الباحث القرآني

الحُكْمُ السّابِعُ: حُكْمُ النَّظَرِ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهم ذَلِكَ أزْكى لَهم إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا ما ظَهَرَ مِنها ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أبْنائِهِنَّ أوْ أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَواتِهِنَّ أوْ نِسائِهِنَّ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ أوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ولا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وإنَّما خَصَّهم بِذَلِكَ لِأنَّ غَيْرَهم لا يَلْزَمُهُ غَضُّ البَصَرِ عَمّا لا يَحِلُّ لَهُ ويَحْفَظُ الفَرْجَ عَمّا لا يَحِلُّ لَهُ، لِأنَّ هَذِهِ الأحْكامَ كالفُرُوعِ لِلْإسْلامِ والمُؤْمِنُونَ مَأْمُورُونَ بِها ابْتِداءً، والكُفّارُ مَأْمُورُونَ قَبْلَها بِما تَصِيرُ هَذِهِ الأحْكامُ تابِعَةً لَهُ، وإنْ كانَ حالُهم كَحالِ المُؤْمِنِينَ في اسْتِحْقاقِ العِقابِ عَلى تَرْكِها، لَكِنَّ المُؤْمِنَ يَتَمَكَّنُ مِن هَذِهِ الطّاعَةِ مَن دُونِ مُقَدِّمَةٍ، والكافِرَ لا يَتَمَكَّنُ إلّا بِتَقْدِيمِ مُقَدِّمَةِ مَن قَبْلَهُ، وذَلِكَ لا يَمْنَعُ مِن لُزُومِ التَّكالِيفِ لَهُ. واعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ أمَرَ الرِّجالَ بِغَضِّ البَصَرِ وحِفْظِ الفَرْجِ، وأمَرَ النِّساءَ بِمِثْلِ ما أمَرَ بِهِ الرِّجالَ وزادَ فِيهِنَّ أنْ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا لِأقْوامٍ مَخْصُوصِينَ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ: المسألة الأُولى: قالَ الأكْثَرُونَ (مِن) هاهُنا لِلتَّبْعِيضِ والمُرادُ غَضُّ البَصَرِ عَمّا يَحْرُمُ والِاقْتِصارُ بِهِ عَلى ما يَحِلُّ، وجَوَّزَ الأخْفَشُ أنْ تَكُونَ مَزِيدَةً، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٨٥] ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] وأباهُ سِيبَوَيْهِ، فَإنْ قِيلَ كَيْفَ دَخَلَتْ في غَضِّ البَصَرِ دُونَ حِفْظِ الفَرْجِ ؟ قُلْنا دَلالَةً عَلى أنَّ أمْرَ النَّظَرِ أوْسَعُ ألا تَرى أنَّ المَحارِمَ لا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلى شُعُورِهِنَّ وصُدُورِهِنَّ وكَذا الجَوارِي المُسْتَعْرِضاتُ. وأمّا أمْرُ الفَرْجِ فَمُضَيَّقٌ، وكَفاكَ فَرْقًا أنْ أُبِيحَ النَّظَرُ إلّا ما اسْتُثْنِيَ مِنهُ وحُظِرَ الجِماعُ إلّا ما اسْتَثْنِيَ مِنهُ، ومِنهم مَن قالَ: ﴿يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ﴾ أيْ يُنْقِصُوا مِن نَظَرِهِمْ فالبَصَرُ إذا لَمْ يُمَكَّنْ مِن عَمَلِهِ فَهو مَغْضُوضٌ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، وعَلى هَذا ”مِن“ لَيْسَتْ بِزائِدَةٍ ولا هي لِلتَّبْعِيضِ بَلْ هي مِن صِلَةِ الغَضِّ يُقالُ غَضَضْتُ (p-١٧٦)مِن فُلانٍ إذا نَقَصْتُ مِن قَدْرِهِ. * * * المسألة الثّانِيَةُ: اعْلَمْ أنَّ العَوْراتِ عَلى أرْبَعَةِ أقْسامٍ: عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، وعَوْرَةُ المَرْأةِ مَعَ المَرْأةِ، وعَوْرَةُ المَرْأةِ مَعَ الرَّجُلِ، وعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ المَرْأةِ، فَأمّا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ فَيَجُوزُ لَهُ أنْ يَنْظُرَ إلى جَمِيعِ بَدَنِهِ إلّا عَوْرَتَهُ وعَوْرَتُهُ ما بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، والسُّرَّةُ والرُّكْبَةُ لَيْسَتا بِعَوْرَةٍ، وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الرُّكْبَةُ عَوْرَةُ، وقالَ مالِكٌ الفَخْذُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةِ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّها عَوْرَةٌ ما رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ ”«أنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِهِ في المَسْجِدِ وهو كاشِفٌ عَنْ فَخْذِهِ فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ غَطِّ فَخْذَكَ فَإنَّها مِنَ العَوْرَةِ» “ . وقالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «”لا تُبْرِزْ فَخْذَكَ ولا تَنْظُرْ إلى فَخْذِ حَيٍّ ولا مَيِّتٍ“» فَإنْ كانَ في نَظَرِهِ إلى وجْهِهِ أوْ سائِرِ بَدَنِهِ شَهْوَةٌ أوْ خَوْفُ فِتْنَةٍ بِأنْ كانَ أمْرَدَ لا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، ولا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مُضاجَعَةُ الرَّجُلِ، وإنْ كانَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما في جانِبٍ مِنَ الفِراشِ، لِما رَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: «”لا يُفْضِي الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ولا تُفْضِي المَرْأةُ إلى المَرْأةِ في ثَوْبٍ واحِدٍ“» . وتُكْرَهُ المُعانَقَةُ وتَقْبِيلُ الوجه إلّا لِوَلَدِهِ شَفَقَةً، وتُسْتَحَبُّ المُصافَحَةُ لِما رَوى أنَسٌ قالَ: «”قالَ رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنّا يَلْقى أخاهُ أوْ صَدِيقَهُ أيَنْحَنِي لَهُ ؟ قالَ لا، قالَ أيَلْتَزِمُهُ ويُقَبِّلُهُ ؟ قالَ لا، قالَ أفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ ويُصافِحُهُ ؟ قالَ: نَعَمْ“» أمّا عَوْرَةُ المَرْأةِ مَعَ المَرْأةِ فَكَعَوْرَةِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، فَلَها النَّظَرُ إلى جَمِيعِ بَدَنِها إلّا ما بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، وعِنْدَ خَوْفِ الفِتْنَةِ لا يَجُوزُ، ولا يَجُوزُ المُضاجَعَةُ. والمَرْأةُ الذِّمِّيَّةُ هَلْ يَجُوزُ لَها النَّظَرُ إلى بَدَنِ المُسْلِمَةِ، قِيلَ يَجُوزُ كالمُسْلِمَةِ مَعَ المُسْلِمَةِ، والأصَحُّ أنَّهُ لا يَجُوزُ لِأنَّها أجْنَبِيَّةٌ في الدِّينِ واللَّهُ تَعالى يَقُولُ: ﴿أوْ نِسائِهِنَّ﴾ ولَيْسَتِ الذِّمِّيَّةُ مِن نِسائِنا، أمّا عَوْرَةُ المَرْأةِ مَعَ الرَّجُلِ فالمَرْأةُ إمّا أنْ تَكُونَ أجْنَبِيَّةً أوْ ذاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ، أوْ مُسْتَمْتَعَةً، فَإنْ كانَتْ أجْنَبِيَّةً فَإمّا أنْ تَكُونَ حُرَّةً أوْ أمَةً فَإنْ كانَتْ حُرَّةً فَجَمِيعُ بَدَنِها عَوْرَةٌ، ولا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَنْظُرَ إلى شَيْءٍ مِنها إلّا الوجه والكَفَّيْنِ، لِأنَّها تَحْتاجُ إلى إبْرازِ الوجه في البَيْعِ والشِّراءِ، وإلى إخْراجِ الكَفِّ لِلْأخْذِ والعَطاءِ، ونَعْنِي بِالكَفِّ ظَهْرَها وبَطْنَها إلى الكُوعَيْنِ، وقِيلَ ظَهْرُ الكَفِّ عَوْرَةٌ. واعْلَمْ أنّا ذَكَرْنا أنَّهُ لا يَجُوزُ النَّظَرُ إلى شَيْءٍ مِن بَدَنِها، ويَجُوزُ النَّظَرُ إلى وجْهِها وكَفِّها، وفي كُلِّ واحِدٍ مِنَ القَوْلَيْنِ اسْتِثْناءٌ. أمّا قَوْلُهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلى وجْهِها وكَفِّها، فاعْلَمْ أنَّهُ عَلى ثَلاثَةِ أقْسامٍ لِأنَّهُ إمّا أنْ لا يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ ولا فِيهِ فِتْنَةٌ، وإمّا أنْ يَكُونَ فِيهِ فِتْنَةٌ ولا غَرَضَ فِيهِ، وإمّا أنْ يَكُونَ فِيهِ فِتْنَةٌ وغَرَضٌ، أمّا القِسْمُ الأوَّلُ: فاعْلَمْ أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إلى وجْهِ الأجْنَبِيَّةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ وإنْ وقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْها بَغْتَةً يَغُضُّ بَصَرَهُ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ﴾ وقِيلَ يَجُوزُ مَرَّةً واحِدَةً إذا لَمْ يَكُنْ مَحَلَّ فِتْنَةٍ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ولا يَجُوزُ أنْ يُكَرِّرَ النَّظَرَ إلَيْها لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦] ولِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «”يا عَلِيُّ لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإنَّ لَكَ الأُولى ولَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ“» وعَنْ جابِرٍ قالَ: «”سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ نَظَرِ الفَجْأةِ فَأمَرَنِي أنْ أصْرِفَ بَصَرِي“» ولِأنَّ الغالِبَ أنَّ الِاحْتِرازَ عَنِ الأُولى لا يُمْكِنْ فَوَقَعَ عَفْوًا قَصَدَ أوْ لَمْ يَقْصِدْ (p-١٧٧)أمّا القِسْمُ الثّانِي: وهو أنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ ولا فِتْنَةَ فِيهِ فَذاكَ أُمُورٌ: أحَدُها: بِأنْ يُرِيدَ نِكاحَ امْرَأةٍ فَيَنْظُرَ إلى وجْهِها وكَفَّيْها، رَوى أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «”أنَّ رَجُلًا أرادَ أنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأةً مِنَ الأنْصارِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ انْظُرْ إلَيْها فَإنَّ في أعْيُنِ الأنْصارِ شَيْئًا“» وقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «”إذا خَطَبَ أحَدُكُمُ المَرْأةَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَنْظُرَ إلَيْها إذا كانَ إنَّما يَنْظُرُ إلَيْها لِلْخِطْبَةِ“» وقالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ”«خَطَبْتُ امْرَأةً فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ نَظَرْتَ إلَيْها، فَقُلْتُ لا، قالَ فانْظُرْ فَإنَّها أحْرى أنْ يَدُومَ بَيْنَكُما» “ . فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى جَوازِ النَّظَرِ إلى وجْهِها وكَفَّيْها لِلشَّهْوَةِ إذا أرادَ أنْ يَتَزَوَّجَها، ويَدُلَّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِن بَعْدُ ولا أنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِن أزْواجٍ ولَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢] ولا يُعْجِبُهُ حُسْنُهُنَّ إلّا بَعْدَ رُؤْيَةِ وُجُوهِهِنَّ. وثانِيها: إذا أرادَ شِراءَ جارِيَةٍ فَلَهُ أنْ يَنْظُرَ إلى ما لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنها. وثالِثُها: أنَّهُ عِنْدَ المُبايَعَةِ يَنْظُرُ إلى وجْهِها مُتَأمِّلًا حَتّى يَعْرِفَها عِنْدَ الحاجَةِ إلَيْهِ. ورابِعُها: يَنْظُرُ إلَيْها عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهادَةِ ولا يَنْظُرُ إلى غَيْرِ الوجه لِأنَّ المَعْرِفَةَ تَحْصُلُ بِهِ. أمّا القِسْمُ الثّالِثُ: وهو أنْ يَنْظُرَ إلَيْها لِلشَّهْوَةِ فَذاكَ مَحْظُورٌ، قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «”العَيْنانِ تَزْنِيانِ“» وعَنْ جابِرٍ قالَ: «”سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ نَظْرَةِ الفَجْأةِ فَأمَرَنِي أنْ أصْرِفَ بَصَرِي“» . وقِيلَ: مَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ النَّظْرَةُ تَزْرَعُ في القَلْبِ الشَّهْوَةَ، ورُبَّ شَهْوَةٍ أوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلًا. أمّا الكَلامُ الثّانِي: وهو أنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْأجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلى بَدَنِ الأجْنَبِيَّةِ فَقَدِ اسْتَثْنَوْا مِنهُ صُوَرًا إحْداها: يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ الأمِينِ أنْ يَنْظُرَ إلَيْها لِلْمُعالَجَةِ، كَما يَجُوزُ لِلْخَتّانِ أنْ يَنْظُرَ إلى فَرْجِ المَخْتُونِ، لِأنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. وثانِيَتُها: يَجُوزُ أنْ يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إلى فَرْجِ الزّانِيَيْنِ لِتَحَمُّلِ الشَّهادَةِ عَلى الزِّنا، وكَذَلِكَ يَنْظُرُ إلى فَرْجِها لِتَحَمُّلِ شَهادَةِ الوِلادَةِ، وإلى ثَدْيِ المُرْضِعَةِ لِتَحَمُّلِ الشَّهادَةِ عَلى الرَّضاعِ، وقالَ أبُو سَعِيدٍ الإصْطَخْرِيُّ لا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أنْ يَقْصِدَ النَّظَرَ في هَذِهِ المَواضِعِ، لِأنَّ الزِّنا مَندُوبٌ إلى سَتْرِهِ، وفي الوِلادَةِ والرَّضاعِ تُقْبَلُ شَهادَةُ النِّساءِ فَلا حاجَةَ إلى نَظَرِ الرِّجالِ لِلشَّهادَةِ. وثالِثَتُها: لَوْ وقَعَتْ في غَرَقٍ أوْ حَرْقٍ فَلَهُ أنْ يَنْظُرَ إلى بَدَنِها لِيُخَلِّصَها، أمّا إذا كانَتِ الأجْنَبِيَّةُ أمَةً فَقالَ بَعْضُهم عَوْرَتُها ما بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، وقالَ آخَرُونَ عَوْرَتُها ما لا يَبِينُ لِلْمِهْنَةِ فَخَرَجَ مِنهُ أنَّ رَأْسَها وساعِدَيْها وساقَيْها ونَحْرَها وصَدْرَها لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وفي ظَهْرِها وبَطْنِها وما فَوْقَ ساعِدَيْها الخِلافُ المَذْكُورُ، ولا يَجُوزُ لَمْسُها ولا لَها لَمْسُهُ بِحالٍ لا لِحِجامَةٍ ولا اكْتِحالٍ ولا غَيْرِهِ، لِأنَّ اللَّمْسَ أقْوى مِنَ النَّظَرِ بِدَلِيلِ أنَّ الإنْزالَ بِاللَّمْسِ يُفْطِرُ الصّائِمَ وبِالنَّظَرِ لا يُفْطِرُهُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ أنْ يَمَسَّ مِنَ الأمَةِ ما يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ أمّا إنْ كانَتِ المَرْأةُ ذاتَ مَحْرَمٍ لَهُ بِنَسَبٍ أوْ رَضاعٍ أوْ صِهْرِيَّةٍ فَعَوْرَتُها مَعَهُ ما بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ، وقالَ آخَرُونَ بَلْ عَوْرَتُها ما لا يَبْدُو عِنْدَ المِهْنَةِ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأمّا سائِرُ التَّفاصِيلِ فَسَتَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في تَفْسِيرِ الآيَةِ، أمّا إذا كانَتِ المَرْأةُ مُسْتَمْتَعَةً كالزَّوْجَةِ والأمَةِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتاعُ بِها، فَيَجُوزُ لَهُ أنْ يَنْظُرَ إلى جَمِيعِ بَدَنِها حَتّى إلى فَرْجِها غَيْرَ أنَّهُ يُكْرَهُ أنْ يَنْظُرَ إلى الفَرْجِ وكَذا إلى فَرْجِ نَفْسِهِ، لِأنَّهُ يُرْوى أنَّهُ (p-١٧٨)يُورِثُ الطَّمْسَ، وقِيلَ لا يَجُوزُ النَّظَرُ إلى فَرْجِها ولا فَرْقَ بَيْنَ أنْ تَكُونَ الأمَةُ قِنَّةً أوْ مُدَبَّرَةً أوْ أُمَّ ولَدٍ أوْ مَرْهُونَةً. فَإنْ كانَتْ مَجُوسِيَّةً أوْ مُرْتَدَّةً أوْ وثَنِيَّةً أوْ مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ أوْ مُتَزَوِّجَةً أوْ مُكاتَبَةً فَهي كالأجْنَبِيَّةِ، رَوى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «”إذا زَوَّجَ أحَدُكم جارِيَتَهُ عَبْدَهُ أوْ أجِيرَهُ فَلا يَنْظُرْ إلى ما دُونَ السُّرَّةِ وفَوْقَ الرُّكْبَةِ“» . وأمّا عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ المَرْأةِ (فَفِيهِ) نَظَرٌ إنْ كانَ أجْنَبِيًّا مِنها فَعَوْرَتُهُ مَعَها ما بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، وقِيلَ جَمِيعُ بَدَنِهِ إلّا الوجه والكَفَّيْنِ كَهي مَعَهُ، والأوَّلُ أصَحُّ بِخِلافِ المَرْأةِ في حَقِّ الرَّجُلِ، لِأنَّ بَدَنَ المَرْأةِ في ذاتِهِ عَوْرَةٌ بِدَلِيلِ أنَّهُ لا تَصِحُّ صَلاتُها مَكْشُوفَةَ البَدَنِ وبَدَنُ الرَّجُلِ بِخِلافِهِ، ولا يَجُوزُ لَها قَصْدُ النَّظَرِ عِنْدَ خَوْفِ الفِتْنَةِ ولا تَكْرِيرُ النَّظَرِ إلى وجْهِهِ لِما رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: ”«أنَّها كانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ ومَيْمُونَةُ إذْ أقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْها فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: احْتَجِبا مِنهُ، فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ ألَيْسَ هو أعْمى لا يُبْصِرُنا ؟ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أفَعَمْياوانِ أنْتُما ألَسْتُما تُبْصِرانِهِ» “ . وإنْ كانَ مَحْرَمًا لَها فَعَوْرَتُهُ مَعَها ما بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ وإنْ كانَ زَوْجَها أوْ سَيِّدَها الَّذِي يَحِلُّ لَهُ وطْؤُها فَلَها أنْ تَنْظُرَ إلى جَمِيعِ بَدَنِهِ غَيْرَ أنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ إلى الفَرْجِ كَهو مَعَها، ولا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أنْ يَجْلِسَ عارِيًا في بَيْتٍ خالٍ ولَهُ ما يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، لِأنَّهُ رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سُئِلَ عَنْهُ فَقالَ: «”اللَّهُ أحَقُّ أنْ يَسْتَحْيِيَ مِنهُ“» . ورُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: «”إيّاكم والتَّعَرِّيَ فَإنَّ مَعَكم مَن لا يُفارِقُكم إلّا عِنْدَ الغائِطِ، وحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلى أهْلِهِ“» واللَّهُ أعْلَمُ. المسألة الثّالِثَةُ: سُئِلَ الشِّبْلِيُّ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ﴾ فَقالَ أبْصارُ الرُّءُوسِ عَنِ المُحَرَّماتِ، وأبْصارُ القُلُوبِ عَمّا سِوى اللَّهِ تَعالى. * * * وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ فالمُرادُ بِهِ عَمّا لا يَحِلُّ، وعَنْ أبِي العالِيَةِ أنَّهُ قالَ: كُلُّ ما في القُرْآنِ مِن قَوْلِهِ: ﴿ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾، ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، مِنَ الزِّنا إلّا الَّتِي في النُّورِ: ﴿مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ أنْ لا يَنْظُرَ إلَيْها أحَدٌ، وهَذا ضَعِيفٌ لِأنَّهُ تَخْصِيصٌ مِن غَيْرِ دَلالَةٍ. والَّذِي يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ أنْ يَكُونَ المَعْنى حِفْظُها عَنْ سائِرِ ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الزِّنا والمَسِّ والنَّظَرِ، وعَلى أنَّهُ إنْ كانَ المُرادُ حَظْرَ النَّظَرِ فالمَسُّ والوَطْءُ أيْضًا مُرادانِ بِالآيَةِ، إذْ هُما أغْلَظُ مِنَ النَّظَرِ، فَلَوْ نَصَّ اللَّهُ تَعالى عَلى النَّظَرِ لَكانَ في مَفْهُومِ الخِطابِ ما يُوجِبُ حَظْرَ الوَطْءِ والمَسِّ، كَما أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] اقْتَضى حَظْرَ ما فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ السَّبِّ والضَّرْبِ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ أزْكى لَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] أيْ تَمَسُّكُهم بِذَلِكَ أزْكى لَهم وأطْهَرُ، لِأنَّهُ مِن بابِ ما يُزَكَّوْنَ بِهِ ويَسْتَحِقُّونَ الثَّناءَ والمَدْحَ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ إنَّهُ تَعالى خَصَّ في الخِطابِ المُؤْمِنِينَ لِما أرادَهُ مِن تَزْكِيَتِهِمْ بِذَلِكَ، ولا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالكافِرِ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ فالقَوْلُ فِيهِ عَلى ما تَقَدَّمَ، فَإنْ قِيلَ فَلِمَ قُدِّمَ غَضُّ الأبْصارِ عَلى حِفْظِ الفُرُوجِ، قُلْنا لِأنَّ النَّظَرَ بَرِيدُ الزِّنا ورائِدُ الفُجُورِ والبَلْوى فِيهِ أشَدُّ وأكْثَرُ، ولا يَكادُ يُقْدَرُ عَلى الِاحْتِراسِ مِنهُ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا ما ظَهَرَ مِنها﴾ فَمِنَ الأحْكامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِها النِّساءُ في الأغْلَبِ، وإنَّما قُلْنا في الأغْلَبِ لِأنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلى الرَّجُلِ أنْ يُبْدِيَ زِينَتَهُ حُلِيًّا ولِباسًا إلى غَيْرِ ذَلِكَ لِلنِّساءِ الأجْنَبِيّاتِ، لِما فِيهِ مِنَ الفِتْنَةِ وهاهُنا مَسائِلُ: (p-١٧٩)المسألة الأُولى: اخْتَلَفُوا في المُرادِ بِزِينَتِهِنَّ، واعْلَمْ أنَّ الزِّينَةَ اسْمٌ يَقَعُ عَلى مَحاسِنِ الخَلْقِ الَّتِي خَلَقَها اللَّهُ تَعالى وعَلى سائِرِ ما يَتَزَيَّنُ بِهِ الإنْسانُ مِن فَضْلِ لِباسٍ أوْ حُلِيٍّ وغَيْرِ ذَلِكَ، وأنْكَرَ بَعْضُهم وُقُوعَ اسْمِ الزِّينَةِ عَلى الخِلْقَةِ، لِأنَّهُ لا يَكادُ يُقالُ في الخِلْقَةِ إنَّها مِن زِينَتِها. وإنَّما يُقالُ ذَلِكَ فِيما تَكْتَسِبُهُ مِن كُحْلٍ وخِضابٍ وغَيْرِهِ، والأقْرَبُ أنَّ الخِلْقَةَ داخِلَةٌ في الزِّينَةِ، ويَدُلُّ عَلَيْها وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّ الكَثِيرَ مِنَ النِّساءِ يَنْفَرِدْنَ بِخِلْقَتِهِنَّ عَنْ سائِرِ ما يُعَدُّ زِينَةً، فَإذا حَمَلْناهُ عَلى الخِلْقَةِ وفَّيْنا العُمُومَ حَقَّهُ، ولا يُمْنَعُ دُخُولُ ما عَدا الخِلْقَةَ فِيهِ أيْضًا. الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالزِّينَةِ ما يَعُمُّ الخِلْقَةَ وغَيْرَها فَكَأنَّهُ تَعالى مَنَعَهُنَّ مِن إظْهارِ مَحاسِنِ خِلْقَتِهِنَّ بِأنْ أوْجَبَ سَتْرَها بِالخِمارِ، وأمّا الَّذِينَ قالُوا الزِّينَةُ عِبارَةٌ عَمّا سِوى الخِلْقَةِ فَقَدْ حَصَرُوهُ في أُمُورٍ ثَلاثَةٍ: أحَدُها: الأصْباغُ كالكُحْلِ والخِضابِ بِالوَسْمَةِ في حاجِبَيْها والغَمْرَةِ في خَدَّيْها والحِنّاءِ في كَفَّيْها وقَدَمَيْها. وثانِيها: الحُلِىُّ كالخاتَمِ والسُّوارِ والخَلْخالِ والدُّمْلُجِ والقِلادَةِ والإكْلِيلِ والوِشاحِ والقُرْطِ. وثالِثُها: الثِّيابُ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١] وأرادَ الثِّيابَ. * * * المسألة الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في المُرادِ مِن قَوْلِهِ: ﴿إلّا ما ظَهَرَ مِنها﴾ أمّا الَّذِينَ حَمَلُوا الزِّينَةَ عَلى الخِلْقَةِ، فَقالَ القَفّالُ مَعْنى الآيَةِ إلّا ما يُظْهِرُهُ الإنْسانُ في العادَةِ الجارِيَةِ، وذَلِكَ في النِّساءِ الوجه والكَفّانِ، وفي الرَّجُلِ الأطْرافُ مِنَ الوجه واليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ، فَأُمِرُوا بِسَتْرِ ما لا تُؤَدِّي الضَّرُورَةُ إلى كَشْفِهِ ورُخِّصَ لَهم في كَشْفِ ما اعْتِيدَ كَشْفُهُ وأدَّتِ الضَّرُورَةُ إلى إظْهارِهِ إذْ كانَتْ شَرائِعُ الإسْلامِ حَنِيفِيَّةً سَهْلَةً سَمْحَةً، ولَمّا كانَ ظُهُورُ الوجه والكَفَّيْنِ كالضَّرُورِيِّ لا جَرَمَ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُما لَيْسا بِعَوْرَةٍ، أمّا القَدَمُ فَلَيْسَ ظُهُورُهُ بِضَرُورِيٍّ فَلا جَرَمَ اخْتَلَفُوا في أنَّهُ هَلْ هو مِنَ العَوْرَةِ أمْ لا ؟ فِيهِ وجْهانِ: الأصَحُّ أنَّهُ عَوْرَةٌ كَظَهْرِ القَدَمِ، وفي صَوْتِها وجْهانِ أصَحُّهُما أنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، لِأنَّ نِساءَ النَّبِيِّ ﷺ كُنَّ يَرْوِينَ الأخْبارَ لِلرِّجالِ، وأمّا الَّذِينَ حَمَلُوا الزِّينَةَ عَلى ما عَدا الخِلْقَةَ فَقالُوا إنَّهُ سُبْحانَهُ إنَّما ذَكَرَ الزِّينَةَ لِأنَّهُ لا خِلافَ أنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْها حالَما لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِأعْضاءِ المَرْأةِ، فَلَمّا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحانَهُ النَّظَرَ إلَيْها حالَ اتِّصالِها بِبَدَنِ المَرْأةِ كانَ ذَلِكَ مُبالَغَةً في حُرْمَةِ النَّظَرِ إلى أعْضاءِ المَرْأةِ. وعَلى هَذا القَوْلِ يَحِلُّ النَّظَرُ إلى زِينَةِ وجْهِها مِنَ الوَشْمَةِ والغَمْرَةِ وزِينَةِ بَدَنِها مِنَ الخِضابِ والخَواتِيمِ وكَذا الثِّيابُ، والسَّبَبُ في تَجْوِيزِ النَّظَرِ إلَيْها أنَّ تَسَتُّرَها فِيهِ حَرَجٌ لِأنَّ المَرْأةَ لا بُدَّ لَها مِن مُناوَلَةِ الأشْياءِ بِيَدَيْها والحاجَةِ إلى كَشْفِ وجْهِها في الشَّهادَةِ والمُحاكَمَةِ والنِّكاحِ. المسألة الثّالِثَةُ: اتَّفَقُوا عَلى تَخْصِيصِ قَوْلِهِ: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا ما ظَهَرَ مِنها﴾ بِالحَرائِرِ دُونَ الإماءِ، والمَعْنى فِيهِ ظاهِرٌ، وهو أنَّ الأمَةَ مالٌ فَلا بُدَّ مِنَ الِاحْتِياطِ في بَيْعِها وشِرائِها، وذَلِكَ لا يُمْكِنُ إلّا بِالنَّظَرِ إلَيْها عَلى الِاسْتِقْصاءِ بِخِلافِ الحُرَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب