الباحث القرآني

﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ قال أبو عبيدة والأخفش: ﴿سُورَةٌ﴾ رفع بالابتداء، وخبرها في ﴿أَنْزَلْنَاهَا﴾ [[قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 63. وقول الأخفش ذكره الثعلبي 3/ 66 ب. ولم أجد قوله هذا في كتاب "معاني القرآن". وجوز ابن عطيَّة في "المحرر" 10/ 414، وتبعه أبو حيَّان في "البحر" 6/ 427، والسمين الحلبي في "الدر المصون" 8/ 377 أن تكون "سورة" رفعًا بالابتداء وقوله "أنزلناها" صفة لها، قال السمين: وذلك هو المسوِّغ للابتداء بالنكرة. وفي الخبر عند هؤلاء وجهان: أحدهما -وهو قول ابن عطية-: أن الخبر هو الجملة من قوله "الزانية والزاني" وما بعدها، والمعنى: السورة المنزلة المفروضة كذا وكذا. الثاني: الخبر محذوف مقدم، أي: فيما يتلى عليكم سورة، أو فيما يوحى إليك سورة، أو فيما أنزلنا سورة. قاله أبو حيان والسمين.]]. وهذا القول اختيار صاحب النظم. وأنكر الفراء والمبرد والزجاج هذا القول. فقال الفراء: ترفع السورة بإضمار هذه سورة أنزلناها. ولا ترفعها [[في (ظ)، (ع): (ولا ترفع)، والمثبت منه (أ)، "معاني القرآن" للفراء.]] براجع ذكرها [[في (أ): (وذكرها).]]؛ لأن النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها، إلا أن يكون ذلك جوابًا، ألا ترى أنك لا تقول: رجل قام، إنما الكلام أن تقول: قام رجلٌ. والنكرة [[عند الفراء: وقبح تقديم النكرة قبل خبرها أنها توصل ثم يخبر عنها.]] إنما توصل ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة. قال: رجل [[(رجل) ساقطة من (ع).]] أعجب إليّ رجل لا يقوم. ويقبح أن تقتصر على صلتها وتجعلها الخبر كقولك: رجل ضربته؛ إذ [[في (ظ)، (ع): (إذا).]] كنت كالمنتظر بعد الصلة ويحسن في الجواب؛ لأنَّ القائل يقول لك: من في الدار؟ فتقول: رجل [["معاني القرآن" للفراء 2/ 244 مع اختلاف وتصرّف.]]. وقال المبرّد: ﴿سُوَرُةُ﴾ رفع على خبر الابتداء، لا على الابتداء لأنَّها نكرة، وتأويله: هذه سورة أنزلناها، ونظير ذلك قولك: رجلٌ والله، أي هذا رجلٌ، وذلك إذا قلت: خير، عند قول القائل: ما أمرك؟ فإنما التقدير: هو خير، أو: أمري خير. وذلك قول القائل عند شدة البرد والحر: برد شديد وحر شديد [[ذكره القرطبي في "تفسيره" 12/ 158 عن المبرد باختصار.]]. وقال الزَّجاج: وجه الرفع: هذه سورة أنزلناها. ورفعها بالابتداء قبيح، لأنها نكرة و ﴿أَنْزَلْنَاهَا﴾ صفة لها [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 27. وفيه: فأما ارفع فعلى إضمار هذه سورة. وقد تقدّم ذكر قول السمين في بيان المسوّغ للابتداء بالنكرة.]]. قوله ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ قرئ بالتخفيف والتشديد [[قرأ ابن كثير وأبو عمرو (وفرَّضْناها) بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف (وفَرَضْناها). انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 452، و"التيسير" للداني ص 161 و"الغاية" للنيسابوري ص 217، و"النشر" لابن الجزري 2/ 330.]]. قال أبو إسحاق: من خفف فمعناها: ألزمناكم العمل بما فرض فيها. ومن قرأ بالتشديد فهو على التكثير على معنى: إنما فرضنا فيها فروضًا. ويجوز أن يكون على معنى: بينَّا وفصلنا ما فيها من الحلال والحرام [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 27 والعبارة فيه: ومن قرأ بالتشديد فعلى وجهين، أحدهما على معنى أنا فرضنا .. ، وعلى معنى بينا وفضَّلنا.]]. وذكرنا معنى الفرض في اللغة عند قوله ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: 197]. وقال أبو علي: معنى ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ فرضنا فرائضها أي الفرائض المذكورة فيها [[هذا الكلام المعترض من كلام الواحدي. وقد تقدم ذكر قول السمين في بيان المسوّغ للابتداء بالنكرة.]] فحذف المضاف. والتخفيف يصلح للقليل والكثير، ومن حجة التخفيف قوله ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ [القصص: 85]، والمعنى: أحكام القرآن وفرائض القرآن، كما أن التي في هذه السورة كذلك. والتثقيل في ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ لكثرة ما فيها من الفرائض [["الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 309 مع تقديم وتأخير. وقيل التشديد للمبالغة في الإيجاب وتوكيدًا. وانظر في توجيه القرائتين أيضًا: "علل القراءات" للأزهري 2/ 445، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه 2/ 98، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 494، "البحر المحيط" 6/ 427، و"الدر المصون" 8/ 379.]]. قال ابن عباس في رواية مجاهد في قوله ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾: بيناها [[بيناها: ساقطة من (ع). وبدلًا منها: يعني الأمر. وهو انتقال نظر من الناسخ.]] [[رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 5 ب من طريق مجاهد عن ابن عباس به. وانظر: "تغليق التعليق" 4/ 263 - 264 ورواه الطبري في "تفسيره" 18/ 66 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، به.]]. وهو قول مقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 34 أ.]]. وقال في رواية عطاء: يريد: وحددناها. وقال مجاهد: ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ يعني الأمر بالحلال والنهي عن الحرام [[رواه الطبري 18/ 65، وابن أبي حاتم 7/ 6 أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 124 وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.]]. وهذا يعود إلى معنى: أوجبناها. ويجوز أن تكون بمعنى التبيين. والنكتة في التفسير ما ذكره أبو علي من أن هذا من باب حذف المضاف [[انظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 309.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب