الباحث القرآني

سُورَةُ النُّورِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * يَقُولُ تَعَالَى: هَذِهِ ﴿سُورَةٌ أَنزلْنَاهَا﴾ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى [[في أ: "إلى".]] الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهَا. ﴿وَفَرَّضْنَاهَا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أيْ بَيَّنَّا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْحُدُودَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ "فَرَضْناها" يَقُولُ: فَرَضْنا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ. ﴿وَأَنزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أَيْ: مفسَّرات واضحَات، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا حُكْمُ الزَّانِي فِي الْحَدِّ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَنِزَاعٌ؛ فَإِنَّ الزَّانِيَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِكْرًا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَزَوَّجْ، أَوْ مُحْصَنًا، وَهُوَ الَّذِي قَدْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ بِكْرًا لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَإِنَّ حدَّه مِائَةُ جَلْدَةٍ [[في ف، أ: "جلد مائة".]] كَمَا فِي الْآيَةِ وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُغرّب عَامًا [عَنْ بَلَدِهِ] [[زيادة من ف، أ.]] عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ؛ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ التغريبَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، إِنْ شَاءَ غَرَّب وَإِنْ شَاءَ لَمْ يغرِّب. وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتبة بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنيّ، فِي الْأَعْرَابِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ أَتَيَا رسولَ اللَّهِ -ﷺ-فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفا -يَعْنِي أَجِيرًا -عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ [ابْنِي [ [[زيادة من ف، أ، وصحيحي البخاري ومسلم.]] مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَليدَة، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ [[في أ: "إنما".]] عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وتغريبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وتغريبُ عَامٍ. وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ -إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا". فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا [[صحيح البخاري برقم (٢٣١٤، ٦٦٣٣) وصحيح مسلم برقم (١٦٩٧) .]] . فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى تَغْرِيبِ الزَّانِي مَعَ جِلْدِ مِائَةٍ إِذَا كَانَ بِكْرًا لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُحْصَنًا فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، كَمَا قال الإمام مالك: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنَا [[في ف: "عن".]] عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ [[في ف: "إن".]] اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْناها، وَرَجمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَجمْنا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى أَنْ يُطَولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، فَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى، إِذَا أُحْصِنَ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوِ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مُطَوَّلًا [[الموطأ (٢/٨٢٢) وصحيح البخاري برقم (٦٨٢٩،٦٨٣٠) وصحيح مسلم برقم (١٦٩١) وهو عندهما بهذا السياق من حديث ابن شهاب الزهري.]] وَهَذَا [[في ف، أ: "وهذه".]] قِطْعَةٌ مِنْهُ، فِيهَا مَقْصُودُنَا هَاهُنَا. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ هُشَيْم، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَلَا وَإنّ أُنَاسًا [[في ف: "ناسا".]] يَقُولُونَ: مَا بالُ الرَّجْمِ؟ فِي كِتَابِ اللَّهِ الجلدُ. وَقَدْ رَجَم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ورَجمَنا بَعْدَهُ. وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ قَائِلُونَ -أَوْ يَتَكَلَّمَ [[في ف: "ويتكلم".]] مُتَكَلِّمُونَ -أَنَّ عُمَرَ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ [[في أ: "فيه".]] لَأَثْبَتُّهَا كَمَا نَزَلَتْ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، بِهِ [[المسند (١/٢٩) والنسائي في السنن الكبرى (٧١٥٤) .]] . وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ [[في ف، أ: "الإمام أحمد".]] أَيْضًا، عَنْ هُشَيْم، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْران، عَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ الرَّجْمَ فَقَالَ: لَا تُخْدَعُن [[في أ: "لا تحيد عنه".]] عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ رَجَمَ ورَجمَنا بَعْدَهُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ قَائِلُونَ: زَادَ عُمْرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، لَكَتَبْتُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمُصْحَفِ: وَشَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. أَلَا وَإِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ وَبِالدَّجَّالِ [[في ف: "والدجال".]] وَبِالشَّفَاعَةِ وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَبِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا امتُحِشُوا [[المسند (١/٢٣) .]] . وَرَوَى أَحْمَدُ [[في ف، أ: "الإمام أحمد".]] أَيْضًا، عَنْ يَحْيَى القَطَّان، عَنْ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيَّب، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [[في ف، أ: "عمر رضي الله عنه".]] : إِيَّاكُمْ أَنْ تهَلكوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ. الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَر، وَقَالَ: صَحِيحٌ [[المسند (١/٣٦) وسنن الترمذي برقم (١٤٣١) .]] . وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع، حَدَّثَنَا ابْنُ [[في ف: "أبو".]] عَوْن، عَنْ مُحَمَّدٍ -هُوَ ابْنُ سِيرِين -قَالَ: نُبِّئتُ عَنْ كَثِير بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَرْوَانَ وَفِينَا زَيْدٌ، فَقَالَ زَيْدٌ: كُنَّا نَقْرَأُ: "وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا [[في ف، أ: "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما".]] الْبَتَّةَ". قَالَ مَرْوَانُ: أَلَا كتبتَها فِي الْمُصْحَفِ؟ قَالَ: ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَفِينَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَنَا أَشْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْنَا: فَكَيْفَ؟ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: فَذَكَرَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَ الرَّجْمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أكْتِبْني آيَةَ الرَّجْمِ: قَالَ: "لَا أَسْتَطِيعُ الْآنَ". هَذَا أَوْ نَحْوَ [[في ف: "أو نحوه".]] ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَير، عَنْ كَثِير بْنِ الصَّلْت، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، بِهِ [[النسائي في السنن الكبرى برقم (٧١٤٨) .]] . وَهَذِهِ طُرُقٌ كُلُّهَا مُتَعَدِّدَةٌ [[في ف، أ: "متعاضدة".]] وَدَالَّةٌ عَلَى أَنَّ آيَةَ الرَّجْمِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً فَنُسِخَ تِلَاوَتُهَا، وَبَقِيَ حُكْمُهَا مَعْمُولًا بِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [[في ف، أ: "والله أعلم".]] . وَقَدْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِرَجْمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ زَوْجَةُ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ لَمَّا زَنَت مَعَ الْأَجِيرِ. وَرَجَمَ النَّبِيُّ [[في ف، أ: "رسول الله"]] ﷺ مَاعِزًا والغامِدِيَّة. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُنقَل عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ جَلدهم قَبْلَ الرَّجْمِ. وَإِنَّمَا وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاح الْمُتَعَدِّدَةُ الطُّرُقِ وَالْأَلْفَاظِ، بِالِاقْتِصَارِ عَلَى رَجْمِهِمْ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَلْدِ؛ وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مَذْهَبَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُجْمَعَ عَلَى الزَّانِي المحصَن بَيْنَ [[في أ: "من".]] الْجَلْدِ لِلْآيَةِ وَالرَّجْمِ لِلسُّنَّةِ، كَمَا رُوِيَ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ لَمَّا أُتِيَ بشُرَاحة [[في أ: "بسراجة".]] وَكَانَتْ قَدْ زَنَتْ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ، فَجَلْدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، ثُمَّ قَالَ: جلدتهُا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وقد رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّان [[في أ: "عطاء".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا البِكْر بالبِكْر، جَلْد مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ سَنَةٍ [[في أ: "عام"]] وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ" [[المسند (٥/٣١٧) وصحيح مسلم برقم (١٦٩٠) وسنن أبي داود برقم (٤٤١٦) وسنن الترمذي برقم (١٤٣٤) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٠٩٢) وسنن ابن ماجه برقم (٢٥٥٠) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ. لَا تَرْجُمُوهُمَا وَتَرْأَفُوا بِهِمَا فِي شَرْعِ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ [[في ف: "النهي عن"]] الرَّأْفَةَ الطَّبِيعِيَّةَ [أَلَّا تَكُونَ حَاصِلَةً] [[زيادة من ف، أ]] عَلَى تَرْكِ الْحَدِّ، [وَإِنَّمَا هِيَ الرَّأْفَةُ الَّتِي تَحْمِلُ الْحَاكِمَ عَلَى تَرْكِ الْحَدِّ] [[زيادة من ف، أ]] فَلَا [[في ف: "فإنه لا".]] يَجُوزُ ذَلِكَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ قَالَ: إِقَامَةُ الْحُدُودِ إِذَا رُفعت إِلَى السُّلْطَانِ، فَتُقَامُ وَلَا تُعَطَّلُ. وَكَذَا رُوي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وعَطَاء بْنِ أبي رَبَاح. وقد جاء في الحديث: "تعافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَب" [[رواه أبو داود في السنن برقم (٤٣٧٦) والنسائي في السنن (٨/٧٠) مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده.]] . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "لَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ، خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ أَنْ يُمطَروا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا" [[المسند (٢/٣٦٢) والنسائي في السنن (٨/٧٥) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.]] . وَقِيلَ: الْمُرَادُ: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ فَلَا تُقِيمُوا الْحَدَّ كَمَا يَنْبَغِي، مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ الزَّاجِرِ عَنِ الْمَأْثَمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الضَّرْبَ المبرِّح. قَالَ عَامِرُ الشَّعْبِيُّ: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ قَالَ: رَحْمَةٌ [[في ف، أ: "رحمة الله".]] فِي شِدَّةِ الضَّرْبِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبٌ لَيْسَ بالمبرِّح. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوُبة، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: يُجْلَدُ [[في أ: "نجلد".]] الْقَاذِفُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، وَالزَّانِي تُخْلَعُ ثِيَابُهُ، ثُمَّ تَلَا ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ فَقُلْتُ: هَذَا فِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: هَذَا فِي الْحُكْمِ وَالْجَلْدِ -يَعْنِي فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَفِي شِدَّةِ الضَّرْبِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأوْدِيّ [[في ف: "الأزدي" وفي أ: "الأرزمي".]] حَدَّثَنَا وَكيع، عَنْ نَافِعٍ، [عَنِ] [[زيادة من جـ، أ.]] ابْنِ عمرو، عَنِ [[في ف، أ: "وعن".]] ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [[في ف، أ: "عبد الله".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ جَارِيَةً لِابْنِ عُمَرَ زَنَتْ، فَضَرَبَ رِجْلَيْهَا -قَالَ نَافِعٌ: أَرَاهُ قَالَ: وَظَهْرَهَا -قَالَ: قُلْتُ: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ قَالَ: يَا بُنَيَّ، ورأيتَني أخَذَتْني بِهَا رَأْفَةٌ؟ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَقْتُلَهَا، وَلَا أَنْ أَجْعَلَ جَلدها فِي رَأْسِهَا، وَقَدْ أُوجِعَتْ حَيْثُ ضُرِبَتْ [[ورواه الطبري في تفسيره (١٨/٥٢) من طريق نافع، عن ابن عمر فذكره.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أَيْ: فَافْعَلُوا ذَلِكَ: أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَنْ زَنَى، وَشَدِّدُوا عَلَيْهِ الضَّرْبَ، وَلَكِنْ لَيْسَ مبرِّحا؛ لِيَرْتَدِعَ هُوَ وَمَنْ يَصْنَعُ مِثْلَهُ بِذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا، فَقَالَ: "وَلَكَ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ" [[المسند (٣/٤٣٦) من حديث قرة المزني، رضي الله عنه.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ : هَذَا فِيهِ تَنْكِيلٌ لِلزَّانِيَيْنِ إِذَا جُلِدا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمَا، وَأَنْجَعَ فِي رَدْعِهِمَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا وَفَضِيحَةً إِذَا كَانَ النَّاسُ حُضُورًا. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي: عَلَانِيَةً. ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الطَّائِفَةُ: الرَّجُلُ فَمَا فَوْقَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الطَّائِفَةُ: رَجُلٌ إِلَى الْأَلْفِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّ الطَّائِفَةَ تصدُق عَلَى وَاحِدٍ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: اثْنَانِ. وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَويه. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال: يعني: رجلين فصاعدا. وقال الزهري: ثلاث نَفَرٍ فَصَاعِدًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْب، عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ: الطَّائِفَةُ: أَرْبَعَةُ نَفَرٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَهَادَةٌ فِي الزِّنَى دُونَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَصَاعِدًا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: خَمْسَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَشَرَةٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَشْهَدَ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَوْعِظَةً وَعِبْرَةً وَنَكَالًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لِلْفَضِيحَةِ، إِنَّمَا ذَلِكَ لِيُدْعَى اللهُ تَعَالَى لَهُمَا بِالتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب