(يا أيّها الذين آمنوا) خطاب لكافة المسلمين، وذكر ذلك عقب الأمر بالعدل لأنه لا يكون العدل إلا بعد الاتصاف بالإيمان، فهو من ذكر السبب بعد المسبب (آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) أي اثبتوا على إيمانكم وداوموا عليه، على حد، فاعلم أنه لا إله إلا الله، ويا أيها النبي اتق الله، والكتاب هو القرآن واللام للعهد، والكتاب الثاني هو كل كتاب واللام للجنس.
وقيل: إن الآية نزلت في المنافقين، والمعنى يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله، وقيل نزلت في المشركين، والمعنى يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى آمنوا بالله، وهما ضعيفان.
(ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر) أي بشيء من ذلك كما جرى عليه القاضي كالكشاف، وذكر الرسول فيما سبق لذكر الكتاب الذي أنزل عليه، وذكر الرسل هنا لذكر الكتب جملة فناسبه ذكر الرسل جملة، وجمع أيضاً لما أن الكفر بكتاب أو رسول كفر بالكل، قاله الكرخي.
وتقديم الملائكة على الرسل لأنهم الوسائط بين الله وبين رسله، قال الضحاك: يعني بذلك أهل الكتاب كان الله قد أخذ ميثاقهم في التوراة والإنجيل وأقروا على أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فلما بعث الله رسوله دعاهم إلى أن يؤمنوا بمحمد والقرآن، وذكرهم الذي أخذ عليهم من الميثاق فمنهم من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعه ومنهم من كفر.
(فقد ضلّ) عن القصد لأن الكفر ببعضه كفر بكله (ضلالاً بعيداً) عن الحق بحيث يعسر العود منه إلى سواء الطريق، وقول القاضي: بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه، لا يصح إلا إذا كانت الآية في جمع مخصوص علم الله منهم أنهم يموتون على الكفر ولا يتوبون عنه.
والظاهر أنه لا يحتاج إلى هذه المبالغة بل المراد ما أشرنا إليه لأن الذين يكفرون بما ذكر قد يسلم بعضهم، وزيادة الملائكة واليوم الآخر في جانب الكفر لما أنه بالكفر بأحدهما لا يتحقق الإيمان أصلاً، وجمع الكتب والرسل لما أن الكفر بكتاب أو رسول كفر بالكل.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِی نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدًا"}