الباحث القرآني
(p-٢٠٠)سُورَةُ النُّورِ
مَقْصُودُها مَدْلُولُ اسْمِها المُودَعِ قَلْبَها المُرادِ مِنهُ أنَّهُ تَعالى شامِلُ العِلْمِ، اللّازِمِ مِنهُ تَمامُ القُدْرَةِ، اللّازِمِ مِنهُ إثْباتُ الأُمُورِ عَلى غايَةِ الحِكْمَةِ، اللّازِمِ مِنهُ تَأْكِيدُ الشَّرَفِ لِلنَّبِيِّ (ﷺ)، اللّازِمِ مِنهُ شَرَفُ مَنِ اخْتارَهُ لِصُحْبَتِهِ عَلى مَنازِلِ قُرْبِهِمْ مِنهُ واخْتِصاصِهِمْ بِهِ، اللّازِمِ مِنهُ غايَةُ النَّزاهَةِ والشَّرَفِ والطِّهارَةِ لِأُمِّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها الَّتِي ماتَ النَّبِيُّ (ﷺ) وهو عَنْها راضٍ، وماتَتْ هي رَضِيَ اللَّهُ عَنْها صالِحَةً مُحْسِنَةً، وهَذا هو المَقْصُودُ بِالذّاتِ ولَكِنَّ إثْباتَهُ مُحْتاجٌ إلى تِلْكَ المُقَدِّماتِ ( بِسْمِ اللَّهِ ) الَّذِي تَمَّتْ كَلِمَتُهُ فَبَهَرَتْ قُدْرَتُهُ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي ظَهَرَتِ الحَقائِقُ كُلُّها بِشُمُولِ رَحْمَتِهِ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي شَرَّفَ مَنِ اخْتارَهُ بِخِدْمَتِهِ.
لَمّا تَقَدَّمَ في الَّتِي قَبْلَها تَحْرِيمُ الزِّنى والحَثُّ عَلى الصِّيانَةِ، وخَتَمَ تِلْكَ الآيَةَ بِذِكْرِ الجَنَّةِ المُتَضَمِّنِ لِلْبَعْثِ، اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وذَكَرَ ما يَتْبَعُهُ مِن تَهْدِيدٍ وعَمَلٍ إلى أنْ فَرَغَتِ السُّورَةُ وأخْبَرَ في آخِرِها بِتَبْكِيتِ (p-٢٠١)المُعانِدِينَ يَوْمَ النَّدَمِ بِقَوْلِهِ ﴿ألَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكم فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] وبِقَوْلِهِ ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا﴾ [المؤمنون: ١١٥] كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنهُ لِخَلُقِهِ لِيَرْجِعَ مِنهم مَن قَضى بِسَعادَتِهِ، ثُمَّ خَتَمَ بِقَوْلِهِ ﴿وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٨] فابْتَدَأ سُبْحانَهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِأنَّهُ مَنَّ عَلى المُخاطِبِينَ بِبَيانِ ما خُلِقُوا لَهُ مِنَ الأحْكامِ لِأنَّهم لَمْ يُخْلَقُوا سُدًى، بَلْ لِتَكالِيفَ تَعَبَّدَهم بِها تَرْفَعُ التَّنازُعَ وتَحْسِمُ مادَّةَ الشَّرِّ، فَتُوجِبُ الرَّحْمَةَ والعَطْفَ بِسَلامَةِ الصَّدْرِ بِما فِيهِمْ مِنَ الجِنْسِيَّةِ، فَقالَ مُخْبِرًا عَنْ مُبْتَدَإٍ تَقْدِيرُهُ: هَذِهِ ﴿سُورَةٌ﴾ أيْ عَظِيمَةٌ؛ ثُمَّ رَغَّبَ في امْتِثالِ ما فِيها مُبَيِّنًا أنَّ تَنْوِينَها لِلتَّعْظِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْـزَلْناها﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ وتَمامِ العِلْمِ والقُدْرَةِ ﴿وفَرَضْناها﴾ أيْ قَرَّرْناها وقَدَّرْناها وأكْثَرْنا فِيها مِنَ الفُرُوضِ وأكَّدْناها ﴿وأنْـزَلْنا فِيها﴾ بِشُمُولِ عِلْمِنا ﴿آياتٍ﴾ مِنَ الحُدُودِ والأحْكامِ والمَواعِظِ والأمْثالِ وغَيْرِها، مُبَرْهِنًا عَلَيْها ﴿بَيِّناتٍ﴾ لا إشْكالَ فِيها رَحْمَةً مِنّا لَكُمْ، فَمِن قَبْلِها دَخَلَ في دَعْوَةِ نَبِيِّنا ﷺ الَّتِي لَقَّنّاهُ إيّاها في آخِرِ تِلْكَ فَرَحِمَهُ خَيْرُ الرّاحِمِينَ، ومَن أباها ضَلَّ فَدَخَلَ في التَّبْكِيتِ بِقَوْلِنا ﴿ألَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] ونَحْوَهُ، وذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ لِتَكُونُوا - إذا تَأمَّلْتُمُوها مَعَ ما قَبْلَها مِنَ الآياتِ المُرَقِّقَةِ والقَصَصِ (p-٢٠٢)المُحَذِّرَةِ - عَلى رَجاءٍ - عِنْدَ مَن لا يَعْلَمُ العَواقِبَ - مِن أنْ تَتَذَكَّرُوا ولَوْ نَوْعًا مِنَ التَّذَكُّرِ - كَما أشارَ إلَيْهِ الإدْغامُ - بِما تَرَوْنَ فِيها مِنَ الحِكَمِ أنَّ الَّذِي نَصَبَها لَكم وفَصَّلَها إلى ما تَرَوْنَ لا يَتْرُكُكم سُدًى، فَتُقْبِلُوا عَلى جَمِيعِ أوامِرِهِ، وتَنْتَهُوا عَنْ زَواجِرِهِ، لِيَغْفِرَ لَكم ما قَصَّرْتُمْ فِيهِ مِن طاعَتِهِ، ويَرْحَمُكم بِتَنْوِيلِ ما لا وُصُولَ لَكم إلَيْهِ إلّا بِرَحْمَتِهِ، وتَتَذَكَّرُوا أيْضًا بِما يُبَيِّنُ لَكم مِنَ الأُمُورِ، ويَكْشِفُ عَنْهُ الغَطاءُ مِنَ الأحْكامِ الَّتِي أغْمَتْ عَنْها حُجُبُ النُّفُوسِ، وسَتَرَتْها ظُلُماتُ الأهْوِيَةِ - ما جُبِلَ عَلَيْهِ الآدَمِيُّونَ، فَتَعْلَمُوا أنَّ الَّذِي تُحِبُّونَ أنْ يُفْعَلَ مَعَكم بِحُبِّ غَيْرِكم أنْ تَفْعَلُوهُ مَعَهُ، والَّذِي تَكْرَهُونَهُ مِن ذَلِكَ يَكْرَهُهُ غَيْرُكُمْ، فَيَكُونَ ذَلِكَ حامِلًا لَكم عَلى النَّصَفَةِ فَيُثْمِرَ الصَّفاءَ، والأُلْفَةَ والوَفاءَ، فَتَكُونُوا مِنَ المُؤْمِنِينَ المُفْلِحِينَ الوارِثِينَ الدّاخِلِينَ في دَعْوَةِ البَشِيرِ النَّذِيرِ بِالرَّحْمَةِ.
وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ في بُرْهانِهِ: لَّما قالَ تَعالى ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] ثُمَّ قالَ تَعالى ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ [المؤمنون: ٧] اسْتَدْعى الكَلامُ بَيانَ حُكَمِ العادِيِ في ذَلِكَ، ولَمْ يُبَيَّنْ فِيها فَأوْضَحَهُ في سُورَةِ النُّورِ فَقالَ تَعالى ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي﴾ [النور: ٢] - الآيَةُ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ بِحُكْمِ اللَّعّانِ والقَذْفِ وانْجَرَّ مَعَ ذَلِكَ الإخْبارُ (p-٢٠٣)بِقِصَّةِ الإفْكِ تَحْذِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِن زَلَلِ الألْسِنَةِ رَجْمًا بِالغَيْبِ ﴿وتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وهو عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥] وأتْبَعَ ذَلِكَ بَعْدَ بِوَعِيدِ مُحِبِّي شِياعِ الفاحِشَةِ، في المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ﴾ [النور: ٢٣] الآياتُ، ثُمَّ بِالتَّحْذِيرِ مِن دُخُولِ البُيُوتِ إلّا بَعْدَ الِاسْتِئْذانِ المَشْرُوعِ، ثُمَّ بِالأمْرِ بِغَضِّ الأبْصارِ لِلرِّجالِ والنِّساءِ ونَهى النِّساءَ عَنْ إبْداءِ الزِّينَةِ إلّا لِمَن سَمّى اللَّهُ سُبْحانَهُ في الآيَةِ، وتَكَرَّرَتْ هَذِهِ المَقاصِدُ في هَذِهِ السُّورَةِ إلى ذِكْرِ حُكْمِ العَوْراتِ الثَّلاثِ، ودُخُولِ بُيُوتِ الأقارِبِ وذَوِي الأرْحامِ، وكُلُّ هَذا مِمّا تَبْرَأُ ذِمَّةُ المُؤْمِنِ بِالتِزامِ ما أمَرَ اللَّهُ فِيهِ مِن ذَلِكَ والوُقُوفُ عِنْدَ ما حَدَّهُ تَعالى مِن أنْ يَكُونَ مِنَ العادِينَ المَذْمُومِينَ في قَوْلِهِ تَعالى
﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ [المؤمنون: ٧] وما تَخَلَّلَ الآيَ المَذْكُوراتِ ونَسَقَ عَلَيْها مِمّا لَيْسَ مِنَ الحُكْمِ المَذْكُورِ فَلِاسْتِجْرارِ الآيِ إيّاهُ واسْتِدْعائِهِ، ومَظِنَّةِ اسْتِيفاءِ ذَلِكَ وبَيانِ ارْتِباطِهِ التَّفْسِيرِ، ولَيْسَ مِن شَرْطِنا هُنا - واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى يُوَفِّقُنا لِفَهْمِ كِتابِهِ - انْتَهى.
{"ayah":"سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِیهَاۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











