الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم ألا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا ولا تَقْتُلُوا أولادَكم مِن إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهم ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ ولا تَقْتُلُوا النَفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالحَقِّ ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾
هَذا أمْرٌ مِنَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - لِنَبِيِّهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أنْ يَدْعُوَ جَمِيعَ الخَلْقِ إلى سَماعِ تِلاوَةِ ما حَرَّمَ اللهُ تَعالى بِشَرْعِ الإسْلامِ المَبْعُوثِ بِهِ إلى الأسْوَدِ والأحْمَرِ.
و"تَعالَوْا"؛ مَعْناهُ: أقْبِلُوا؛ وأصْلُهُ مِن "اَلْعُلُوُّ"؛ فَكَأنَّ الدُعاءَ لَمّا كانَ أمْرًا مِنَ الداعِي اسْتُعْمِلَ فِيهِ تَرْفِيعُ المَدْعُوِّ؛ و"تَعالى"؛ هو مُطاوِعُ "عالى"؛ إذْ "تَفاعَلَ"؛ هو مُطاوِعُ "فاعَلَ".
و"أتْلُ"؛ مَعْناهُ: "أسْرُدْ؛ وأنُصَّ"؛ مِن "اَلتِّلاوَةُ"؛ اَلَّتِي هي إتْباعُ بَعْضِ الحُرُوفِ بَعْضًا؛ و"ما"؛ نُصِبَ بِقَوْلِهِ تَعالى "أتْلُ"؛ وهي بِمَعْنى "اَلَّذِي"؛ وقالَ الزَجّاجُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى "أتْلُ"؛ مُعَلَّقًا عَنِ العَمَلِ؛ و"ما"؛ نُصِبَ بِـ "حَرَّمَ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا قَلِقٌ: و"أنْ"؛ في قَوْلِهِ تَعالى "ألّا تُشْرِكُوا"؛ يَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ (p-٤٩٠)بِالِابْتِداءِ؛ والتَقْدِيرُ: "اَلْأمْرُ أنْ..."؛ أو: "ذَلِكَ أنْ..."؛ ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ عَلى البَدَلِ مِن "ما"؛ قالَهُ مَكِّيٌّ وغَيْرُهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: والمَعْنى يُبْطِلُهُ؛ فَتَأمَّلْهُ.
ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ؛ والتَقْدِيرُ: "إرادَةَ ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"؛ إلّا أنَّ هَذا التَأْوِيلَ يُخْرِجُ "ألّا تُشْرِكُوا"؛ مِنَ المَتْلُوِّ؛ ويَجْعَلُهُ سَبَبًا لِتِلاوَةِ المُحَرَّماتِ.
و"تُشْرِكُوا"؛ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِـ "أنْ"؛ ويُتَوَجَّهُ أنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِالنَهْيِ؛ وهو الصَحِيحُ في المَعْنى المَقْصُودِ؛ و"أنْ"؛ قَدْ تُوصَلُ بِما نَصَبَتْهُ؛ وقَدْ تُوصَلُ بِالفِعْلِ المَجْزُومِ بِالأمْرِ والنَهْيِ؛ و"شَيْئًا"؛ عامٌّ يُرادُ بِهِ كُلُّ مَعْبُودٍ مِن دُونِ اللهِ تَعالى.
و"إحْسانًا"؛ نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ؛ وناصِبُهُ فِعْلٌ مُضْمَرٌ مِن لَفْظِهِ؛ تَقْدِيرُهُ: "وَأحْسِنُوا بِالوالِدَيْنِ إحْسانًا".
والمُحَرَّماتُ تَنْفَكُّ مِن هَذِهِ المَذْكُوراتِ بِالمَعْنى؛ وهِيَ: اَلْإشْراكُ؛ والعُقُوقُ؛ وقُرْبُ الفَواحِشِ؛ وقَتْلُ النَفْسِ.
وقالَ كَعْبُ الأحْبارِ: "هَذِهِ الآياتُ مُفْتَتَحُ التَوْراةِ: (بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ ؛ إلى آخِرِ الآيَةِ)"؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذِهِ الآياتُ هي المُحْكَماتُ الَّتِي ذَكَرَها اللهُ تَعالى في سُورَةِ "آلِ عِمْرانَ "؛ اِجْتَمَعَتْ عَلَيْها شَرائِعُ الخَلْقِ؛ ولَمْ تُنْسَخْ قَطُّ في مِلَّةٍ؛ وقَدْ قِيلَ: إنَّها العَشْرُ الكَلِماتُ المُنَزَّلَةُ عَلى مُوسى - عَلَيْهِ السَلامُ.
وإنِ اعْتَرَضَ مَن قالَ: إنَّ "تُشْرِكُوا"؛ مَنصُوبٌ بِـ "أنْ"؛ بِعَطْفِ المَجْزُوماتِ عَلَيْهِ؛ فَذَلِكَ مَوْجُودٌ في كَلامِ العَرَبِ؛ وأنْشَدَ الطَبَرِيُّ حُجَّةً لِذَلِكَ:
؎ حَجَّ وأوصى بِسُلَيْمى الأعْبُدا ∗∗∗ ألّا تَرى ولا تُكَلِّمْ أحَدا
؎ ولا يَزَلْ شَرابُها مُبَرَّدا
(p-٤٩١)وَقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَلا تَقْتُلُوا أولادَكُمْ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ نَهْيٌ عن عادَةِ العَرَبِ في وأْدِ البَناتِ؛ و"اَلْوَلَدُ"؛ يَعُمُّ الذَكَرَ؛ والأُنْثى؛ مِنَ البَنِينَ؛ و"اَلْإمْلاقُ": اَلْفَقْرُ؛ وعَدَمُ المالِ؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ وغَيْرُهُ؛ يُقالُ: "أمْلَقَ الرَجُلُ"؛ إذا افْتَقَرَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: "أمْلَقَ"؛ أيْ: "لَمْ يَبْقَ لَهُ إلّا المَلَقُ"؛ كَما قالُوا: "أتْرَبَ"؛ إذا لَمْ يَبْقَ لَهُ إلّا التُرابُ؛ و"أرْمَلَ"؛ إذا لَمْ يَبْقَ لَهُ إلّا الرَمْلُ؛ و"اَلْمَلَقُ": اَلْحِجارَةُ السُودُ؛ واحِدَتُهُ: "مَلَقَةٌ"؛ وذَكَرَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ أنَّ "اَلْإمْلاقَ": اَلْإنْفاقُ؛ ويُقالُ: "أمْلَقَ مالَهُ"؛ بِمَعْنى: أنْفَقَهُ؛ وذَكَرَ أنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عنهُ - قالَ لِامْرَأةٍ: "أمْلِقِي مِن مالِكِ ما شِئْتِ"؛ وذَكَرَ النَقّاشُ عن مُحَمَّدِ بْنِ نُعَيْمٍ التِرْمِذِيِّ أنَّهُ السَرَفُ في الإنْفاقِ؛ وحَكى أيْضًا النَقّاشُ عن مُؤَرِّجٍ أنَّهُ قالَ: "اَلْإمْلاقُ": اَلْجُوعُ؛ بِلُغَةِ لَخْمٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَلا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ ؛ نَهْيٌ عامٌّ عن جَمِيعِ أنْواعِ الفَواحِشِ؛ وهي المَعاصِي؛ و"ظَهَرَ"؛ و"بَطَنَ"؛ حالَتانِ تَسْتَوْفِيانِ أقْسامَ ما جُعِلَتْ لَهُ مِنَ الأشْياءِ؛ وذَهَبَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ القَصْدَ بِهَذِهِ الآيَةِ أشْياءُ مُخَصَّصاتٌ؛ فَقالَ السُدِّيُّ ؛ وابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: "ما ظَهَرَ"؛ هو زِنا الحَوانِيتِ الشَهِيرِ؛ و"ما بَطَنَ"؛ هو مُتَّخِذاتُ الأخْدانِ؛ وكانُوا يَسْتَقْبِحُونَ الشَهِيرَ وحْدَهُ؛ فَحَرَّمَ اللهُ تَعالى الجَمِيعَ؛ وقالَ مُجاهِدٌ: "ما ظَهَرَ"؛ هو نِكاحُ حَلائِلِ الآباءِ؛ ونَحْوُ ذَلِكَ؛ و"ما بَطَنَ"؛ هو الزِنا؛ إلى غَيْرِ هَذا مِن تَخْصِيصٍ لا تَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ؛ بَلْ هو دَعْوى مُجَرَّدَةٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَلا تَقْتُلُوا﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ مُتَضَمِّنَةٌ تَحْرِيمَ قَتْلِ النَفْسِ المُسْلِمَةِ؛ والمُعاهَدَةِ؛ ومَعْنى الآيَةِ: "إلّا بِالحَقِّ الَّذِي يُوجِبُ قَتْلَها"؛ وقَدْ بَيَّنَتْهُ الشَرِيعَةُ؛ وهو الكُفْرُ بِاللهِ تَعالى وقَتْلُ النَفْسِ؛ والزِنا بَعْدَ الإحْصانِ؛ والحِرابَةُ؛ وما تَشَعَّبَ مِن ذَلِكَ.
(p-٤٩٢)وَ"ذَلِكُمْ"؛ إشارَةٌ إلى هَذِهِ المُحَرَّماتِ؛ و"اَلْوَصِيَّةُ": اَلْأمْرُ المُؤَكَّدُ المُقَرَّرُ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ أجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وصاةَ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ ∗∗∗ نَبِيِّ الإلَهِ حِينَ أوصى وأشْهَدا
وقَوْلُهُ تَعالى "لَعَلَّكُمْ"؛ تَرَجٍّ؛ بِالإضافَةِ إلَيْنا؛ أيْ: "مَن سَمِعَ هَذِهِ الوَصِيَّةَ تَرَجّى وُقُوعَ أثَرِ العَقْلِ بَعْدَها؛ وتَمْيِيزِ المَنافِعِ؛ والمَضارِّ؛ في الدِينِ.
{"ayah":"۞ قُلۡ تَعَالَوۡا۟ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَیۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰاۖ وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَـٰقࣲ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِیَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلۡفَوَ ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَ ٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق