الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خِطابٌ لِكافَّةِ المُسْلِمِينَ فَمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي أنْزَلَ مِن قَبْلُ﴾ اثْبُتُوا عَلى الإيمانِ بِذَلِكَ وداوِمُوا عَلَيْهِ وازْدادُوا فِيهِ طُمَأْنِينَةً ويَقِينًَا أوْ آمِنُوا بِما ذُكِرَ مُفَصَّلًَا بِناءً عَلى أنَّ إيمانَ بَعْضِهِمْ إجْمالِيٌّ والمُرادُ بِالكِتابِ الثّانِي: الجِنْسُ المُنْتَظِمُ لِجَمِيعِ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكُتُبِهِ﴾ وبِالإيمانِ بِهِ الإيمانُ بِأنَّ كُلَّ كِتابٍ مِن تِلْكَ الكُتُبِ مُنَزَّلٌ مِنهُ تَعالى عَلى رَسُولٍ مُعَيَّنٍ لِإرْشادِ أُمَّتِهِ إلى ما شَرَعَ لَهم مِنَ الدِّينِ بِالأوامِرِ والنَّواهِي لَكِنْ لا عَلى أنَّ مَدارَ الإيمانِ بِكُلِّ واحِدٍ مِن تِلْكَ الكُتُبِ خُصُوصِيَّةُ ذَلِكَ الكِتابِ ولا عَلى أنَّ أحْكامَ تِلْكَ الكُتُبِ وشَرائِعَها باقِيَةٌ بِالكُلِّيَّةِ ولا عَلى أنَّ الباقِيَ مِنها مُعْتَبَرٌ بِالإضافَةِ إلَيْها بَلْ عَلى أنَّ الإيمان بالكُلِّ (p-243)مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الإيمان بالكِتابِ المُنَزَّلِ عَلى رَسُولِهِ وأنَّ أحْكامَ كُلٍّ مِنها كانَتْ حَقَّةً ثابِتَةً إلى وُرُودِ ما نَسَخَها وأنَّ ما لَمْ يُنْسَخْ مِنها إلى الآنَ مِنَ الشَّرائِعِ والأحْكامِ ثابِتَةٌ مِن حَيْثُ إنَّها مِن أحْكامِ هَذا الكِتابِ الجَلِيلِ المَصُونِ عَنِ النَّسْخِ والتَّبْدِيلِ كَما مَرَّ في تَفْسِيرِ خاتِمَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ. وقُرِئَ "نُزِّلَ" و"أُنْزِلَ" عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ. وقِيلَ: هو خِطابٌ لِمُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ لِما أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ وابْنَ أُخْتِهِ سَلامَةَ وابْنَ أخِيهِ سَلَمَةَ وأسَدًَا وأُسَيْدًَا ابْنىْ كَعْبٍ وثَعْلَبَةَ بْنَ قَيْسٍ ويامِينَ بْنَ يامِينَ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّا نُؤْمِنُ بِكَ وبِكِتابِكَ وبِمُوسى والتَّوْراةِ وعُزَيْرٍ ونَكْفُرُ بِما سِواهُ مِنَ الكُتُبِ والرُّسُلِ فَقالَ ﷺ: بَلْ آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وكِتابِهِ القرآن وبِكُلِّ كِتابٍ كانَ قَبْلَهُ فَقالُوا: لا نَفْعَلُ فَنَزَلَتْ فَآمَنُوا كُلُّهم فَأمَرَهم بِالإيمان بالكِتابِ المُتَناوِلِ لِلتَّوْراةِ مَعَ أنَّهم مُؤْمِنُونَ بِها مِن قَبْلُ لَيْسَ لِكَوْنِ المُرادِ بِالإيمانِ ما يَعُمُّ إنْشاءَهُ والثَّباتَ عَلَيْهِ ولا لِأنَّ مُتَعَلَّقَ الأمْرِ حَقِيقَةً هو الإيمانُ بِما عَداها كَأنَّهُ قِيلَ: آمِنُوا بِالكُلِّ ولا تَخُصُّوهُ بِالبَعْضِ بَلْ لِأنَّ المَأْمُورَ بِهِ إنَّما هو الإيمانُ بِها في ضِمْنِ الإيمان بالقرآن عَلى الوَجْهِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًَا لا إيمانُهُمُ السّابِقُ ولِأنَّ فِيهِ حَمْلًَا لَهم عَلى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُما وبَيْنَ سائِرِ الكُتُبِ في التَّصْدِيقِ لِاشْتِراكِ الكُلِّ فِيما يُوجِبُهُ وهو النُّزُولُ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى. وقِيلَ: خِطابٌ لِأهْلِ الكِتابَيْنِ فالمَعْنى: آمِنُوا بِالكُلِّ لا بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وأمَرَ كُلَّ طائِفَةٍ بِالإيمانِ بِكِتابِهِ في ضِمْنِ الأمْرِ بِالإيمانِ بِجِنْسِ الكِتابِ لِما ذَكَرَ. وقِيلَ: هو لِلْمُنافِقِينَ فالمَعْنى: آمِنُوا بِقُلُوبِكم لا بِألْسِنَتِكم فَقَطْ. ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ أىْ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ. ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا﴾ عَنِ المَقْصِدِ بِحَيْثُ لا يَكادُ يَعُودُ إلى طَرِيقِهِ وزِيادَةُ المَلائِكَةِ واليَوْمِ الآخِرِ في جانِبِ الكُفْرِ لِما أنَّ بِالكُفْرِ بِأحَدِهِما لا يَتَحَقَّقُ الإيمانُ أصْلًَا، وجَمْعُ الكُتُبِ والرُّسُلِ لِما أنَّ الكُفْرَ بِكِتابٍ أوْ بِرَسُولٍ كُفْرٌ بِالكُلِّ وتَقْدِيمُ الرَّسُولِ فِيما سَبَقَ لِذِكْرِ الكِتابِ بِعُنْوانِ كَوْنِهِ مُنَزَّلًَا عَلَيْهِ وتَقْدِيمُ المَلائِكَةِ والكُتُبِ عَلى الرُّسُلِ لِأنَّهم وسايِطُ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وبَيْنَ الرُّسُلِ في إنْزالِ الكُتُبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب