الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ هذه الآية تتصلُ بما قبلَها بتقدير محذوف [[في (ش): (محذوف في اللغة بتقدمها) وهي زيادة.]] يتقدمها ويتصل بها، كأنه قيل: فأنزل الله عليهم صبرًا ونصرًا [[ساقط من (ي).]]، فهزموهم بإذن الله. وأصل الهزمِ في اللغة: الكسر، يقالُ: سقاءٌ مُنْهَزِمٌ: إذا تشقَّقَ مع جَفافٍ، وهَزَمْتُ العظم والقَصَبة هَزْمًا، وهزمت الجيشَ هزمًا وهَزِيمةً وهِزِّيمى مقصور، والهَزْمَةُ: نقرةٌ في الجبل أو في الصخرة. قال سفيان بن عينية في ذكر زمزم: هي هَزْمَةُ جبريل، يريد: هَزَمَها جبريلُ [[زيادة من (ي).]] برجله، فخرَجَ الماء، ويقالُ: سمعتُ هَزْمَةَ الرعد. قال الأصمعي: كأنَّهُ صوتٌ فيه تشقق، ويقالُ للسحابِ: هَزِيمٌ؛ لأنه يتشقَّقُ بالمطرِ، وهَزْمُ الضريع، وهَزْمه: ما تكسر منه [[ينظر في (هزم): "تهذيب اللغة" 4/ 3759، "المفردات" ص521، "لسان العرب" 8/ 4665، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 332.]]، قال قيسُ بن خويلد [[هو قيس بن عيزارة الهذلي، خويلد أبوه، وعيزارة أمه، وهو شاعر جاهلي، مات من داء من البطن في مكة. ينظر ترجمته في "معجم الشعراء" للمرزباني ص: 326، و"ديوان الهذليين" 3/ 82 - 83.]]. وحُبِسْن في هَزْمِ الضَّريعِ فكلُّها ... حَدْباءُ [[في (أ): (حربا)، وفي (م): (جربا).]] دَامِيَةُ اليَدَيْنِ حَرُودُ [[البيت في "شرح أشعار الهذليين" ص 598، "لسان العرب" 5/ 2581 (مادة: ضرع).]] فمعنى (هزموهم): كَسَرُوهم ورَدُّوهُم [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 332.]]. قوله تعالى: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾ قال المفسرون وأصحاب الأخبار: إن جالوت طلبَ البِرازَ فخرج إليه داود، وكان ممن عبر النهر مع طالوت، فرماه بحجر من مقلاعه، فوقَعَ بين عينيه، فخرجَ من قَفاهُ، وقَتَلَ من ورائه ثلاثين رجلًا، وانهزمَ القومُ عن آخرهم، وخَرَّ جالوتُ قَتيلًا [[ينظر هذه القصة في: "تفسير مجاهد" 1/ 113، "تفسير الطبري" 2/ 625 - 632 على اختلاف بين الروايات، "تفسير الثعلبي" 2/ 1378وما بعدها، "تفسير البغدادي" 1/ 303 - 307.]]. وقوله تعالى: ﴿وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ أي: جمع له المُلْك والنبوة [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1389.]]، قال ابن عباس: يريد بعد طالوت [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 300، ويذكر عن السدي فيما أخرج الطبري في "تفسيره" 2/ 632، و"ابن أبي حاتم" في "تفسيره" 3/ 480، وقال الضحاك والكلبي: ملك داود بعد قتل جالوت بسبع سنين، فلم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود. ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1388.]]. وقوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ قال الكلبيُّ: يعنى: صنعةَ الدروع، والتقدير: في السرد [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1389، والبغوي في "تفسيره" 1/ 307، وذكره الطبري في "تفسيره" 2/ 632 دون عزو لأحد.]]. وقيل: منطق الطير وكلام الحُكْل [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 332، والثعلبي في "تفسيره" 2/ 1390، والبغوي في "تفسيره" 1/ 307. والحكل: ما لا يسمع له صوت كالذر والنمل.]]. ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ قال ابن عباس [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1394، وأبو المظفر السمعاني 2/ 385.]] ومجاهد [[رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 633، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 480، والثعلبي 2/ 1394.]]: لولا دفع الله بجنود المسلمين وسراياهم ومرابطيهم لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين وخربوا [[في (م): (لغلب المشركون فيقتلوا المؤمنين ويخربوا).]] البلاد والمساجد. وقال سائر المفسرين: لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار، لفسدت الأرض ولهلكتْ بِمَنْ فيها [["تفسير الثعلبي" 2/ 1394، و"تفسير البغوي" 1/ 307.]]. وتصديقُ هذا: ما روي أن النبي ﷺ قال: "يدفع الله بمن يصلي من أمتي عمَّنْ لا يصلُي، وبمن يزكي، عمَّن لا يزكِّي، وبمن يصومُ عمَّن لا يصوم، وبمن يَحُجُّ عمن لا يَحُجُّ، وبمن يُجاهدُ عمن لا يجاهد، ولو اجتمعوا على تركِ هذه الأشياء ما ناظَرَهُم [[أي: ينظرهم، وهي كذلك عند الثعلبي.]] الله طرفةَ عين"، ثم تلا رسولُ الله ﷺ هذه الآية [[ذكره الديلمي في "فردوس الأخبار" 5/ 364، من حديث ابن عباس، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 480 دون طرفه الأخير، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 97 عن ابن عباس موقوفًا. وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1394.]]. واختلف القراء في قوله ﴿دَفْعُ اللَّهِ﴾ فقرأ بعضهم: (دفاعُ الله)، وقرأ بعضهم: (دفعُ الله) [[قرأ نافع (دفاع)، وقرأ الباقون (دفع). ينظر "السبعة" لابن مجاهد، ص 187.]]. ومعنى الدفع: الصرف عن الشيء [[ينظر: "المفردات" ص 177، "لسان العرب" 3/ 1394 مادة (دفع). قال الراغب: الدفع إذا عُدِّي بـ إلى اقتضى معنى الإنالة، نحو قوله تعالى: ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾، وإذا عُدِّي بـ (عن) اقتضى معنى الحماية، نحو: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.]]. والدفاع يحتمل أن يكون مصدرًا لِفَعَلَ، كالكتاب واللقاء والنكاح، ونحوها من المصادر التي جاءت على فِعالٍ، ويجوزُ أن يكون مصدرًا لفاعَلَ [[ساقط من (م).]]، يُدلُّ على ذلك قراءةُ من قرأ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: 38]، ونظيرُ الدفاع في كونه مصدرًا لِفَعَلَ وفاعَلَ: الكتاب، فقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النور: 33]، الكتاب فيه مصدر: كاتَبَ. وقال: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 24] فالكتاب هاهنا: مصدرٌ لِكَتَبَ؛ لأن المعنى: كَتَبَ [[ساقط من (أ) و (م).]] هذا التحريمَ عليكم، ومعنى (دَفَعَ) و (دافَعَ) سواء، قال أبو ذؤيب: ولَقَدْ حَرِصْتُ بأن أُدَافِعَ عَنْهُم ... فإِذا المَنِيَّةُ أقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ [[البيت لأبي ذؤيب الهذلي، في "شرح أشعار الهذليين" ص 8، "لسان العرب" 2/ 835 (مادة: حرص).]] المعنى: حرصتُ بأن أدفعَ عنهم المنيةَ فإذا المنيةُ لا تُدْفَعُ [[توجيه القراءة كله منقول من "الحجة" لأبي علي الفارسي 2/ 352 - 353.]]. ونصب (بعضهم) على البدل من الناس [[ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 280، "التبيان" 1/ 150.]]، المعنى: ولولا دفع الله بعض الناس ببعض.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب