﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ أحْكامٍ كُلِّيَّةٍ شامِلَةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ كافَّةً، يَنْدَرِجُ فِيها حُكْمُ المُسْتَأْذِنِينَ عِنْدَ دُخُولِهِمُ البُيُوتَ انْدِراجًا أوَّلِيًّا. وتَلْوِينُ الخِطابُ وتَوْجِيهُهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَفْوِيضُ ما في حَيِّزِهِ مِنَ الأوامِرِ والنَّواهِي إلى رَأْيِهِ ﷺ لِأنَّها تَكالِيفٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأُمُورٍ جُزْئِيَّةٍ كَثِيرَةِ الوُقُوعِ حَقِيقَةٌ بِأنْ يَكُونَ الآمِرُ بَها والمُتَصَدِّي لِتَدْبِيـرِها حافِظًا ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِمْ، ومَفْعُولُ الأمْرِ أمْرٌ آخَرُ قَدْ حُذِفَ تَعْوِيلًا عَلى دَلالَةِ جَوابِهِ عَلَيْهِ، أيْ: قُلْ لَهم غُضُّوا.
﴿يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ﴾ عَمّا يَحْرُمُ ويَقْتَصِرُ بِهِ عَلى ما يَحِلُّ ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم، وتَقْيِيدُ الغَضِّ بِمِنِ التَّبْعِيضِيَّةِ دُونَ الحِفْظِ لِما في أمْرِ النَّظَرِ مِنَ السَّعَةِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالحِفْظِ هَهُنا خاصَّةً: هو السَّتْرُ.
﴿ذَلِكَ﴾ أيْ: ما ذُكِرَ مِنَ الغَضِّ والحِفْظِ ﴿أزْكى لَهُمْ﴾ أيْ: طَهُرَ لَهم مِن دَنَسِ الرِّيبَةِ.
﴿إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمّا يَصْدُرُ عَنْهم مِنَ الأفاعِيلِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها وجالَةُ النَّظَرِ واسْتِعْمالُ سائِرِ الحَواسِّ وتَحْرِيكَ (p-170)الجَوارِحِ وما يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ، فَلِيَكُونُوا عَلى حَذَرٍ مِنهُ في كُلِّ ما يَأْتُونَ وما يَذَرُوَنَ.
{"ayah":"قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَیَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡۚ ذَ ٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ"}