مدنية، وهي ستون وأربع آيات
قوله سبحانه وتعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها قرأ بعضهم: سُورَةٌ بنصب الهاء، وقراءة العامة بالضم. فمن قرأ بالضم فمعناه: هذه سورة أنزلناها، ومن قرأ بالنصب فمعناه: أنزلنا سورة، ويقال: اقرأ سورة، وقد: قرئت سُورَةٌ بالهمزة وبغير همز. فمن قرأ بالهمز، جعلها من أسأرت، يعني: أفضلت كأنها قطعة من القرآن. ومن لم يهمز، جعلها من سور المدينة سورا أي منزلة بعد منزلة. ويقال: السورة أصلها الرفعة، ولهذا سمّي سور المدينة. وقال النابغة للنعمان بن المنذر:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَعْطَاكَ سُورَة ... تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ
وإنما خص هذه السورة بذكر السورة لما فيها من الأحكام، فذلك كله يرجع إلى أمر واحد وهو أمر النساء.
ثم قال تعالى: وَفَرَضْناها، يعني: بيَّنا حلالها وحرامها، وقال القتبي: أصل الفريضة الوجوب، وهاهنا يجوز أن يكون بمعنى بيّناها، وقد يجوز أوجبنا العمل بما فيها، وقال بعض أهل اللغة: أصل الفرض هو القطع، ولهذا سمي ما يقطع من حافة النهر فرضة، ويسمى الموضع الذي يقطع من السواك، أي ليشد فيه الخيط فرض، ولهذا يسمى الميراث فريضة، لأن كل واحد قطع له نصيب معلوم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو: وَفَرَضْناها بتشديد الراء، وقرأ الباقون بالتخفيف. فمن قرأ بالتخفيف، فمعناه ألزمناكم العمل بما فرض فيها، ومن قرأ بالتشديد، فهو على وجهين: أحدهما: على معنى التكثير، أي إنا فرضنا فيها فروضاً، ومعنى آخر: وبيَّنا وفصلنا فيها من الحلال والحرام.
ثم قال: وَأَنْزَلْنا فِيها، يعني: في السورة آياتٍ بَيِّناتٍ، يعني: الحدود والفرائض والأمر والنهي. ويقال: الآيات، يعني: العلامات والعبرات، ويقال: يعني آيات القرآن.
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، يعني: تتعظون، فلا تعطلون الأحكام والحدود.
قوله عز وجل: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وقرأ بعضهم: الزَّانِيَةُ بنصب الهاء على معنى:
اجلدوا الزانية والزاني، وهكذا السارق والسارقة بالنصب على هذا المعنى. ويقال: في الزنى بدأ بذكر المرأة، لأن الزنى في النساء أكثر، وفي السرقة بدأ بالرجال، لأن السرقة في الرجال أكثر.
وقراءة العامة بالرفع على معنى الابتداء، وقيل: إنما بدأ بالمرأة، لأنها أحرص على الزنى من الرجال، ويقال: لأن الفعل ينتهي إليها، ولا يكون إلا برضاها.
ثم قال: فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، يعني: إذا كانا غير محصنين وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ. قرأ ابن كثير رَأْفَةٌ بالهمزة والمد، وقرأ أبو عمرو بالمد بغير همز، وقرأ الباقون بالهمز بلا مد، ومعنى الكل واحد وهو الرحمة، وقال بعضهم: الرأفة اسم جنس، والرحمة اسم نوع. قال بعضهم: الرأفة للمذنبين، والرحمة للتائبين، وهو قول سفيان الثوري. وقال بعضهم: الرأفة تكون دفع المكروه، والرحمة إيصال المحبوب، يعني: لا تحملنكم الشفقة عليهما على ترك الحد، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يعني: في دين الله، أي في حكم الله إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني: يوم القيامة. وإنما سمي اليوم الآخر، لأنه لا يكون بعده ليل فيصير كله بمنزلة يوم واحد. وقد قيل: إنه تجتمع الأنوار كلها، وتصير في الجنة يوماً واحداً، وجمعت الظلمات كلها في النار، وتصير كلها ليلة واحدة.
ثم قال: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني: ليحضر عند إقامة الحد طائفة من المؤمنين. وفي حضور الطائفة ثلاث فوائد: أولها: أنهم يعتبرون بذلك، ويبلغ الشاهد الغائب والثانية: أن الإمام إذا احتاج إلى الإعانة أعانوه، والثالثة: لكي يستحي المضروب، فيكون زجراً له من العود إلى مثل ذلك الفعل. وقال الزهري: «الطائفة ثلاثة فصاعداً» ، وذكر عن أنس بن مالك أنه قال: «أربعة فصاعداً» ، لأن الشهادة على الزنى لا تكون أقل من أربعة. وقال بعضهم:
اثنان فصاعداً. وقال بعضهم: الواحد فصاعداً، وهو قول أهل العراق، وهو استحباب وليس بواجب. وروي عن ابن عباس أنه قال: «رجلان» ، وعن مجاهد قال: «واحد فما فوقه طائفة» وروي عن ابن عباس مثله.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِیهَاۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ","ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟ كُلَّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا مِا۟ئَةَ جَلۡدَةࣲۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةࣱ فِی دِینِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۖ وَلۡیَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِیهَاۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}