الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ الآية، قال الفراء [["معاني القرآن وإعرابه" 1/ 424.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 433.]] وابن الأنباري وجميع أهل المعاني [[انظر: "معاني القرآن" للنحاس 3/ 186، و"إعراب القرآن" له 2/ 6، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب ص 324، و"البرهان" للحوفي 11/ 143. قلت: قوله "جميع أهل المعاني" فيه نظر؛ فإن الأخفش الأوسط قدر المضمر بقوله: كيف لا تقتلونهم. انظر: "معاني القرآن" له 1/ 355، وجوز أبو البقاء أن يكون المقدر: كيف تطمئنون إليهم. انظر: "التبيان في إعراب القرآن" ص 415.]]: "أي كيف يكون لهم عهد وحالهم ما وصف في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا﴾ الآية، ولكنه حذف ما يتعلق به (كيف)؛ لأنه قد ذكر قبل هذا في الآية المتقدمة فاكتفى به، قال الفراء: "وإذا أعيد الحرف وقد مضى معناه استجازوا حذف الفعل، وأنشدوا [[في "معاني القرآن": كما قال الشاعر.]]: وخبرتماني أنما الموت في القرى ... فكيف وهذي هضبة وكثيب [[البيت لكعب بن سعد الغنوي من قصيدة يرثي فيها أخاه أبا المغوار الذي مات في البادية، وكان أخوه فرّ به من وباء المدينة انظر: "الأصمعيات" ص97، و"شرح أبيات سيبويه" 2/ 269، و"كتاب سيبويه" 3/ 487، و"لسان العرب" (تفسير هذا) 6/ 3780 (قول). يقول الشاعر: لقد أخبرني الناس أن الموت يكون في القرى حيث الوباء، فكيف مات أخي في الصحراء حيث الهضاب والكثبان وطيب الهواء.]] [["معاني القرآن" للفراء 1/ 424.]] أي فكيف مات وليس بقرية، وأنشد أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 433.]] وأبو بكر قول الحطيئة: فكيف ولم أعلمهُم خذلوكمُ ... على معظَم ولا أديمكمُ قدُّوا [["ديوانه" ص 140، وفيه: على موطن، ونسب إليه أيضاً في "معاني القرآن" للفراء 1/ 424، و"معاني القرآن" للزجاج 2/ 479، و"الدر المصون" 6/ 16. وقوله: على معظم: أي أمر عظيم. والأديم: الجلد، وقده: شقه، والمراد: لم يطعنوا في أعراضكم ولم يأكلوا لحومكم بالغيبة.]] أراد: فكيف يكون ما تقولون حقًّا والأمر على ما أصف. وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يقال: ظهرت على فلان: إذا علوته، وظهرت على السطح: إذا صرت فوقه، قال الليث: "الظهور: الظفر بالشيء" [["تهذيب اللغة" (ظهر) 3/ 2259 ت والنص في كتاب "العين" (ظهر) 4/ 37.]]، وأظهر الله المسلمين على المشركين أي أعلاهم عليهم، ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: 14] وقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: 33، الفتح: 28، الصف: 9]، أي: ليعليه [[ساقط من (ى).]]، قال أهل المعاني: "الظهور: العلو بالغلبة [[ساقط من (ى).]]، وأصله خروج الشيء إلى حيث يصلح أن يدرك" [[في "المفردات" (ظهر) ص 318: ("ظهر الشيء: أصله أن يحصل شيء على ظهر الأرض ثم صار مستعملًا في كل بارز مبصر". اهـ. باختصار.]]، قال ابن عباس: "يريد: أن يقدروا عليكم" [["تنوير المقباس" ص 188 بمعناه.]]. وقوله تعالى: ﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾، قال الليث: "رقب الإنسان يرقبه رقبة ورقوبًا [[في "تهذيب اللغة" وكتاب العين: رقبانًا.]]، وهو أن ينتظره، ورقيب القوم حارسهم" [["تهذيب اللغة" (رقب) 2/ 1448، ونحوه في كتاب "العين" (رقب) 5/ 154.]]، وقوله: ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: 94] أي لم تحفظه، وقيل: لم تنتظر [[هذا قول ابن جريج، والأول قول ابن عباس، رواه عنهما ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 4/ 548.]]، وهذان معنيان يرجعان إلى واحد، وهو أن معنى الرقوب: العمل في الأمر على ما تقدم به العهد، فالحفظ والانتظار داخل في هذا، قال ابن عباس: "لا يحفظوا" [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 81 ب، والبغوي 4/ 15.]]، وقال الضحاك: "لا ينتظروا" (¬7)، وقال قطرب: "لا يراعوا" (¬7). واختلفوا في معنى الإل [[في (ى): (الأول)، وهو خطأ.]]، فقال أبو عبيدة: "الإل: العهد" [["مجاز القرآن" 1/ 253 ونص قوله: العهد والعقد واليمين.]]، وقال الفراء: "الإل: القرابة" [["تهذيب اللغة" (أل) 1/ 184، و"لسان العرب" (ألل) 1/ 112.]]، وقال إسحاق: "وقيل [[ساقط من (ي).]]: الإل: الحلف، يعني الجوار، وقيل: الإل: اسم من أسماء الله -عز وجل-" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 433.]]. وأما قول المفسرين: فقال ابن عباس والضحاك: "قرابة" [[رواه عنهما ابن جرير 10/ 84، والثعلبي 6/ 81 أ، وابن أبي حاتم 6/ 1758.]]، وهو رواية منصور [[هو ابن المعتمر.]] عن مجاهد [[رواه بمعناه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1758 من رواية ابن أبي نجيح.]]، وقال قتادة: "الإل: الحلف" [[رواه ابن جرير 10/ 84، والثعلبي 6/ 81 أ، والبغوي 4/ 15.]]، وقال السدي وابن زيد: "هو العهد" [[رواه عنهما ابن جرير 10/ 84، والثعلبي 6/ 82 أ.]]، وهو إحدى الروايات عن مجاهد [[هي رواية ابن أبي نجيح وخصيف عنه. انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 85، و"تفسير الإمام مجاهد" ص 365.]]، وقال في سائر الروايات: "الإل هو الله -عز وجل-" [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 83، والثعلبي 6/ 82 أ، وابن أبي حاتم 6/ 1758.]]، وهو قول أبي مجلز [[هو: لاحق بن حميد الشيباني السدوسي البصري، من كبار التابعين، إمام ثقة، مشهور بكنيته، توفي سنة 106هـ على القول المشهور. انظر: "الكاشف" 3/ 217، و"تهذيب التهذيب" 4/ 582، و"تقريب التهذيب" ص 586 (7490).]] [[رواه ابن جرير 10/ 83، والثعلبي 6/ 82 أ، قال ابن حجر في"فتح الباري" 6/ 267: "عن مجاهد: الإل: الله، وأنكره عليه غير واحد".]]، وبكل هذه المعاني في الإل جاءت الأشعار، قال حسان: لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب [[في (ح): (السيف)، وهو خطأ.]] من رأل النعام [["ديوانه" ص 216، و"تفسير ابن جرير" 10/ 85، و"لسان العرب" (ألل) 1/ 113. == والسقب: الذكر من ولد الناقة، كما في "الصحاح" (سقب) 1/ 148، والرأل: ولد النعام، كما في المصدر نفسه (رأل) 4/ 1703. والمعنى: ما قرابتك من قريش إلا كقرابة ولد الناقة من ولد النعام، فأنت دعي ملصق فيهم.]] يعني القرابة، وقال أوس بن حجر: لولا بنو مالك والإل مرقبة ... ومالك فيهم الإلاء والشرف [["ديوانه" ص31، وتفسير الثعلبي 6/ 81 ب.]] يعني الحلف، وقال آخر [[لم أهتد إلى قائله، وهو بلا نسبة في "تفسير الطبري" 10/ 85، والثعلبي 6/ 82 أ، و"البرهان" للحوفي 11/ 145 ب، و"الدر المصون" 6/ 17.]]: وجدناهم كاذبًا إِلّهم ... وذو الإِلّ والعهد لا يكذب يعني العهد، وفي حديث أبي بكر أنه قال: "إن هذا الكلام لم يخرج من إل" [[ذكر هذا الأثر أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 100، والثعلبي في "تفسيره" 6/ 82 أ، ونصه عنده: إن ناسًا قدموا على أبي بكر -رضي الله عنه- من قوم مسيلمة فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرءوا، فقال أبو بكر: إن هذا ... إلخ.]]، يعني الله -عز وجل-. قال أبو إسحاق: "وليس عندنا بالوجه قول من قال: الإل اسم من أسماء الله معروفة ومعلومة كما تُليت في القرآن، وسمعت في الأخبار، ولم يسمع الداعي يقول في الدعاء يا إل، قال: وحقيقة "الإل" عندي على [[ساقطة من (ى).]] ما توجبه اللغة: تحديد الشيء [[في (ى): (تحديدًا للشيء)، وما أثبته موافق لسائر النسخ، و"معاني القرآن وإعرابه"، و"تهذيب اللغة".]]، فمن ذلك الألة: الحربة [[في (ح): (الجزية)، وهو خطأ.]] وأذن مؤَلَّلة [[في "معاني القرآن وإعرابه"، و"تهذيب اللغة". آذن مؤللة: إذا كانت محددة.]]، فالإل يخرج في جميع ما فسر من العهد والقرابة والجوار من [[في"معاني القرآن وإعرابه" و"تهذيب اللغة": على.]] هذا، إذا [[هكذا في جميع النسخ و"تهذيب اللغة"، وفي"معاني القرآن وإعرابه": فإذا.]] قطت في العهد: بينهما إلّ، [فتأويله أنهما قد حددا في أخذ العهود] [[ما بين المعقوفين ساقط من "معاني القرآن وإعرابه" المطبوع، كما يظهر بالمقابلة مع هذا النص ومع "تهذيب اللغة" و"لسان العرب" (ألل).]] [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 434، و"تهذيب اللغة" (أل) 1/ 184 - 185 مع اختلاف يسير.]]، وكذلك في الجوار والقرابة، وقال الأزهري: "إيل من أسماء الله -عز وجل- بالعبرانية، فجائز أن يكون أعرب فقيل: إل [[في"تهذيب اللغة": إسرائيل.]] " [["تهذيب اللغة" (أل) 1/ 184 - 185، وقد نسب الأزهري الجملة الأولى لابن السكيت.]]. وقال بعض أهل المعاني: "الأصل في جميع ما فسر به الإل: العهد، وهو مأخوذ من قولهم ألّ يؤلّ [[في (ى): (يؤول).]] إلا، إذا صفا وبرق ولمع، ومنه الألّه للمعانها، وأذن مؤللة: مشبهة بالحربة في تحديدها، فالعهد سمي إلا [[في (ح) و (ى): (الإل).]] لظهوره وصفائه من شائب الغدر" [[ذكر نحو هذا القول الرازي في "تفسيره" 15/ 231.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا ذِمَّةً﴾ الذمة: العهد، وجمعها ذمم وذمام، وهو كل حرمة تلزمك إذا ضيعتها المذمة، وقال أبو عبيدة: "الذمة: ما يتذمم منه" [["مجاز القرآن" 1/ 253، ونص قوله: "الذمة: التذمم ممن لا عهد له".]]. يعني ما يجتنب فيه الذم، يقال: تذمم فلان أي: ألقى عن نفسه الذم، نحو: تحوب [[تحوب: قال أبو عبيد في "غريب الحديث" 2/ 221: "قد يكون التحوب: التعبد== والتجنب للمأثم" اهـ. وفي "لسان العرب" (حوب) 2/ 1036، يقال: "تحوب: إذا تعبد، كأنه يلقي الحُوب عن نفسه، كما يقال: تأثم، وتحنث".]] وتأثم وتحرج، وذُكر في التفسير الوجهان في معنى الذمة، فقال الأكثرون: العهد، وهو قول ابن عباس [[رواه ابن جرير 10/ 84، وابن أبي حاتم 6/ 1758.]]، ومن فسر الإلّ بالعهد قال: "إنما كرر لاختلاف اللفظين للتأكيد والمعنى واحد" [[هذا قول ابن زيد، انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 84، و"البرهان" للحوفي 11/ 145 أ.]]، وهو مذهب المبرد [[لم أقف على مصدره.]]، وحكى محمد بن جرير [[يعني الطبري، انظر: "تفسيره" 10/ 85، والقول لأبي عبيدة كما في "مجاز القرآن" 1/ 253.]]: "إن الذمة في هذا الموضع: التذمم ممن لا عهد له". وقوله تعالى: ﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]﴾، قال ابن عباس: "يريد: يقولون بألسنتهم كلاما حلوًا، وفي القلب [[في (ى): (قلوبهم).]] ضمير لا يحبه الله" [["تنوير المقباس" ص 188 بمعناه.]]، وقال سعيد بن جبير: "يرضونكم بالحسن من القول وتأبى قلوبهم الوفاء به" [[لم أقف على مصدره.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾، قال ابن عباس: "يريد: كاذبون" [[ذكره ابن الجوزي 3/ 403 بمعناه.]]، وقال غيره: "ناقضون العهد" [[هذا قول ابن جرير باختصار، انظر: "تفسيره" 10/ 85.]]، وقال أهل المعاني: "الكفار كلهم فاسقون وتخصيص أكثرهم ههنا [[ساقط من (ى).]] على وجهين: أحدهما: أنه أراد المتمردين، والثاني: أنه وضع الخصوص موضع العموم" [[انظر: "البحر المحيط" 5/ 13.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب