتٌ كَثِيرَةٌ لا تَتَّسِعُ هَذِهِ العُجالَةُ لِاسْتِيعابِها، مِنها أنَّها صِلَةٌ كَما يَأْتِي، ومِنها أنَّها بِمَعْنى أُبَيِّنُهُ لَكم لِئَلّا تُشْرِكُوا.
وَمَن أطاعَ الشَّيْطانَ مُسْتَحِلًّا فَهو مُشْرِكٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَإنْ أطَعْتُمُوهم إنَّكم لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] .
وَمِنها أنَّ الكَلامَ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ وأنَّ قَوْلَهُ: ﴿عَلَيْكم ألّا تُشْرِكُوا﴾: اسْمُ فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِما بَعْدَهُ عَلى أنَّ مَعْمُولَهُ مِنها غَيْرُ ذَلِكَ، وأقْرَبُ تِلْكَ الوُجُوهِ عِنْدَنا هو ما دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ لِأنَّ خَيْرَ ما يُفَسَّرُ بِهِ القُرْآنُ القُرْآنُ، وذَلِكَ هو أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾، مُضَمَّنٌ مَعْنى ما وصّاكم رَبُّكم بِهِ تَرْكًا وفِعْلًا، وإنَّما قُلْنا إنَّ القُرْآنَ دَلَّ عَلى هَذا لِأنَّ اللَّهَ رَفَعَ هَذا الإشْكالَ وبَيَّنَ مُرادَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، فَيَكُونُ المَعْنى: وصّاكم ألّا تُشْرِكُوا، ونَظِيرُهُ مِن كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ الرّاجِزِ:
؎حَجَّ وأوْصى بِسُلَيْمى عَبْدًا أنْ لا تَرى ولا تُكَلِّمُ أحَدًا
وَمِن أقْرَبِ الوُجُوهِ بَعْدَ هَذا وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المَعْنى: يُبَيِّنُهُ لَكم لِئَلّا تُشْرِكُوا.
والثّانِي: أنَّ ”أنْ“ مِن قَوْلِهِ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا﴾ مُفَسِّرَةٌ لِلتَّحْرِيمِ، والقَدْحُ فِيهِ بِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: ١٥٣]، مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وعَطْفُهُ عَلَيْهِ يُنافِي (p-٢٨٧)التَّفْسِيرَ مَدْفُوعٌ بِعَدَمِ تَعْيِينِ العَطْفِ لِاحْتِمالِ حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ فَيَكُونُ المَعْنى: ولِأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهم، ولَكِنَّ القَوْلَ الأوَّلَ هو الصَّحِيحُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وعَلَيْهِ فَلا إشْكالَ في الآيَةِ أصْلًا.
{"ayah":"۞ قُلۡ تَعَالَوۡا۟ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَیۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰاۖ وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَـٰقࣲ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِیَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلۡفَوَ ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَ ٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











