الباحث القرآني
(p-١١٣)(سُورَةُ النُّورِ)
مَدَنِيَّةٌ كُلُّها، وهي اثْنَتانِ -وقِيلَ: أرْبَعٌ- وسِتُّونَ آيَةً
﷽
﴿سُورَةٌ أنْزَلْناها وفَرَضْناها وأنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾
﷽
﴿سُورَةٌ أنْزَلْناها وفَرَضْناها وأنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾
قَرَأ العامَّةُ ”سُورَةٌ“ بِالرَّفْعِ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ بِالنَّصْبِ، أمّا الَّذِينَ قَرَءُوا بِالرَّفْعِ فالجُمْهُورُ قالُوا: الِابْتِداءُ بِالنَّكِرَةِ لا يَجُوزُ، والتَّقْدِيرُ هَذِهِ سُورَةٌ أنْزَلْناها، أوْ نَقُولُ: (سُورَةٌ أنْزَلْناها) مُبْتَدَأٌ مَوْصُوفٌ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: فِيما أوْحَيْنا إلَيْكَ سُورَةٌ أنْزَلْناها، وقالَ الأخْفَشُ: لا يَبْعُدُ الِابْتِداءُ بِالنَّكِرَةِ، فَسُورَةٌ مُبْتَدَأٌ، وأنْزَلْنا خَبَرُهُ، ومَن نَصَبَ فَعَلى مَعْنى الفِعْلِ، يَعْنِي اتَّبِعُوا سُورَةً، أوْ اتْلُ سُورَةً، أوْ أنْزَلْنا سُورَةً، وأمّا مَعْنى السُّورَةِ ومَعْنى الإنْزالِ فَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَإنْ قِيلَ: الإنْزالُ إنَّما يَكُونُ مِن صُعُودٍ إلى نُزُولٍ، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى في جِهَةٍ، قُلْنا: الجَوابُ مِن وُجُوهٍ.
أحَدُها: أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَحْفَظُها مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ ثُمَّ يُنْزِلُها عَلَيْهِ ﷺ، فَلِهَذا جازَ أنْ يُقالَ: أنْزَلْناها؛ تَوَسُّعًا.
وثانِيها: أنَّ اللَّهَ تَعالى أنْزَلَها مِن أُمِّ الكِتابِ في السَّماءِ الدُّنْيا دُفْعَةً واحِدَةً ثُمَّ أنْزَلَها بَعْدَ ذَلِكَ نُجُومًا عَلى لِسانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وثالِثُها: مَعْنى ”أنْزَلْناها“ أيْ: أعْطَيْناها الرَّسُولَ، كَما يَقُولُ العَبْدُ إذا كَلَّمَ سَيِّدَهُ: رَفَعْتُ إلَيْهِ حاجَتِي، كَذَلِكَ يَكُونُ مِنَ السَّيِّدِ إلى العَبْدِ الإنْزالُ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطِرٍ: ١٠].
أمّا قَوْلُهُ: ﴿وفَرَضْناها﴾ فالمَشْهُورُ قِراءَةُ التَّخْفِيفِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو بِالتَّشْدِيدِ.
أمّا قِراءَةُ التَّخْفِيفِ فالفَرْضُ هو القَطْعُ والتَّقْدِيرُ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ٢٣٧] أيْ: قَدَّرْتُمْ ﴿إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ﴾ [القَصَصِ: ٨٥] أيْ: قَدَّرَ، ثُمَّ إنَّ السُّورَةَ لا يُمْكِنُ فَرْضُها؛ لِأنَّها قَدْ دَخَلَتْ في الوُجُودِ، وتَحْصِيلُ الحاصِلِ مُحالٌ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ وفَرَضْنا ما بُيِّنَ فِيها، وإنَّما قالَ ذَلِكَ لِأنَّ أكْثَرَ ما في هَذِهِ السُّورَةِ مِن بابِ الأحْكامِ والحُدُودِ، فَلِذَلِكَ عَقَّبَها بِهَذا الكَلامِ، وأمّا قِراءَةُ التَّشْدِيدِ فَقالَ الفَرّاءُ: التَّشْدِيدُ لِلْمُبالَغَةِ والتَّكْثِيرِ، أمّا المُبالَغَةُ فَمِن حَيْثُ إنَّها حُدُودٌ وأحْكامٌ فَلا بُدَّ مِنَ المُبالَغَةِ في إيجابِها لِيَحْصُلَ الِانْقِيادُ لِقَبُولِها، وأمّا التَّكْثِيرُ فَلِوَجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّ اللَّهَ تَعالى بَيَّنَ فِيها أحْكامًا مُخْتَلِفَةً.
والثّانِي: أنَّهُ سُبْحانَهُ (p-١١٤)وتَعالى أوْجَبَها عَلى كُلِّ المُكَلَّفِينَ إلى آخِرِ الدَّهْرِ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿وأنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ.
أحَدُها: أنَّهُ سُبْحانَهُ ذَكَرَ في أوَّلِ السُّورَةِ أنْواعًا مِنَ الأحْكامِ والحُدُودِ، وفي آخِرِها دَلائِلَ التَّوْحِيدِ، فَقَوْلُهُ: ﴿وفَرَضْناها﴾ إشارَةٌ إلى الأحْكامِ الَّتِي بَيَّنَها أوَّلًا، ثُمَّ قَوْلُهُ: ﴿وأنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ إشارَةٌ إلى ما بُيِّنَ مَن دَلائِلِ التَّوْحِيدِ، والَّذِي يُؤَكِّدُ هَذا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ فَإنَّ الأحْكامَ والشَّرائِعَ ما كانَتْ مَعْلُومَةً لَهم لِيُؤْمَرُوا بِتَذْكِيرِها. أمّا دَلائِلُ التَّوْحِيدِ فَقَدْ كانَتْ كالمَعْلُومَةِ لَهم لِظُهُورِها، فَأُمِرُوا بِتَذْكِيرِها.
وثانِيها: قالَ أبُو مُسْلِمٍ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الآياتُ البَيِّناتُ ما ذُكِرَ فِيها مِنَ الحُدُودِ والشَّرائِعِ، كَقَوْلِهِ: ﴿رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ ألّا تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا﴾ [مَرْيَمَ: ١٠] سَألَ رَبَّهُ أنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِ عَمَلًا.
وثالِثُها: قالَ القاضِي: إنَّ السُّورَةَ كَما اشْتَمَلَتْ عَلى عَمَلِ الواجِباتِ فَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلى كَثِيرٍ مِنَ المُباحَثاتِ بِأنْ بَيَّنَها اللَّهُ تَعالى، ولَمّا كانَ بَيانُهُ سُبْحانَهُ لَها مُفَصَّلًا وصَفَ الآياتِ بِأنَّها بَيِّناتٌ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ فَقُرِئَ بِتَشْدِيدِ الذّالِ وتَخْفِيفِها، ومَعْنى (لَعَلَّ) قَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ، قالَ القاضِي: (لَعَلَّ) بِمَعْنى كَيْ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ أرادَ مِن جَمِيعِهِمْ أنْ يَتَذَكَّرُوا. والجَوابُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ لَوْ أرادَ ذَلِكَ مِنَ الكُلِّ لَما قَوّى دَواعِيَهم إلى جانِبِ المَعْصِيَةِ، ولَوْ لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ التَّقْوِيَةُ لَزِمَ وُقُوعُ الفِعْلِ لا لِمُرَجِّحٍ، ولَوْ جازَ ذَلِكَ لَما جازَ الِاسْتِدْلالُ بِالإمْكانِ والحُدُوثِ عَلى وُجُودِ المُرَجِّحِ، ويَلْزَمُ نَفْيُ الصّانِعِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ حَمْلُ (لَعَلَّ) عَلى سائِرِ الوُجُوهِ المَذْكُورَةِ في سُورَةِ البَقَرَةِ. واعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ ذَكَرَ في هَذِهِ السُّورَةِ أحْكامًا كَثِيرَةً:
{"ayah":"سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِیهَاۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق