الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خِطابٌ لِلْمُسْلِمِينَ كافَّةً، فَمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ والكِتابِ الَّذِي أنْزَلَ مِن قَبْلُ﴾ اثْبُتُوا عَلى الإيمانِ بِذَلِكَ، وداوِمُوا عَلَيْهِ.
ورُوِيَ هَذا عَنِ الحَسَنِ، واخْتارَهُ الجُبّائِيُّ، وقِيلَ: الخِطابُ لَهُمْ، والمُرادُ: ازْدادُوا في الإيمانِ طُمَأْنِينَةً ويَقِينًا، أوْ (آمِنُوا) بِما ذُكِرَ مُفَصَّلًا بِناءً عَلى أنَّ إيمانَ بَعْضِهِمْ إجْمالِيٌّ، وأيّا ما كانَ فَلا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الحاصِلِ، وقِيلَ: الخِطابُ لِلْمُنافِقِينَ المُؤْمِنِينَ ظاهِرًا، فَمَعْنى (آمِنُوا) أخْلِصُوا الإيمانَ، واخْتارَهُ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ.
وقِيلَ: لِمُؤْمِنِي اليَهُودِ خاصَّةً، ويُؤَيِّدُهُ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - «أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ، وأسَدَ (p-170)وأُسَيْدُ ابْنَيْ كَعْبٍ، وثَعْلَبَةَ بْنَ قَيْسٍ، وابْنَ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامِ، ويامِينَ بْنَ يامِينَ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ – وقالُوا: «نُؤْمِنُ بِكَ وبِكِتابِكَ، وبِمُوسى وبِالتَّوْراةِ وعُزَيْرٍ، ونَكْفُرُ بِما سِواهُ مِنَ الكُتُبِ والرُّسُلِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَلْ آمِنُوا بِاللَّهِ تَعالى، ومُحَمَّدٍ ﷺ وبِكِتابِهِ القُرْآنِ، وبِكُلِّ كِتابٍ كانَ قَبْلَهُ، فَقالُوا: لا نَفْعَلُ، فَنَزَلَتْ، فَآمَنُوا كُلُّهُمْ»».
وقِيلَ: لِمُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابَيْنِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الضَّحّاكِ.
وقِيلَ: لِلْمُشْرِكِينَ المُؤْمِنِينَ بِاللّاتِ والعُزّى.
وقِيلَ: لِجَمِيعِ الخَلْقِ؛ لِإيمانِهِمْ يَوْمَ أخْذِ المِيثاقِ حِينَ قالَ لَهم سُبْحانَهُ: ﴿ألَسْتُ بِرَبِّكم قالُوا بَلى﴾ .
والكِتابُ الأوَّلُ القُرْآنُ، والمُرادُ مِنَ الكِتابِ الثّانِي الجِنْسُ المُنْتَظِمُ لِجَمِيعِ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى فِيما بَعْدُ: (وكُتُبِهِ)، والمُرادُ بِالإيمانِ بِها الإيمانُ بِها في ضِمْنِ الإيمانِ بِالكِتابِ المُنَزَّلِ عَلى الرَّسُولِ ﷺ عَلى مَعْنى أنَّ الإيمانَ بِكُلِّ واحِدٍ مِنها مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الإيمانِ بِذَلِكَ الكِتابِ، وأنَّ أحْكامَ كُلٍّ مِنها كانَتْ حَقَّةً ثابِتَةً يَجِبُ الأخْذُ بِها إلى وُرُودِ ما نَسَخَها، وأنَّ ما لَمْ يُنْسَخْ مِنها إلى الآنَ مِنَ الشَّرائِعِ والأحْكامِ ثابِتَةٌ مِن حَيْثُ إنَّها مِن أحْكامِ ذَلِكَ الكِتابِ الَّذِي لا رَيْبَ فِيهِ ولا تَغْيِيرٌ يَعْتَرِيهِ.
ومِن هُنا يُعْلَمُ أنَّ أمْرَ مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ بِالإيمانِ بِكِتابِهِمْ بِناءً عَلى أنَّ الخِطابَ لَهم لَيْسَ عَلى مَعْنى الثَّباتِ؛ لِأنَّ هَذا النَّحْوَ مِنَ الإيمانِ غَيْرُ حاصِلٍ لَهُمْ، وهو المَقْصُودُ، ولا حاجَةَ إلى القَوْلِ بِأنَّ مُتَعَلِّقَ الأمْرِ حَقِيقَةً هو الإيمانُ بِما عَداهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: آمِنُوا بِالكُلِّ ولا تَخُصُّوهُ بِالبَعْضِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو: (نُزِّلَ) و(أُنْزِلَ) عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، واسْتِعْمالُ (نَزَّلَ) أوَّلًا و(أنْزَلَ) ثانِيًا؛ لِأنَّ القُرْآنَ نَزَلَ مُفْرَّقًا بِالإجْماعِ، وكانَ تَمامُهُ في ثَلاثٍ وعِشْرِينَ سَنَةً عَلى الصَّحِيحِ، ولا كَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الكُتُبِ، فَتَذَكَّرْ.
﴿ومَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ أيْ: بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، فَإنَّ الحُكْمَ المُتَعَلِّقَ بِالأُمُورِ المُتَعاطِفَةِ بِالواوِ - كَما قالَ العَلامَةُ الثّانِي - قَدْ يَرْجِعُ إلى كُلِّ واحِدٍ، وقَدْ يَرْجِعُ إلى المَجْمُوعِ، والتَّعْوِيلُ عَلى القَرائِنِ، وها هُنا قَدْ دَلَّتِ القَرِينَةُ عَلى الأوَّلِ؛ لِأنَّ الإيمانَ بِالكُلِّ واجِبٌ، والكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفاءِ البَعْضِ، ومِثْلُ هَذا لَيْسَ مِن جَعْلِ (الواوِ) بِمَعْنى (أوْ) في شَيْءٍ، وجَوَّزَ بَعْضُهم رُجُوعَهُ إلى المَجْمُوعِ لِوَصْفِ الضَّلالِ بِغايَةِ البُعْدِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا﴾ .
ويُسْتَفادُ مِنهُ أنَّ الكُفْرَ بِأيِّ بَعْضٍ كانَ ضَلالٌ مُتَّصِفٌ بِـ(بُعْدٍ)، والمَشْهُورُ أنَّ المُرادَ بِالضَّلالِ البَعِيدِ الضَّلالُ البَعِيدُ عَنِ المَقْصِدِ، بِحَيْثُ لا يَكادُ يَعُودُ المُتَّصِفُ بِهِ إلى طَرِيقِهِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ (ضَلالًا بَعِيدًا) عَنِ الوُقُوعِ، والجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ تَذْيِيلٌ لِلْكَلامِ السّابِقِ، وتَأْكِيدٌ لَهُ.
وزِيادَةُ المَلائِكَةِ واليَوْمِ الآخِرِ في جانِبِ الكُفْرِ - عَلى ما ذَكَرَهُ شَيْخُ الإسْلامِ - لِما أنَّ بِالكُفْرِ بِأحَدِهِما لا يَتَحَقَّقُ الإيمانُ أصْلًا، وجَمْعُ الكُتُبِ والرُّسُلِ لِما أنَّ الكُفْرَ بِكِتابٍ أوْ رَسُولٍ كُفْرٌ بِالكُلِّ، وتَقْدِيمُ الرَّسُولِ فِيما سَبَقَ لِذِكْرِ الكِتابِ بِعُنْوانِ كَوْنِهِ مُنَزَّلًا عَلَيْهِ، وتَقْدِيمُ المَلائِكَةِ والكُتُبِ عَلى الرُّسُلِ؛ لِأنَّهم وسائِطُ بَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وبَيْنَ الرُّسُلِ في إنْزالِ الكُتُبِ، وقِيلَ: اخْتِلافُ التَّرْتِيبِ في المَوْضِعَيْنِ مِن بابِ التَّفَنُّنِ في الأسالِيبِ، والزِّيادَةُ في الثّانِي لِمُجَرَّدِ المُبالِغَةِ، وقُرِئَ: (بِكِتابِهِ) عَلى إرادَةِ الجِنْسِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِی نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق