الباحث القرآني
(p-٤٤٢٣)سُورَةُ النُّورِ
سُمِّيَتْ بِهِ لِاشْتِمالِها عَلى ما أمْكَنَ مِن بَيانِ النُّورِ الإلَهِيِّ، بِالتَّمْثِيلِ المُفِيدِ كَمالَ المَعْرِفَةِ المُمْكِنَةِ لِنَوْعِ الإنْسانِ، مَعَ مُقَدِّماتِها، وهي أعْظَمُ مَقاصِدِ القُرْآنِ- قالَهُ المَهايِمِيُّ، وهي مَدَنِيَّةٌ. وقالَ القُرْطُبِيُّ: إنَّ آيَةَ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ﴾ [النور: ٥٨] إلَخْ مَكِّيَّةٌ وهي أرْبَعٌ وسِتُّونَ آيَةً.
(p-٤٤٢٤)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١] ﴿سُورَةٌ أنْـزَلْناها وفَرَضْناها وأنْـزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ .
﴿سُورَةٌ أنْـزَلْناها﴾ خَبَرُ مَحْذُوفٍ. أيْ: هَذِهِ السُّورَةُ. والتَّنْكِيرُ لِلتَّفْخِيمِ: ﴿وفَرَضْناها﴾ أيْ: أوْجَبْنا ما فِيها مِنَ الأحْكامِ إيجابًا قَطْعِيًّا: ﴿وأنْـزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: تَتَذَكَّرُونَها فَتَعْمَلُونَ بِمُوجِبِها. قالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآياتِ: هَذِهِ السُّورَةُ فَرَضَها تَعالى بِالبَيِّناتِ والتَّقْدِيرِ والحُدُودِ، الَّتِي مَن يَتَعَدَّ حَلالَها إلى الحَرامِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. ومَن قَرُبَ مِن حَرامِها فَقَدِ اعْتَدى وتَعَدّى الحُدُودَ. وبَيَّنَ فِيها فَرْضَ العُقُوبَةِ وآيَةَ الجَلْدِ وفَرِيضَةَ الشَّهادَةِ عَلى الزِّنى وفَرِيضَةَ شَهادَةِ المُتَلاعِنَيْنِ. كُلٌّ مِنهُما يَشْهَدُ أرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ. ونَهى فِيها عَنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ في الفُرُوجِ والأعْراضِ والعَوْراتِ وطاعَةِ ذِي السُّلْطانِ. سَواءٌ كانَ في مَنزِلِهِ أوْ وِلايَتِهِ. ولا يَخْرُجُ ولا يَدْخُلُ إلّا بِإذْنِهِ. إذِ الحُقُوقُ نَوْعانِ: نَوْعٌ لِلَّهِ فَلا يَتَعَدّى حُدُودَهُ، ونَوْعٌ لِلْعِبادَةِ فِيهِ أمْرٌ فَلا يَفْعَلُ إلّا بِإذْنِ المالِكِ، فَلَيْسَ لِأحَدٍ أنْ يَفْعَلَ شَيْئًا في حَقِّ غَيْرِهِ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ. وإنْ لَمْ يَأْذَنِ المالِكُ، فَإذْنُ اللَّهِ هو الأصْلُ، وإذَنُ المالِكِ حَيْثُ أذِنَ اللَّهُ وجَعَلَ لَهُ الإذْنَ فِيهِ. ولِهَذا ضَمَّنَها الِاسْتِئْذانَ في المَساكِنِ والمَطاعِمِ وفي الأُمُورِ الجامِعَةِ. كالصَّلاةِ والجِهادِ ونَحْوِهِما. ووَسَّطَها بِذِكْرِ النُّورِ الَّذِي هو مادَّةُ كُلِّ خَيْرٍ وصَلاحُ كُلِّ شَيْءٍ. وهو يَنْشَأُ عَنِ امْتِثالِ أمْرِ اللَّهِ واجْتِنابِ نَهْيِهِ، وعَنِ الصَّبْرِ عَلى ذَلِكَ، فَإنَّهُ ضِياءٌ. فَإنَّ حِفْظَ الحُدُودِ بِتَقْوى اللَّهِ، يَجْعَلُ لِصاحِبِهِ نُورًا. كَما قالَ تَعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ ويَجْعَلْ لَكم نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] الآيَةَ. فَضِدُّ النُّورِ الظُّلْمَةُ، ولِهَذا عَقَّبَ ذِكْرَ النُّورِ وأعْمالَ المُؤْمِنِينَ بِأعْمالِ الكُفّارِ. وأهْلِ البِدَعِ والضُّلّالِ. (p-٤٤٢٥)فَقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ﴾ [النور: ٣٩] الآيَةَ، إلى قَوْلِهِ: ﴿أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ﴾ [النور: ٤٠] الآيَةَ، وكَذَلِكَ الظُّلْمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيامَةِ. وظُلْمُ العَبْدِ نَفْسَهُ مِنَ الظُّلْمِ. فَإنَّ لِلسَّيِّئَةِ ظُلْمَةً في القَلْبِ، وسَوادًا في الوَجْهِ، ووَهَنًا في البَدَنِ، ونَقْصًا في الرِّزْقِ، وبُغْضًا في قُلُوبِ الخَلْقِ. كَما رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، يُوَضِّحُهُ أنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلَ إيمانِ المُؤْمِنِينَ بِالنُّورِ، وأعْمالِ الكُفّارِ بِالظُّلْمَةِ. والإيمانُ اسْمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ. والكُفْرُ اسْمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما يُبْغِضُهُ، وإنْ كانَ لا يَكْفُرُ العَبْدُ إذا كانَ مَعَهُ أصْلُ الإيمانِ وبَعْضُ فُرُوعِ الكُفْرِ مِنَ المَعاصِي. كَما لا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إذا كانَ مَعَهُ بَعْضُ فُرُوعِ الإيمانِ. ولِغَضِّ البَصَرِ اخْتِصاصٌ بِالنُّورِ كَما في حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ: ««إنَّ العَبْدَ إذا أذْنَبَ. .».» الحَدِيثَ. وفِيهِ: فَذَلِكَ الرّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ. وفي الصَّحِيحِ: ««إنَّهُ لَيُغانُ عَلى قَلْبِي وإنِّي لَأسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»» . والغَيْنُ حِجابٌ رَقِيقٌ أرَقُّ مِنَ الغَيْمِ، فَأخْبَرَ أنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِيُزِيلَ الغَيْنَ، فَلا يَكُونُ نُكْتَةً سَوْداءَ. كَما أنَّها إذا أُزِيلَتْ لا تَصِيرُ رَيْنًا. وقالَ حُذَيْفَةُ: إنَّ الإيمانَ يَبْدُو في القَلْبِ لُمْظَةً بَيْضاءَ. فَكُلَّما ازْدادَ العَبْدُ إيمانًا، ازْدادَ قَلْبُهُ بَياضًا، وفي خُطْبَةِ الإمامِ أحْمَدَ، في الرَّدِّ عَلى الزَّنادِقَةِ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ في كُلِّ زَمانٍ فَتْرَةً مِنَ الرُّسُلِ، بَقايا مِن أهْلِ العِلْمِ، يَدْعُونَ مَن ضَلَّ إلى الهُدى، ويَصْبِرُونَ مِنهم عَلى الأذى. يُحْيُونَ بِكِتابِ اللَّهِ المَوْتى، ويُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أهْلَ العَمى. . . إلَخْ. وقَدْ قَرَنَ اللَّهُ سُبْحانَهُ بَيْنَ الهُدى والضَّلالِ بِما يُشْبِهُ هَذا. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ﴾ [فاطر: ١٩] ﴿ولا الظُّلُماتُ ولا النُّورُ﴾ [فاطر: ٢٠] وقالَ: ﴿مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كالأعْمى والأصَمِّ والبَصِيرِ والسَّمِيعِ﴾ [هود: ٢٤] وقالَ: ﴿مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا﴾ [البقرة: ١٧] الآياتِ، (p-٤٤٢٦)وهَذا النُّورُ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ في الدُّنْيا عَلى حُسْنِ عَمَلِهِ واعْتِقادِهِ، يَظْهَرُ في الآخِرَةِ، كَما قالَهُ تَعالى: ﴿يَسْعى نُورُهم بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ﴾ [الحديد: ١٢] الآيَةَ، فَذَكَرَ النُّورَ هُنا عَقِيبَ أمْرِهِ بِالتَّوْبَةِ، كَما في سُورَةِ النُّورِ عَقِيبَ أمْرِهِ بِغَضِّ البَصَرِ والتَّوْبَةِ. وذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ أمْرِهِ بِحُقُوقِ الأهْلِينَ والأزْواجِ وما يَتَعَلَّقُ بِالنِّساءِ. وقالَ في سُورَةِ الحَدِيدِ: ﴿يَوْمَ تَرى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [الحديد: ١٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ [الحديد: ١٥] فَأخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّ المُنافِقِينَ يَفْقِدُونَ النُّورَ الَّذِي كانَ المُؤْمِنُونَ يَمْشُونَ بِهِ، ويَطْلُبُونَ الِاقْتِباسَ مِن نُورِهِمْ، فَيُحْجَبُونَ عَنْ ذَلِكَ بِحِجابٍ يُضْرَبُ بَيْنَهم. كَما أنَّهم في الدُّنْيا لَمّا فَقَدُوا النُّورَ: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا﴾ [البقرة: ١٧] الآيَةَ. وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayah":"سُورَةٌ أَنزَلۡنَـٰهَا وَفَرَضۡنَـٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِیهَاۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











