الباحث القرآني

بابُ ما يَجِبُ مِن غَضِّ البَصَرِ عَنِ المُحَرَّماتِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ قالَ أبُو بَكْرٍ: مَعْقُولٌ مِن ظاهِرِهِ أنَّهُ أمْرٌ بِغَضِّ البَصَرِ عَمّا حَرُمَ عَلَيْنا النَّظَرُ إلَيْهِ، فَحُذِفَ ذِكْرُ ذَلِكَ اكْتِفاءً بِعِلْمِ المُخاطَبِينَ بِالمُرادِ؛ وقَدْ رَوى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْراهِيمَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يا عَلِيُّ إنَّ لَكَ كَنْزًا في الجَنَّةِ وإنَّكَ ذُو وفْرٍ مِنها فَلا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإنَّ لَكَ الأُولى ولَيْسَتْ لَكَ الثّانِيَةَ» ورَوى الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنِ الحَسَنِ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «ابْنَ آدَمَ لَكَ أوَّلُ نَظْرَةٍ وإيّاكَ والثّانِيَةَ». ورَوى أبُو زُرْعَةَ عَنْ جَرِيرٍ: أنَّهُ «سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ نَظْرَةِ الفُجاءَةِ فَأمَرَنِي أنْ أصْرِفَ بَصَرِي» . قالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّما أرادَ ﷺ بِقَوْلِهِ: «لَكَ النَّظْرَةُ الأُولى» إذا لَمْ تَكُنْ عَنْ قَصْدٍ، فَأمّا إذا كانَتْ عَنْ قَصْدٍ فَهي والثّانِيَةُ سَواءٌ، وهو عَلى ما سَألَ عَنْهُ جَرِيرٌ مِن نَظْرَةِ الفُجاءَةِ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولا﴾ [الإسراء: ٣٦] وقَوْلُهُ: ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ (p-١٧٢)يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] هو عَلى مَعْنى ما نُهِيَ الرَّجُلُ عَنْهُ مِن النَّظَرِ إلى ما حَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] فَإنَّهُ رُوِيَ عَنْ أبِي العالِيَةِ أنَّهُ قالَ: كُلُّ آيَةٍ في القُرْآنِ: ( يَحْفَظُوا فُرُوجَهم ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) مِنَ الزِّنا، إلّا الَّتِي في النُّورِ: ﴿ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ ﴿ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] أنْ لا يَنْظُرَ إلَيْها أحَدٌ. قالَ أبُو بَكْرٍ: هَذا تَخْصِيصٌ بِلا دَلالَةٍ، واَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ أنْ يَكُونَ المَعْنى حِفْظَها عَنْ سائِرِ ما حَرُمَ عَلَيْهِ مِنَ الزِّنا واللَّمْسِ والنَّظَرِ، وكَذَلِكَ سائِرُ الآيِ المَذْكُورَةِ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ في حِفْظِ الفُرُوجِ هي عَلى جَمِيعِ ذَلِكَ ما لَمْ تَقُمِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ المُرادَ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ؛ وعَسى أنْ يَكُونَ أبُو العالِيَةِ ذَهَبَ في إيجابِ التَّخْصِيصِ في النَّظَرِ لِما تَقَدَّمَ مِنَ الأمْرِ بِغَضِّ البَصَرِ، وما ذَكَرَهُ لا يُوجِبُ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِغَضِّ البَصَرِ وحِفْظِ الفَرْجِ مِنَ النَّظَرِ ومِنَ الزِّنا وغَيْرِهِ مِنَ الأُمُورِ المَحْظُورَةِ؛ وعَلى أنَّهُ إنْ كانَ المُرادُ حَظْرَ النَّظَرِ فَلا مَحالَةَ أنَّ اللَّمْسَ والوَطْءَ مُرادانِ بِالآيَةِ؛ إذْ هُما أغْلَظُ مِنَ النَّظَرِ، فَلَوْ نَصَّ اللَّهُ عَلى النَّظَرِ لَكانَ في مَفْهُومِ الخِطابِ ما يُوجِبُ حَظْرَ الوَطْءِ واللَّمْسِ كَما أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما﴾ [الإسراء: ٢٣] قَدِ اقْتَضى حَظْرَ ما فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ السَّبِّ والضَّرْبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب