الباحث القرآني

* اللغة: (يَغْضُضْنَ) : الغض: أطباق الجفن بحيث تمتنع الرؤية وفي المصباح: «غض الرجل صوته وطرفه ومن صوته ومن طرفه غضا من باب قتل خفض ومنه يقال غض من فلان غضا وغضاضة إذا انتقصه» وقد أدغم في الأول أحد المثلين في الثاني بخلاف الثاني لأن الثاني في يغضضن متحرك فادغم فيه الاول وفيما سيأتي ساكن فلم يتأت إدغام الاول فيه، قال جرير: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا (زِينَتَهُنَّ) : الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة بالتحريك وهي حلقة من فضة لا فص فيها فإذا كان فيها فص فهو الخاتم، والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للاجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل وهو- كما في الصحاح- يشبه عصابة تزين بالجوهر ويسمى التاج إكليلا والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين. (بِخُمُرِهِنَّ) الخمر بضم الخاء والميم جمع خمار بكسر الخاء وهو ما تغطي به المرأة رأسها والستر عموما ويجمع على أخمرة وخمر بضم الخاء وسكون الميم وخمر بضمتين. (جُيُوبِهِنَّ) : جمع جيب والجيب من القميص طوقه والقلب والصدر وعند العامة الجيب هو كيس يخاط في جانب الثوب من الداخل ويجعل فمه من الخارج. (أُولِي الْإِرْبَةِ) : أصحاب الإربة، والإربة الحاجة وفي المصباح: «الأرب: بفتحتين والإربة بالكسر والمأربة بفتح الراء وضمها الحاجة والجمع المآرب والأرب في الأصل مصدر من باب تعب يقال أرب الرجل إلى الشيء إذا احتاج اليه فهو آرب على فاعل والإرب بالكسر يستعمل في الحاجة وفي العضو والجمع آراب مثل حمل وأحمال» . * الإعراب: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخولهم البيوت اندراجا كليا. وقل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ومفعوله محذوف وهو أمر آخر مثله وقد حذف لدلالة جوابه عليه وهو يغضوا من أبصارهم ويغضوا فعل مضارع جزم لأنه جواب الأمر المحذوف وهو غضوا أو مقول القول، ومن أبصارهم: قال الزمخشري: «من للتبعيض والمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار على ما يحل، وجوز الأخفش أن تكون مزيدة وأباه سيبويه» ويجوز أن تكون للبيان أو لابتداء الغاية وعلى كل حال فهي متعلقة بيغضوا وسيأتي السبب في دخول من على الأبصار دون الفروج في باب البلاغة، ويحفظوا عطف على يغضوا وفروجهم مفعول به. (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) ذلك مبتدأ وأزكى خبره ولهم متعلقان بأزكى وان واسمها وخبرها وبما متعلقان بخبير وجملة يصنعون لا محل لها. (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) تقدم اعراب نظيرتها، أي فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا للمرأة أن تنظر إلى الرجل فإن علاقتها به كعلاقته بها وقصدها منه كقصده منها ومن طريف ما يلفت النظر أن هذه الآية اشتملت على عدد كبير من ضمائر الإناث وقد بلغت عدتها خمسة وعشرين ضميرا ما بين مرفوع ومجرور ولم يوجد لها نظير في القرآن في هذا الصدد. (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) الواو حرف عطف ويبدين عطف على يغضضن فهو مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل جزم والنون فاعل وزينتهن مفعول به وإلا أداة حصر وما بدل من زينتهن وجملة ظهر منها صلة والمراد بالظاهر الوجه والكفان فيجوز أن ينظرها الأجنبي إن لم يخف فتنة كما هو مقرر في علم الفقه. (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) الواو عاطفة واللام لام الأمر ويضربن فعل مضارع مبني على السكون في محل جزم باللام والنون فاعل وبخمرهن الباء زائدة أو تبعيضية أي يلقين خمرهن على جيوبهن أي يسترن الرءوس والأعناق والصدور بالمقانع جمع مقنعة أو مقنع بكسر الميم فيهما وهي ما يغطى به الرأس. (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) الواو عاطفة ولا ناهية ويبدين مضارع مبني في محل جزم والنون فاعل وزينتهن مفعول به وإلا أداة حصر ولبعولتهن متعلقان بيبدين وهذه المستثنيات اثنا عشر نوعا آخرها الطفل. (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) كلهن معطوفات. (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) غير صفة للتابعين والمراد بالتابعين غير أولي الإربة موضع خلاف، قال ابن عباس: التابع هو العنين الأحمق، وقيل هو الذي لا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن وقيل هو المجبوب وقيل هو الشيخ الهرم الذي ذهبت شهوته وقيل هو المخنث. أقول: والعنين والمخنث هو المشبه بالنساء والشيخ الهرم وأما المجبوب فهو الذي بقي أنثياه والخصي هو الذي بقي ذكره. ومن الرجال حال وأو حرف عطف والطفل معطوف على ما تقدم وهو بمعنى الأطفال فأل جنسية والطفل يطلق على الواحد والمجموع فلذلك وصف بالجمع وقيل لما قصد الجنس روعي فيه الجمع، والذين صفة وجملة لم يظهروا صلة وعلى عورات النساء متعلقان بيظهروا. (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) الواو عطف على ما تقدم ولا ناهية ويضربن فعل مضارع مبني في محل جزم بلا والنون فاعل وبأرجلهن متعلقان بيضربن، كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال وقيل كانت تضرب بإحدى رجليها الأخرى ليعلم أنها ذات خلخالين فإن ذلك يورث الرجال ميلا إليهن ويوهم أن لهن ميلا إلى الرجال، وقال الزجاج «وسماع صوت هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من ابدائها» . (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الواو عاطفة وتوبوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والى الله متعلقان بتوبوا وجميعا حال وأيها المؤمنون منادى نكرة مفصودة وقد تقدم إعرابه ولعل واسمها وجملة تفلحون خبرها وقد رسمت في المصحف دون ألف والرسم سنة متبعة. * البلاغة: - من الاسرار التي تدق على الافهام دخول من الجارة على غض الابصار دون الفروج في قوله تعالى «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ» والسر في ذلك أن أمر النظر واسع لا يني يسرح في مراتع الجمال ومواطن الفتنة، قال الزمخشري بهذا الصدد: «ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثديهنّ وأعضادهن وسوقهن وأقدامهن وكذلك الجواري المستعرضات للبيع وأما أمر الفروج فمضيق» . - ومن هذه الأسرار تقديم غض الابصار على حفظ الفروج في الاية نفسها وفي الآية التي تليها، والسر فيه أن النظر بريد الزنا ورائده الذي لا يخطىء. وقد أفاض الشعراء في القديم والحديث فيما تحدثه النظرة من إلهاب نار الحب، وتأريث الحرقة التي تدفع إلى ارتكاب المحرم ومن أجمل ما قيل فيه قول ابن زيدون: حسن أفانين لم تستوف أعيننا ... غاياته بأفانين من النظر وقال ابن الرومي: عيني لعينك حين تنظر مقتل ... لكن لحظك سهم حتف مرسل ومن العجائب أن معنى واحدا ... هو منك لحظ وهو مني مقتل وسيرد في كتابنا العجيب منه. وفيما يلي طائفة من الأحاديث الواردة بهذا الصدد: «عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عن ربه: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من نركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه» أي جعلت بدله إيمانا يشعر بلذاته في قلبه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدّق ذلك الفرج أو يكذبه» . والمعنى أن الله تعالى يعذب العين بالنار يوم القيامة لتطلعها إلى محرم بقصد بلا فجاءة، والخطا بفتح الخاء المشي إلى المعصية. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحم؟ قال: الحم الموت» رواه البخاري ومسلم ثم قال: ومعنى كراهية الدخول على النساء على نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» . والحم بفتح الحاء وتخفيف الميم وبإثبات الواو أيضا وبالهمز أيضا هو أبو الزوج ومن أدلى به كالأخ والعم وابن العم ونحوهم وهو المراد هنا كذا فسره الليث بن سعد وغيره وأبو المرأة أيضا ومن أدلى به وقيل بل هو قريب الزوج فقط وقيل قريب الزوجة فقط. قال أبو عبيد في معناه يعني فليمت ولا يفعلنّ ذلك فاذا كان هذا رواية في أب الزوج وهو محرم فكيف بالغريب؟ ومعنى الحمو الموت: أي الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب