مدنية وهي أربع وستون آية، وألف وثلاثمائة وست عشرة كلمة، وخمسة آلاف وستمائة وثمانون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم (قوله تعالى) : ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾ الآية.
قرأ العامة «سُورَةٌ» بالرفع، وفيه وجهان:
أحدهما: أن تكون مبتدأ، والجملة بعدها صفة لها، وذلك هو المُسَوِّغ للابتداء بالنكرة، وفي الخبر وجهان:
أحدهما: أنه الجملة من قوله: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي» .
(وإلى هذا نحا ابن عطية فإنه قال: ويجوز أن تكون مبتدأ، والخبر «الزَّانِيَةُ والزّانِي» ) وما بعد ذلك. والمعنى: السورةُ المُنَزَّلةُ والمفروضة كذا وكذا، إذ السورة عبارة عن آيات مَسْرُودَة لها بدْءٌ وخَتْمٌ.
والثاني: أن الخبر محذوف، أي: فيما يُتْلَى عليكم سورةٌ، أو فيما أنزلنا سورة.
والوجه الثاني من الوجهين الأولين: أن تكون خبراً لمبتدأ مضمر، أي: هذه (سورة) .
وقال أبو البقاء: (سورة) بالرفع على تقدير: هذه سورةٌ، أو فيما يتلى عليك سورة، فلا تكون (سورة) مبتدأ، لأنها نكرة.
وهذه عبارة مشكلةٌ على ظاهرها، كيف يقول: «لا تكون مبتدأ» مع تقديره: فيما يُتلى عليك سورةُ؟ وكيف يُعَلِّلُ المنعَ بأنها نكرة مع تقديره لخبرها جاراً مقدماً عليها، وهو مسوغ للابتداء بالنكرة؟ وقرأ عمر بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهد وأبو حيوة وطلحة بن مصرف «سُورَةً» بالنصب، وفيها أوجه:
أحدها: أنها منصوبة بفعل مُقَدَّر غير مُفَسَّرٍ بما بعده، تقديره: «اتْلُ سُورَةً» أو «اقرأ سورة» .
والثاني: أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده، والمسألة من الاشتغال، تقديره: «أنزلنا سورةً (أنزلناها» ) .
والفرق بين الوجهين: أنَّ الجملة بعد «سُورَةً» في محل نصب على الأول، ولا محل لها على الثاني.
الثالث: أنها منصوبة على الإغراء، أي: دونك سورةً، قاله الزمخشري. ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء. واستشكل أبو حيان أيضاً على وجه الاشتغال جواز الابتداء بالنكرة من غير مسوغ، ومعنى ذلك أنه ما مِنْ موضع يجوز (فيه) النصب على الاشتغال إلاَّ ويجوز أن يُرْفَعَ على الابتداء، وهنا لو رفعت «سُورَةً» بالابتداء لم يَجُزْ، إذ لا مسوغ، فلا يقال: «رجلاً ضربتُه» لامتناع «رجل ضربتُه» ، ثم أجاب بأنه إن اعْتُقِدَ حذف وصفٍ جاز، أي: «سُورة مُعَظَّمةً أو مُوَضّحَةً أنزلناها» فيجوز ذلك.
الرابع: أنها منصوبة على الحال من «ها» في «أَنْزَلْنَاهَا» ، والحال من المكنيّ يجوز أن يتقدم عليه، قاله الفراء.
وعلى هذا فالضمير في «أَنْزَلْنَاهَا» ليس عائداً على «سُورَةً» بل على الأحكام، كأنه قيل: أنزلنا الأحكام سورةً من سُوَر القرآن، فهذه الأحكام ثابتةٌ بالقرآن بخلاف غيرها فإنه قد ثبت بالسُّنّة، وتقدم معنى الإنزال.
قوله: «وفرضناها» قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد. والباقون بالتخفيف.
فالتشديد إمَّا للمبالغة في الإيجاب وتوكيد، وإمَّا المَفْرُوض عليهم، وإمَّا لتكثير الشيء المفروض. والتخفيف بمعنى: أَوْجَبْنَاهَا وجعلناها مقطوعاً بها. وقيل: ألزمناكم العمل بها وقيل: قدرنا ما فيها من الحدود.
والفرض: التقدير، قال الله (تعالى) : ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: 237] أي: قدرتم، ﴿إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن﴾ [القصص: 85] . ثم إنَّ السورة لا يمكن فرضها لأنها قد دخلت في الوجود، وتحصيل الحاصل محال، فوجب أن يكون المراد: فرضنا ما بيِّن فيها من الأحكام، ثم قال: ﴿وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ واضحات. «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» تتعظون، وأراد ب «الآيَات» ما ذكر في السورة من الأحكام والحدود ودلائل التوحيد.
وقرئ «تَذَكَّرُونَ» بتشديد الذال وتخفيفها. وتقدم معنى «لَعَلَّ» في سورة البقرة.
قال القاضي: «لَعَلّ» بمعنى «كَيْ» .
فإن قيل: الإنزال يكون من صعود إلى نزول، وهذا يدل على أنه تعالى في جهة؟
فالجواب: أن جبريل كان يحفظها من اللوح ثم ينزلها على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقيل: «أنْزَلْنَاهَا» توسعاً.
وقيل: إن الله تعالى أنزلها من أم الكتاب إلى السماء الدنيا دفعة واحدة، ثم أنزلها بعد ذلك على لسان جبريل - عليه السلام -.
وقيل: معنى «أنزلناها» : أعطيناها الرسول، كما يقول العبد إذا كلم سيّده: رفعت إليه حاجتي، كذلك يكون من السيد إلى العبد الإنزال، قال الله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب﴾ [فاطر: 10] .
قوله تعالى: ﴿الزانية والزاني﴾ في رفعهما وجهان:
مذهب سيبويه: أنه مبتدأ، وخبره محذوف، أي: فيما يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْم الزَّانِيَةِ، ثم بَيَّنَ ذلك بقوله: «فَاجْلِدُوا» ... إلى آخره.
والثاني وهو مذهب الأخفش وغيره: أنه مبتدأ، والخبر جملة الأمر، ودَخَلَتِ الفاءُ لشبه المبتدأ بالشرط، ولكون الألف واللام بمعنى الذي، تقديره: مَنْ زنا فاجلده، أو التي زنت والذي زنا فاجلدوهما، وتقدم الكلام على هذه المسألة في قوله: ﴿واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء: 16] وعند قوله: «والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ» فأغْنَى عن إعادته.
وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وأبو شيبة ورُوَيْس بالنصب على الاشتغال.
قال الزمخشري: «وهو أحسن من (سورةً أنزلناها) لأجل الأمر» .
وقرئ: «والزَّان» بلا ياء.
ومعنى «فاجلدوا» : فاضربوا ﴿كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ ، يقال: جَلَدَه: إذا ضرب جِلْدَهُ، كما يقال: رأسَه وبطنه: إذا ضرب رأسه وبطْنه، وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح، ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم.
قوله (تعالى) : ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ : رحمة ورقة.
قرأ العامة هنا وفي الحديد بسكون همزة «رَأْفَة» . وابن كثير بفتحها.
وقرأ ابن جريج وتروى أيضاً عن ابن كثير وعاصم «رَآفَة» بألف بعد الهمزة بِزِنَةِ «سَحَابَةٍ» .
وكلها مصادر ل «رَأَفَ بِهِ يَرْؤُف» ، وتقدم معناه، وأشهر المصادر الأول، ونقل أبو البقاء فيها لغة رابعة، وهي إبدال الهمزة ألفاً، وهذا ظاهر.
وقرأ العام «تَأْخُذْكُمْ» بتاء التأنيث مُرَاعاةً للفظ.
وعليُّ بن أبي طالب والسُّلميُّ ومجاهد بالياء من تحت، لأنَّ التأنيث مجازيّ، وللفصل بالمفعول والجار.
و «بِهِمَا» يتعلق ب «تَأْخُذْكُمْ» ، أو بمحذوف على سبيل البيان، ولا يتعلق ب «رَأْفَة» لأن المصدر لا يتقدم عليه معمولاً، و «دِينِ اللَّهِ» مُتعلِّقٌ بالفعل قبله أيضاً.
وهذه الجملة دالة على جواب الشرط بعدها، أو هي الجواب عند بعضهم.
فصل
الزنا حرام، وهو من الكبائر، لأن الله تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله: «وَلاَ يَزْنُونَ» ، وقال ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى﴾ [الإسراء: 32] ، وقال عليه السلام: «يَا مَعْشَرَ الناس اتقوا الزِّنَا فإنَّ فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أما التي في الدنيا: فيُذْهِبُ البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر. وأما اللاتي في الآخرة: فسُخْطُ الله، وسوء الحساب، وعذاب (النار) » .
قال بعض العلماء في حدّ الزنا: إنه عبارة عن إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعاً محرم قطعاً.
واختلف العلماء في اللواط، هل يسمى زنا أم لا؟
فقيل: نعم لقوله - عليه السلام -: «إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان» ، ولدخوله في حدّ الزنا المتقدم. وقيل: لا يسمى زنا، لأنه في العرف لا يسمى زانياً، ولو حلف لا يزني فلاط لم يحنث، ولأن الصحابة اختلفوا في حكم اللواط وكانوا عالمين باللغة.
وأما الحديث فمحمول على الإثم (بدليل قوله - عليه السلام -) : «إذَا أَتَتِ المَرْأةُ المرأةَ فَهُمَا زَانِيتَان» ، وقوله عليه السلام: «اليَدَان تَزْنِيَان، والعَيْنَان تَزْنِيَان» وأما دخوله في مسمى الفرج لما فيه من الانفراج فبعيد، لأن العين والفم منفرجان ولا يسميان فرجاً، وسمي النجم نجماً لظهوره، وما سموا كل ظاهر نجماً، وسموا الجنين جنيناً لاستتاره، وما سمّوا كل مستتر جنيناً.
واختلفوا في حدّ اللوطي:
فقيل: حدّ الزنا، إن كان محصناً رجم، وإن كان غير محصن جلد وغرب.
وقيل: يقتل الفاعل والمفعول مطلقاً.
واختلفوا في كيفية قتله:
فقيل: تضرب رقبتُه كالمرتد لقوله عليه السلام: «مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوه» .
وقيل: يرجم بالحجارة.
وقيل: يهدم عليه جدار.
وقيل: يرمي من شاهق، لأن الله تعالى عذب قوم لوط بكل ذلك.
وقيل: يعزّر الفاعل، وأما المفعول فعليه القتل إن قلنا يقتل الفاعل، وإن قلنا على الفاعل حدّ الزنا فعلى المفعول جلد مائة وتغريب عام محصناً كان أو غير محصن.
وقيل: إن كانت امرة محصنة فعليها الرجم.
فصل
وأجمعت الأمة على حرمة إتيان البهيمة، واختلفوا في حدّه: فقيل: حدّ الزنا.
وقيل: يقتل مطلقاً لقوله عليه السلام: «مَنْ أَتَى بَهِيمةً فَاقْتُلوهُ واقْتُلُوهَا مَعَهُ» .
وقيل: التعزير، وهو الصحيح.
وأما السحق وإتيان الميتة والاستمناء باليد فلا يشرع فيه إلا التعزير.
فصل
تقدم الكلام في حدّ الزنا في سورة النساء، وأما إثباته فلا يحصل إلا بالإقرار أو بالبينة. أما الإقرار، فقال الشافعي: يثبت بالإقرار مرة واحدة لقصة العسيف.
وقال أبو حنيفة وأحمد: لا بد من الإقرار أربع مرات لقصة ماعز، ولقوله عليه السلام: «إنَّكَ شَهدتَ على نفسِكَ أربعَ مرات» ولو كانت المرة الواحدة مثل الأربع في إيجاب الحدّ لكان هذا الكلام لغواً، ولقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لماعز بعد إقراره الثالثة: لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وقال بريدة الأسلمي: كنا معشر أصحاب محمد نقول: لو لم يقر ماعز (أربع مرات) ما رجمه رسول الله.
وأيضاً فكما لا يقبل في الشهادة على الزنا إلاّ أربع شهادات، فكذا في الإقرار. وكما أن الزنا لا ينتفي إلاّ بأربع شهادات في اللعان، فلا يثبت إلا بالإقرار أربع مرات.
وأما البينة فأجمعوا على أنه لا بُدّ من أربع شهادات لقوله تعالى: ﴿فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ﴾ [النساء: 15] .
فصل
قال بعض العلماء: لا خلاف أنه يجب على القاضي أن يمتنع عن القضاء بعلم نفسه، كما إذا ادعى رجل على آخر حقاً وأقام عليه بينة، والقاضي يعلم أنه قد أبرأه، أو ادعى أنه قتل أباه وقت كذا وقد رآه القاضي حيًّا بعد ذلك، أو ادعى نكاح امرأة وقد سمعه القاضي طلقها، لا يجوز أن يقضي به ولو أقام عليه شهوداً وهل يجوز له أن يقضي بعلم نفسه مثل إن ادعى عليه ألفاً وقد رآه القاضي أقرضه، أو سمع المدعى عليه يقرّ به؟
فقال أبو يوسف ومحمد والمزني: يجوز له أن يقضي بعلمه، لأنه لما جاز له أن يحكم بشهادة الشهود، وهي إنما تفيد الظن، فلأن يجوز (له) بما هو منه على علم أولى.
قال الشافعي: أقْضِي بعلمي، وهو أقوى من شاهدين، أو شاهد وامرأتين، وهو أقوى من شاهد ويمين، (وبشاهد ويمين) وهو أقوى من (النكول) وردّ اليمين «وقيل: لا يحكم بعلمه لأن انتفاء التهمة شرط في القضاء، ولم يوجد هذا في الأموال فأما العقوبات، فإن كانت العقوبة من حقوق العباد كالقصاص وحدّ القذف فهو مثل المال، إن قلنا لا يقضي فهاهنا أولى، وإلا فقولان.
والفرق بينهما أن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة، ولا فرق على القولين أن يحصل العلم للقاضي في بلد ولايته (وزمان ولايته) أو في غيره. وقال أبو حنيفة: إن حصل له العلم في بلد ولايته (وفي زمان ولايته) له أن يقضي بعلمه وإلا فلا.
فصل
لا يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه وللسيد أن يقيم الحد على رقيقه لقوله عليه السلام: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدكم فَلْيَجلِدْها» وقيل: بل يرفعه إلى الإمام.
ويُجلد المحصن مع ثيابه ولا يجرد، ولكن ينبغي أن تكون بحيث يصل ألم الضرب إليه، وأما المرأة فلا يجوز تجريدها، بل تربط عليها ثيابها حتى لا تنكشف، ويلي ذلك منها امرأة. ويضرب بسوط لا جديد يجرح ولا خلق لا يؤلم، ولا يمد، ولا يربط، بل يترك حتى يتقي بيديه ويضرب الرجل قائماً والمرأة جالسة، وتفرق السياط على أعضائه ولا يجمعها في موضع واحد ويتقى المهالك كالوجه والبطن والفرج.
قال الشافعي: يضرب على الرأس.
وقال أبو حنيفة: لا يضرب على الرأس.
فصل
ولا يقام الحدّ على الحامل حتى تضع ولدها، ويستغنى عنها لحديث الجهنية، وأما المريض فإن كان يرجى زوال مرضه أخّر حتى يبرأ (إن كان الحد جلداً، وإن كان رجماً أقيم عليه الحدُّ، لأن المقصود قتله) ، وإن كان مرضه لا يرجى زواله لم يضرب بالسياط، بل يضرب بضغث فيه عيدان بعدد ما يجب عليه لقصة أيوب (- عليه السلام -) وأدلة جميع ما تقدم مذكورة في كتب الفقه.
فصل
لو فرق السياط تفريقاً لا يحصل به التنكيل مثل أن ضرب كل يوم سوطاً أو سوطين لم يحسب، وإن ضرب كل يوم عشرين وأكثر حسب.
فصل
ويقام الحد في وقت اعتدال الهواء، فإن كان في وقت شدة حرّ أو برد نظرنا: إن كان الحدّ رجماً أقيم عليه كما يقام في المرض، لأن المقصود قتله.
وقيل: إن كان الرجم ثبت بإقراره أخّر إلى اعتدال الهواء وزوال المرض (إنْ كان يرجى زوال، لأنه ربما رجع عن إقراره في خلال الرجم) وقد أثر الرجم في جسمه فيعين شدة الحر والبرد والمرض على إهلاكه.
وإن ثبت بالبينة لا يؤخر، لأنه لا يسقط.
وإن كان الحد جلداً لم يجز إقامته في شدة الحر والبرد كما لا يقام في المرض.
فصل
معنى قوله: ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ .
قال مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي: لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها.
وقيل: ولا تأخذكم رأفة فتخففوا، ولكن أوجعوهما ضرباً. وهو قول سعيد بن المسيب والحسن.
قال الزهري: يجتهد في حدّ الزنا والغربة، ويخفف في حدّ الشرب.
وقال قتادة: يخفف في الشرب والغربة، ويجتهد في الزنا.
ومعنى ﴿فِي دِينِ الله﴾ : أي: في حكم الله، روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت فقال للجلاد: «اضْرُبْ ظَهْرَهَا ورِجْلَيْهَا» فقال له ابنه: «ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةً في دِينِ اللَّهِ» فقال: «يا بنيّ إن الله لم يأمرني بقتلها، وقد ضربت فأوجعت» .
فصل
إذا ثبت الزنا بإقراره فمتى رجع ترك، وقع به بعض الحد أو لم يقع (به) ، لأنّ ماعزاً لما مسته الحجارة هرب، فقال عليه السلام: «هَلاَّ تركتموه» .
وقيل: لا يقبل رجوعه.
ويحفر للمرأة إلى صدرها، ولا يحفر للرجل، وإذا مات في الحدّ غُسِّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه ودفِن في مقابر المسلمين.
قوله: ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر﴾ معناه: أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله.
قوله: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا﴾ أي: وليحضر «عَذَابَهُمَا» : حدهما إذا أقيم عليهما «طَائِفَةٌ» نفر من المؤمنين. قال النخعي ومجاهد: أقله رجل واحد، لقوله تعالى: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات: 9] . وقال عطاء وعكرمة: اثنان، لقوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾ [التوبة: 122] وكل ثلاثة فرقة، والخارج عن الثلاثة واحد أو اثنان، والاحتياط يوجب الأخذ بالأكثر. وقال الزهري وقتادة: ثلاثة فصاعداً، لأن الطائفة هي الفرقة التي تكون حافة حول الشيء، وهذه الصورة أقل ما لا بد في حصولها الثلاثة.
وقال ابن عباس: «إنَّها أربعة، عدد شهود الزنا» ، وهو قول مالك وابن زيد.
وقال الحسن البصري: عشرة، لأنها العدد الكامل.
واعلم أن قوله: «وَلْيَشْهَد» أمر، وظاهره للوجوب، لكن الفقهاء قالوا: يستحب حضور الجمع، والمقصود منه: إعلان إقامة الحد لما فيه من الردع ودفع التهمة.
وقال الشافعي ومالك: يجوز للإمام أن يحضر رجمه وأن لا يحضر، وكذا الشهود لا يلزمهم الحضور. وقال أبو حنيفة: «إن ثبت بالبينة وجب على الشهود أن يبدؤوا بالرمي، ثم الإمام، ثم الناس، وإن ثبت بالإقرار بدأ الإمام ثم الناس» .
واحتج الشافعي بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجم ماعزاً والغامدية ولم يحضر رجمهما وأما تسميته عذاباً فإنه يدل على أنه عقوبة، ويجوز أن يسمى عذاباً لأنه يمنع المعاودة، كما يسمى نكالاً لذلك.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِیهَاۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ","ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟ كُلَّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا مِا۟ئَةَ جَلۡدَةࣲۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةࣱ فِی دِینِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۖ وَلۡیَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِیهَاۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}