الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهَزَمُوهم بِإذْنِ اللَّهِ﴾ في الهَزِيمَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها لَيْسَتْ مِن فِعْلِهِمْ وإنَّما أُضِيفَتْ إلَيْهِمْ مَجازًا. والثّانِي: أنَّهم لَمّا أُلْجِئُوا إلَيْها صارُوا سَبَبًا لَها، فَأُضِيفَتْ إلَيْهِمْ لِمَكانِ الإلْجاءِ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: ﴿بِإذْنِ اللَّهِ﴾ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: بِأمْرِ اللَّهِ لَهم بِقِتالِهِمْ. الثّانِي: بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَهم عَلى قِتالِهِمْ. ﴿وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ﴾ حُكِيَ أنَّ جالُوتَ خَرَجَ مِن صُفُوفِ عَسْكَرِهِ يَطْلُبُ البِرازَ؟ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِ أحَدٌ، فَنادى طالُوتُ في عَسْكَرِهِ: مَن قَتَلَ جالُوتَ فَلَهُ شَطْرُ مُلْكِي وأُزَوِّجُهُ ابْنَتِي، فَجاءَ داوُدُ وقَدْ أخَذَ ثَلاثَةَ أحْجارٍ، وكانَ قَصِيرًا يَرْعى الغَنَمَ، وقَدْ ألْقى اللَّهُ في نَفْسِهِ أنَّهُ سَيَقْتُلُ جالُوتَ، فَقالَ لِطالُوتَ: أنا أقْتُلُ جالُوتَ، فازْدَراهُ طالُوتُ حِينَ رَآهُ، وقالَ لَهُ: هَلْ جَرَّبْتَ نَفْسَكَ بِشَيْءٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: بِماذا؟ قالَ: وقَعَ ذِئْبٌ في غَنَمِي فَضَرَبْتُهُ، ثُمَّ أخَذْتُ رَأْسَهُ فَقَطَعْتُهُ في جِسْمِهِ، فَقالَ طالُوتُ: الذِّئْبُ ضَعِيفٌ، فَهَلْ جَرَّبْتَ نَفْسَكَ في غَيْرِهِ؟ قالَ: نَعَمْ، دَخَلَ الأسَدُ في غَنَمِي، فَضَرَبْتُهُ ثُمَّ أخَذْتُ بِلَحْيَيْهِ فَشَقَقْتُها، أفْتَرى هَذا أشَدَّ مِنَ الأسَدِ، قالَ: لا، وكانَ عِنْدَ طالُوتَ دِرْعٌ سابِغَةٌ لا تَسْتَوِي إلّا عَلى مَن يَقْتُلُ جالُوتَ، فَأخْبَرَهُ بِها وألْقاها عَلَيْهِ فاسْتَوَتْ، وسارَ إلى جالُوتَ فَرَماهُ بِحَجَرٍ فَوَقَعَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وخَرَجَ مِن قَفاهُ، فَأصابَ جَماعَةً مِن عَسْكَرِهِ فَقَتَلَهم وانْهَزَمَ القَوْمُ عَنْ آخِرِهِمْ، وكانُوا عَلى ما حَكاهُ عِكْرِمَةُ تِسْعِينَ ألْفًا. واخْتَلَفُوا، هَلْ كانَ داوُدُ عِنْدَ قَتْلِهِ جالُوتَ نَبِيًّا؟ ذَهَبَ بَعْضُهم أنَّهُ كانَ نَبِيًّا، لِأنَّ هَذا الفِعْلَ الخارِجَ عَنِ العادَةِ، لا يَكُونُ إلّا مِن نَبِيٍّ، وقالَ الحَسَنُ: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، لِأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُوَلّى مَن لَيْسَ بِنَبِيٍّ عَلى نَبِيٍّ. قالَ ابْنُ السّائِبِ: وإنَّما كانَ (p-٣٢٠) راعِيًا فَعَلى هَذا يَكُونُ ذَلِكَ مِن تَوْطِئَةٍ لِنُبُوَّتِهِ مِن بَعْدُ. ثُمَّ إنَّ طالُوتَ نَدِمَ عَلى ما بَذَلَهُ لِداوُدَ مِن مُشاطَرَتِهِ مُلْكَهُ وتَزْوِيجِهِ ابْنَتَهُ، واخْتَلَفُوا هَلْ كانَ نَدَمُهُ قَبْلَ تَزْوِيجِهِ ومُشاطَرَتِهِ، أمْ بَعْدُ، عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ طالُوتَ وفّى بِشَرْطِهِ، وزَوَّجَ داوُدَ بِابْنَتِهِ، وخَلَطَهُ في مُلْكِهِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ حَسَدَهُ، فَنَدِمَ، وأرادَ قَتْلَهُ، فَعَلِمَتْ بِنْتُهُ بِأنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَ زَوْجَها، وكانَتْ مِن أعْقَلِ النِّساءِ، فَنَصَبَتْ لَهُ زِقَّ خَمْرٍ بِالمِسْكِ، وألْقَتْ عَلَيْهِ لَيْلًا ثِيابَ داوُدَ، فَأقْبَلَ طالُوتُ، وقالَ لَها: أيْنَ زَوْجُكِ؟ فَأشارَتْ إلى الزِّقِّ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فانْفَجَرَ مِنهُ الخَمْرُ وسَطَعَ رِيحُ المِسْكِ، فَقالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يا داوُدُ طِبْتَ حَيًّا ومَيِّتًا، ثُمَّ أدْرَكَتْهُ النَّدامَةُ، فَجَعَلَ يَنُوحُ عَلَيْهِ ويَبْكِي، فَلَمّا نَظَرَتِ الجارِيَةُ إلى جَزَعِ أبِيها، أخْبَرَتْهُ الخَبَرَ، فَفَرِحَ، وقاسَمَ داوُدَ عَلى شَطْرِ مُلْكِهِ، وهَذا قَوْلُ الضَّحّاكِ، فَعَلى هَذا يَكُونُ طالُوتُ عَلى طاعَتِهِ حِينَ مَوْتِهِ، لِتَوْبَتِهِ مِن مَعْصِيَتِهِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ نَدِمَ قَبْلَ تَزْوِيجِهِ عَلى شَرْطِهِ وبَذْلِهِ، وعَرَّضَ داوُدَ لِلْقَتْلِ، وقالَ لَهُ: إنَّ بَناتِ المُلُوكِ لا بُدَّ لَهُنَّ مِن صَداقِ أمْثالِهِنَّ، وأنْتَ رَجُلٌ جَرِيءٌ، فاجْعَلْ صَداقَها قَتْلَ ثَلاثِمِائَةٍ مِن أعْدائِنا، وكانَ يَرْجُو بِذَلِكَ أنْ يُقْتَلَ، فَغَزا داوُدُ وأسَرَ ثَلاثَمِائَةٍ، فَلَمْ يَجِدْ طالُوتُ بُدًّا مِن تَزْوِيجِهِ، فَزَوَّجَهُ بِها، وزادَ نَدامَةً فَأرادَ قَتْلَهُ، وكانَ يَدُسُّ عَلَيْهِ حَتّى ماتَ، وهَذا قَوْلُ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فَعَلى هَذا ماتَ طالُوتُ عَلى مَعْصِيَتِهِ لِأنَّهُ لَمْ يَتُبْ مِن ذَنْبِهِ. وَرَوى مَكْحُولٌ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (إنَّ المُلُوكَ قَدْ قَطَعَ اللَّهُ أرْحامَهم فَلا يَتَواصَلُونَ حُبًّا لِلْمُلْكِ حَتّى إنَّ الرَّجُلَ مِنهم لَيَقْتُلُ الأبَ والابْنَ والأخَ والعَمَّ، إلاَّ أهْلَ التَّقْوى وقَلِيلٌ مّا هم، ولَزَوالُ جَبَلٍ عَنْ مَوْضِعِهِ أهْوَنُ مِن زَوالِ مُلْكٍ لَمْ يَنْقَضِ)» . ﴿وَآتاهُ اللَّهُ المُلْكَ والحِكْمَةَ﴾ يَعْنِي داوُدَ، يُرِيدُ بِالمُلْكِ السُّلْطانَ وبِالحِكْمَةِ النُّبُوَّةَ وكانَ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِ طالُوتَ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ مِن قَتْلِ جالُوتَ عَلى ما حَكاهُ ابْنُ السّائِبِ. (p-٣٢١) وَيَحْتَمِلُ وجْهًا ثانِيًا: أنَّ المُلْكَ الِانْقِيادُ إلى طاعَتِهِ، والحِكْمَةَ: العَدْلُ في سِيرَتِهِ ويَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ طالُوتَ عِنْدَ تَفَرُّدِهِ بِأُمُورِ بَنِي إسْرائِيلَ. ﴿وَعَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: صَنْعَةُ الدُّرُوعِ والتَّقْدِيرُ في السَّرْدِ. والثّانِي: كَلامُ الطَّيْرِ وحِكْمَةُ الزَّبُورِ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّهُ فِعْلُ الطّاعاتِ والأمْرُ بِها، واجْتِنابُ المَعاصِي والنَّهْيُ عَنْها، فَيَكُونُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ ﴿مِمّا يَشاءُ﴾ داوُدُ، وعَلى الثّانِي: ﴿مِمّا يَشاءُ﴾ اللَّهُ، وعَلى الثّالِثِ ﴿مِمّا يَشاءُ﴾ اللَّهُ ويَشاءُ داوُدُ. ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ﴾ في الدَّفْعِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ الهَلاكَ عَنِ البَرِّ بِالفاجِرِ، قالَهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ. والثّانِي: يَدْفَعُ بِالمُجاهِدِينَ عَنِ القاعِدِينَ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَفَسَدَتِ الأرْضُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: لَفَسَدَ أهْلُ الأرْضِ. والثّانِي: لَعَمَّ الفَسادُ في الأرْضِ. وَفي هَذا الفَسادِ وجْهانِ: أحَدُهُما: الكُفْرُ. والثّانِي: القَتْلُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب