الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِن إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإيّاهُمْ ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالحَقِّ ذَلِكُمْ وصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ۝﴾ [الأنعام: ١٥١]. هذه الآيةُ مِن آخِرِ ما نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ، وهي مِن المُحْكَماتِ، وذكَرَها ابنُ عبّاسٍ مِن المقصودِ بقولِهِ تعالى: ﴿مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ﴾ [آل عمران: ٧] [[«تفسير الطبري» (٥ /١٩٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٢ /٥٩٢).]]، وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «مَن أرادَ أنْ يقرَأَ صحيفةَ رسولِ اللهِ ﷺ التي عليها خاتَمُهُ، فلْيَقْرَأْ هؤلاءِ الآياتِ: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، إلى قولِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۝﴾ [الأنعام: ١٥٣] [[«تفسير ابن كثير» (٣ /٣٥٩).]]. وذلك أنّ هذه الآياتِ ممّا نزَلَ في المدينةِ، وجُلُّ سورةِ الأنعامِ نزَلَ بمكَّةَ، وحَكى ابنُ عبدِ البَرِّ الإجماعَ على أنّ الأنعامَ مكِّيَّةٌ إلاَّ آياتِ الوَصايا الثلاثَ[[«التمهيد» (١ /١٤٦).]]. وقد روى أبو عُبَيْدٍ والطبرانيُّ، عن ابنِ عبّاسٍ، أنّها نزَلَتْ على رسولِ اللهِ ﷺ بمكَّةَ جُمْلةً واحدةً[[أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٢٩٣٠)، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص٢٤٠)، والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص٤١٥).]]. وقد تقدَّمَ في آيةٍ سابقةٍ مِن الأنعامِ الكلامُ على وأْدِ البنتِ وقتلِ الولدِ. والإملاقُ هو الفقرُ، وفي قولِهِ تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإيّاهُمْ﴾ أراد أنّ الذي رزَقَ الآباءَ مِن قبلُ هو الذي يتكفَّلُ برِزْقِ الأبناءِ مِن بعدُ، فالربُّ واحدٌ، فقد كان يَخشى الجَدُّ على ولدِه، فرزَقَ الجَدَّ وولدَهُ، ثمَّ خاف الأبُ على ولَدِه، فرزَقَ الأبَ ووَلَدَه، وهكذا فرَبُّ الأجيالِ واحدٌ. بركةُ الأولاد والآباء بعضهم على بعض: وفي قولِه في هذه السورةِ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإيّاهُمْ﴾، مع قولِهِ في الإسراءِ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإيّاكُمْ﴾ [٣١] إشارةٌ إلى أنّ اللهَ يرزُقُ الوالدَ بالولدِ، ويرزُقُ الولدَ بالوالدِ، رحمةً من الله فيهما متبادَلةً، ومِن ذلك ما في سورةِ الكهفِ في مالِ اليتيمَيْنِ، قال: ﴿وكانَ أبُوهُما صالِحًا فَأَرادَ رَبُّكَ أنْ يَبْلُغا أشُدَّهُما ويَسْتَخْرِجا كَنْزَهُما رَحْمَةً مِن رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٨٢]، وقد يَحفَظُ اللهُ الوَلَدَ بصلاحِ والدِه، ولكنْ لا يُضيِّعُهُ لضياعِ والدِهِ، فلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى، ولذا قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۝إلاَّ أصْحابَ اليَمِينِ ۝﴾ [المدثر: ٣٨ ـ ٣٩]، وهذا في الدُّنيا والآخِرةِ، فيَلحَقُ الولدُ والدَهُ في الخيرِ في الآخِرةِ إنْ كانا مؤمنَيْنِ، ولا يَلحَقُهُ في الشرِّ وجزاؤُهُ بعَمَلِهِ، كما قال تعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وما ألَتْناهُمْ مِن عَمَلِهِمْ مِن شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب