الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٣٠] ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهم ذَلِكَ أزْكى لَهم إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ . ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ﴾ أيْ: مُقْتَضى إيمانِكُمُ الغَضُّ عَمّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعالى النَّظَرَ إلَيْهِ: ﴿ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أيْ: عَنِ الإفْضاءِ بِها إلى مُحَرَّمٍ، أوْ عَنِ الإبْداءِ والكَشْفِ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ: الغَضُّ والحِفْظُ: ﴿أزْكى لَهُمْ﴾ أيْ: أطْهَرُ لِلنَّفْسِ وأتْقى لِلدِّينِ: ﴿إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ أيْ: بِأفْعالِهِمْ وأحْوالِهِمْ. وكَيْفَ يُجِيلُونَ أبْصارَهم، وكَيْفَ يَصْنَعُونَ بِسائِرِ حَواسِّهِمْ وجَوارِحِهِمْ. فَعَلَيْهِمْ، إذْ عَرَفُوا ذَلِكَ، أنْ يَكُونُوا مِنهُ عَلى تَقْوى وحَذَرٍ، في كُلِّ حَرَكَةٍ وسُكُونٍ. أفادَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. (p-٤٥٠٥)تَنْبِيهاتٌ: الأوَّلُ: قالَ السُّيُوطِيُّ في (الإكْلِيلِ "): في الآيَةِ تَحْرِيمُ النَّظَرِ إلى النِّساءِ وعَوْراتِ الرِّجالِ وتَحْرِيمُ كَشْفِها. أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ: كُلُّ شَيْءٍ في القُرْآنِ مِن (حِفْظِ الفَرْجِ ) فَهو مِنَ الزِّنى، إلّا هَذِهِ الآيَةَ والَّتِي بَعْدَها، فَهو أنْ لا يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، ولا المَرْأةُ إلى عَوْرَةِ المَرْأةِ. انْتَهى. ولَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ. وعَلَيْهِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الزِّنى يُعْلَمُ مِنهُ بِطَرِيقِ الأوْلى. أوِ الحِفْظُ عَنِ الإبْداءِ يَسْتَلْزِمُ الحِفْظَ عَنِ الإفْضاءِ. الثّانِي: إنْ قِيلَ: لِمَ أتى بِـ(مِنَ ) التَّبْعِيضِيَّةِ في غَضِّ الأبْصارِ وقَيَّدَها بِهِ دُونَ حِفْظِ الفُرُوجِ ؟ مَعَ أنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ ومُقَيَّدٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦] لِأنَّ المُسْتَثْنى في الحِفْظِ هو الأزْواجُ والسِّرارِي، وهو قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِما عَداهُ. فَجُعِلَ كالعَدَمِ ولَمْ يُقَيَّدْ بِهِ. مَعَ أنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الآيَةِ الأُخْرى. بِخِلافِ ما يُطْلَقُ فِيهِ البَصَرُ، فَإنَّهُ يُباحُ في أكْثَرِ الأشْياءِ، إلّا نَظَرَ ما حَرُمَ عَنْ قَصْدٍ. فَقَيَّدَ (الغَضَّ بِهِ ) ومَدْخُولُ (مِنَ ) التَّبْعِيضِيَّةِ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ أقَلَّ مِنَ الباقِي. وقِيلَ: إنَّ الغَضَّ والحِفْظَ عَنِ الأجانِبِ. وبَعْضُ الغَضِّ مَمْنُوعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، وبَعْضُهُ جائِزٌ: بِخِلافِ الحِفْظِ فَلا وجْهَ لِدُخُولِ (مِن ) فِيهِ. كَذا في (العِنايَةِ ") . الثّالِثُ: سُرُّ تَقْدِيمِ غَضِّ الأبْصارِ عَلى حِفْظِ الفُرُوجِ، هو أنَّ النَّظَرَ بَرِيدُ الزِّنى ورائِدُ الفُجُورِ، كَما قالَ الحَماسِيُّ: ؎وكُنْتَ إذا أرْسَلْتَ طَرْفَكَ رائِدًا لِقَلْبِكَ يَوْمًا، أتْعَبَتْكَ المَناظِرُ (p-٤٥٠٦)ولِأنَّ البَلْوى فِيهِ أشَدُّ وأكْثَرُ. ولا يَكادُ يَقْدِرُ عَلى الِاحْتِراسِ مِنهُ. فَبُودِرَ إلى مَنعِهِ. ولِأنَّهُ يَتَقَدَّمُ الفُجُورَ في الواقِعِ، فَجُعِلَ النَّظْمُ عَلى وفْقِهِ. الرّابِعُ: غَضُّ البَصَرِ مِن أجْلِ الأدْوِيَةِ لِعِلاجِ أمْراضِ القُلُوبِ. وفِيهِ حَسْمٌ لِمادَّتِها قَبْلَ حُصُولِها. فَإنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِن سِهامِ إبْلِيسَ. ومَن أطْلَقَ لَحَظاتِهِ، دامَتْ حَسَراتُهُ. ؎كُلُّ الحَوادِثِ مَبْداها مِنَ النَّظَرِ ∗∗∗ ومُعْظَمُ النّارِ مِن مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ قالَ الإمامُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في " الجَوابِ الشّافِي ": في غَضِّ البَصَرِ عِدَّةُ مَنافِعَ: أحَدُها: امْتِثالُ أمْرِ اللَّهِ هو غايَةُ سَعادَةِ العَبْدِ في مَعاشِهِ ومَعادِهِ. ولَيْسَ لِلْعَبْدِ في دُنْياهُ وآخِرَتِهِ أنْفَعُ مِنَ امْتِثالِ أوامِرِ رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالى. وما سَعِدَ مَن سَعِدَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. إلّا بِامْتِثالِ أوامِرِ رَبِّهِ. وما شَقِيَ مَن شَقِيَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ إلّا بِتَضْيِيعِ أوامِرِهِ. الثّانِي: أنَّهُ يَمْنَعُ مِن وُصُولِ أثَرِ السَّهْمِ المَسْمُومِ الَّذِي لَعَلَّ فِيهِ هَلاكَهُ، إلى قَلْبِهِ. الثّالِثُ: أنَّهُ يُورِثُ القَلْبَ أُنْسًا بِاللَّهِ وجَمْعِيَّةً عَلى اللَّهِ، فَإنَّ إطْلاقَ البَصَرِ يُفَرِّقُ القَلْبَ ويُشَتِّتُهُ ويُبْعِدُهُ مِنَ اللَّهِ، ولَيْسَ عَلى العَبْدِ شَيْءٌ أضَرَّ مِن إلى إطْلاقِ البَصَرِ. فَإنَّهُ يُوقِعُ الوَحْشَةَ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ رَبِّهِ. الرّابِعُ: أنَّهُ يُقَوِّي القَلْبَ ويُفْرِحُهُ. كَما أنَّ إطْلاقَ البَصَرِ يُضْعِفُهُ ويُحْزِنُهُ. الخامِسُ: أنَّهُ يُكْسِبُ القَلْبَ نُورًا. كَما أنَّ إطْلاقَهُ يَكْسِبُهُ ظُلْمَةً، ولِهَذا ذَكَرَ سُبْحانَهُ آيَةَ النُّورِ عَقِيبَ الأمْرِ بِغَضِّ البَصَرِ. فَقالَ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ ثُمَّ قالَ إثْرَ ذَلِكَ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [النور: ٣٥] أيْ: مَثَلُ نُورِهِ في قَلْبِ عَبْدِهِ المُؤْمِنِ، الَّذِي امْتَثَلَ أوامِرَهُ واجْتَنَبَ نَواهِيَهُ. وإذا اسْتَنارَ القَلْبُ أقْبَلَتْ وُفُودُ الخَيْراتِ إلَيْهِ مِن كُلِّ جانِبٍ، كَما أنَّهُ إذا أظْلَمَ أقْبَلَتْ سَحائِبُ البَلاءِ والشَّرِّ عَلَيْهِ مِن كُلِّ مَكانٍ. فَما شِئْتَ مِن بِدْعَةٍ وضَلالَةٍ، واتِّباعِ هَوًى واجْتِنابِ هُدًى، وإعْراضٍ عَنْ أسْبابِ السَّعادَةِ، واشْتِغالٍ (p-٤٥٠٧)بِأسْبابِ الشَّقاوَةِ. فَإنَّ ذَلِكَ إنَّما يَكْشِفُهُ لَهُ النُّورُ الَّذِي في القَلْبِ. فَإذا فُقِدَ ذَلِكَ النُّورُ بَقِيَ صاحِبُهُ كالأعْمى الَّذِي يَجُوسُ في حَنادِيسِ الظَّلامِ. السّادِسُ: أنَّهُ يُورِثُ الفِراسَةَ الصّادِقَةَ الَّتِي يُمَيَّزُ بِها بَيْنَ المُحِقِّ والمُبْطِلِ والصّادِقِ والكاذِبِ. وكانَ شاهُ بْنُ شُجاعٍ الكَرْمانِيُّ يَقُولُ: مَن عَمَّرَ ظاهِرَهُ بِاتِّباعِ السُّنَّةِ، وباطِنَهُ بِدَوامِ المُراقَبَةِ، وغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ المَحارِمِ، وكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ، واعْتادَ أكْلَ الحَلالِ - لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِراسَةٌ. وكانَ شُجاعٌ هَذا لا تُخْطِئُ لَهُ فِراسَةٌ، واللَّهُ سُبْحانَهُ يَجْزِي العَبْدَ عَلى عَمَلِهِ بِما هو مِن جِنْسِ عَمَلِهِ. ومَن تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ خَيْرًا مِنهُ، فَإذا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحارِمِ اللَّهِ، عَوَّضَهُ بِأنْ يُطْلِقَ بَصِيرَتَهُ عِوَضًا عَنْ حَبْسِهِ بَصَرَهُ لِلَّهِ. ويَفْتَحُ لَهُ بابَ العِلْمِ والإيمانِ والمَعْرِفَةِ، والفِراسَةِ الصّادِقَةِ المُصِيبَةِ الَّتِي، إنَّما تُنالُ بِبَصِيرَةِ القَلْبِ. وضِدُّ هَذا مِمّا وصَفَ اللَّهُ بِهِ اللُّوطِيَّةَ مِنَ العَمَهِ الَّذِي هو ضِدُّ البَصِيرَةِ. فَقالَ تَعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إنَّهم لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢] فَوَصَفَهم بِالسَّكْرَةِ الَّتِي هي فَسادُ العَقْلِ، والعَمَهُ هو فَسادُ البَصِيرَةِ، فالتَّعَلُّقُ بِالصُّوَرِ يُوجِبُ إفْسادَ العَقْلِ، وعَمَهُ البَصِيرَةِ يُسْكِرُ القَلْبَ، كَما قالَ القائِلُ: ؎سُكْرانِ: سُكْرُ هَوًى وسُكْرُ مُدامَةٍ ∗∗∗ ومَتى إفاقَةُ مَن بِهِ سُكْرانِ ؟ وقالَ الآخَرُ: ؎قالُوا: جُنِنْتَ بِمَن تَهْوى فَقُلْتُ لَهم: ∗∗∗ العِشْقُ أعْظَمُ مِمّا بِالمَجانِينِ ؎العِشْقُ لا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صاحِبُهُ ∗∗∗ وإنَّما يُصْرَعَ المَجْنُونُ في الحِينِ السّابِعُ: أنَّهُ يُورِثُ القَلْبَ ثَباتًا وشَجاعَةً وقُوَّةً. ويَجْمَعُ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ سُلْطانِ البَصِيرَةِ والحُجَّةِ، وسُلْطانِ القُدْرَةِ والقُوَّةِ، كَما في الأثَرِ: (الَّذِي يُخالِفُ هَواهُ يَفْرَقُ الشَّيْطانُ مِن ظِلِّهِ ) . وضِدُّ هَذا تَجِدُهُ في المُتَّبِعِ هَواهُ، مِن ذُلِّ النَّفْسِ ووَضاعَتِها ومَهانَتِها وخِسَّتِها وحَقارَتِها. (p-٤٥٠٨)وما جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ فِيمَن عَصاهُ. كَما قالَ الحَسَنُ: إنَّهم وإنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ البِغالُ، وهَمْلَجَتْ بِهِمُ البَراذِينُ، فَإنَّ المَعْصِيَةَ لا تُفارِقُ رِقابَهم، أبى اللَّهُ إلّا أنْ يُذِلَّ مِن عَصاهُ. وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ العِزَّ قَرِينَ طاعَتِهِ. والذُّلَّ قَرِينَ مَعْصِيَتِهِ، فَقالَ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨] وقالَ تَعالى: ﴿ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] والإيمانُ قَوْلٌ وعَمَلٌ ظاهِرٌ وباطِنٌ. وقالَ تَعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] أيْ: مَن كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلْيَطْلُبْها بِطاعَةِ اللَّهِ وذِكْرِهِ، مِنَ الكَلِمِ الطَّيِّبِ، والعِلْمِ الصّالِحِ. وفي دُعاءِ القُنُوَتِ: إنَّهُ لا يَذِلُّ مَن والَيْتَ ولا يَعِزُّ مَن عادَيْتَ. ومَن أطاعَ اللَّهَ فَقَدْ والاهُ فِيما أطاعَهُ فِيهِ. ولَهُ مِنَ العِزِّ بِحَسَبِ طاعَتِهِ، ومَن عَصاهُ فَقَدْ عاداهُ فِيما عَصاهُ فِيهِ. ولَهُ مِنَ الذُّلِّ بِحَسَبِ مَعْصِيَتِهِ. الثّامِنُ: أنَّهُ يَسُدُّ عَلى الشَّيْطانِ مَدْخَلَهُ مِنَ القَلْبِ. فَإنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ النَّظْرَةِ ويَنْفُذُ مَعَها إلى القَلْبِ أسْرَعَ مِن نُفُوذِ الهَوى في المَكانِ الخالِي، فَيُمَثِّلُ لَهُ صُورَةَ المَنظُورِ إلَيْهِ، يُزَيِّنُها ويَجْعَلُها صَنَمًا يَعْكُفُ عَلَيْهِ القَلْبُ، ثُمَّ يَعِدُهُ ويُمَنِّيهِ. ويُوقِدُ عَلى القَلْبِ نارَ الشَّهْوَةِ، ويُلْقِي عَلَيْهِ حَطَبَ المَعاصِي، الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَوَصَّلُ إلَيْها بِدُونِ تِلْكَ الصُّورَةِ. فَيَصِيرُ القَلْبُ في اللَّهَبِ، فَمِن ذَلِكَ اللَّهَبِ تِلْكَ الأنْفاسُ الَّتِي يَجِدُ فِيها وهَجَ النّارِ، وتِلْكَ الزَّفَراتِ والحَرِقاتِ. فَإنَّ القَلْبَ قَدْ أحاطَتْ بِهِ نِيرانٌ بِكُلِّ جانِبٍ. فَهو في وسَطِها كالشّاةِ في وسَطِ التَّنُّورِ، ولِهَذا كانَتْ عُقُوبَةُ أصْحابِ الشَّهَواتِ بِالصُّوَرِ المُحَرَّمَةِ، أنْ جُعِلَ لَهم في البَرْزَخِ تَنُّورٌ مِن نارٍ، وأُودِعَتْ أرْواحُهم فِيهِ، إلى حَشْرِ أجْسادِهِمْ، كَما أراها اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ في المَنامِ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلى صِحَّتِهِ. (p-٤٥٠٩)التّاسِعُ: أنَّهُ يُفَرِّغُ القَلْبَ لِلْفِكْرَةِ في مَصالِحِهِ والِاشْتِغالِ بِها. وإطْلاقُ البَصَرِ يُشَتِّتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ويَحُولُ عَلَيْهِ بَيْنَهُ وبَيْنَها. فَتَنْفَرِطُ عَلَيْهِ أُمُورُهُ ويَقَعُ في اتِّباعِ هَواهُ وفي الغَفْلَةِ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ، قالَ تَعالى: ﴿ولا تُطِعْ مَن أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا واتَّبَعَ هَواهُ وكانَ أمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] وإطْلاقُ النَّظَرِ يُوجِبُ هَذِهِ الأُمُورَ الثَّلاثَةَ بِحَسَبِهِ. العاشِرُ: أنَّ بَيْنَ العَيْنِ والقَلْبِ مَنفَذًا وطَرِيقًا يُوجِبُ انْفِعالَ أحَدِهِما عَنِ الآخَرِ. وأنْ يَصْلُحَ بِصَلاحِهِ ويَفْسُدَ بِفَسادِهِ. فَإذا فَسَدَ القَلْبُ فَسَدَ النَّظَرُ. وإذا فَسَدَ النَّظَرُ فَسَدَ القَلْبُ. وكَذَلِكَ في جانِبِ الصَّلاحِ. فَإذا خَرِبَتِ العَيْنُ وفَسَدَتْ، خَرِبَ القَلْبُ وفَسَدَ، وصارَ كالمَزْبَلَةِ الَّتِي هي مَحَلُّ النَّجاساتِ والقاذُوراتِ والأوْساخِ. فَلا يَصْلُحُ لِسُكْنى مَعْرِفَةِ اللَّهِ ومَحَبَّتِهِ والإنابَةِ إلَيْهِ والأُنْسِ بِهِ والسُّرُورِ بِقُرْبِهِ فِيهِ. وإنَّما يَسْكُنُ فِيهِ أضْدادُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ إشارَةٌ إلى بَعْضِ فَوائِدِ غَضِّ البَصَرِ، تُطْلِعُكَ عَلى ما وراءَها. انْتَهى. ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ تَعالى النِّساءَ بِما أمَرَ بِهِ الرِّجالَ. وزادَ في أمْرِهِنَّ، ما فَرَضَهُ مِن رَفْضِ حالَةِ الجاهِلِيَّةِ المَأْلُوفَةِ قَبْلُ لَهُنَّ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب