الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وعِنْدَ رَسُولِهِ إلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُّمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ فَما اسْتَقامُوا لَكُمْ فاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ كَيْفَ وإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاًّ ولا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وتَأْبى قُلُوبُهُمْ وأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ ﴾ [التوبة: ٧ ـ ٨].
في هذه الآيةِ: بيانٌ لسببِ إنهاءِ العهدِ الذي بين المُسلِمينَ ومَن له عهدٌ مُطلَقٌ مِن المشرِكينَ، وأنّ اللهَ أرادَ إنهاءَ ذلك، لأنّه يُبقِيهم على الشِّرْكِ الدائمِ، فإنّ الصُّلْحَ معَ المشرِكِ الوثَنيِّ إذا كان دائمًا: يُبقيهِ على وثَنيَّتِهِ وكفرِهِ دومًا، ويَجعلُهُ عاليًا نِدًّا للمُسلِمينَ، وظاهرُ الآياتِ تحريمُ العهدِ المطلَقِ إلاَّ لضرورةٍ في زمَنِ ضَعْفِ المُسلِمينَ وتكالُبِ الأُمَمِ عليهم، فإنّ الزمنَ الذي يكونُ فيه عهدٌ وسلامٌ مطلَقٌ: تتساوى فيه أمَّةُ الكفرِ وأمَّةُ الإسلامِ، ويَظهَرُ إعجابُ المُسلِمِينَ بالكافِرِينَ، ويَضعُفُ الولاءُ للمؤمنينَ والبَراءُ مِن الكافرينَ، وتَكثُرُ الرِّدَّةُ فضلًا عن الفِسْقِ.
وإنْ جازَ ذلك مِن النبيِّ ﷺ زمَنَ تكالُبِ الناسِ عليه، وقِلَّةِ عددِ المؤمنينَ وعَتادِهم، فإنّ اللهَ نسَخَهُ ورفَعَ العهدَ المطلَقَ لمّا ظهَرَ للمُسلِمينَ قوَّةٌ ولهم سُلْطانٌ يُهابُ ويَرْعَبُ.
وقد رفَعَ اللهُ العهدَ المطلَقَ عمَّن صالَحَهُ وعاهَدَهُ ولم ينقُضْ عهدَهُ، فضلًا عمَّن عاهَدَ ونقَضَ وظَنَّ بقاءَ عهدِه، وقد عاهَدَ النبيُّ ﷺ أقوامًا، كقُرَيْشٍ وبني بكرٍ وخُزاعةَ.
وفي قولِه تعالى: ﴿إلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُّمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ عِظَمُ العهدِ عندَ البيتِ وفي الحَرَمِ، فإنّ العَهْدَ والأَيْمانَ قد تعظُمُ في زمَنٍ فاضلٍ كبَعْدِ العصرِ ويومِ الجُمُعةِ وكلِّ زمَنٍ دلَّ دليلٌ على فضلِه، وكذلك في المكانِ الفاضلِ، كالحَرَمِ والمساجِدِ ومِنبَرِ النبيِّ ﷺ.
ومَن عاهَدَهمُ النَّبيُّ عندَ المسجِدِ الحرامِ، قال ابنُ عبّاسٍ: هم قريشٌ وأهلُ مَكَّةَ[[«تفسير الطبري» (١١ /٣٥١ ـ ٣٥٢)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٦ /١٧٥٧).]]، وبِنَحْوِهِ قال قتادةُ: هم أهلُ الحُدَيْبِيَةِ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٦ /١٧٥٧).]]، فقد كان الصُّلْحُ بينَ الحِلِّ والحرَمِ، وقال مجاهدٌ: هم خُزاعةُ[[«تفسير الطبري» (١١ /٣٥٣).]]، وقال السُّدِّيُّ: هم بنو جَذِيمَةَ[[«تفسير الطبري» (١١ /٣٥٠)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٦ /١٧٥٦).]]، وقال ابنُ إسحاقَ: هم بنو بكرٍ[[«تفسير الطبري» (١١ /٣٥١).]].
وكلُّ مَن له عهدٌ سابقٌ فهو داخِلٌ في هذه الآيةِ، وتخصيصُ المسجدِ الحرامِ، لبيانِ خصيصتِه، وتعظيمِ قدرِ العهدِ فيه.
وفي هذه الآيةِ: أنّ عمومَ الأمكِنةِ في قولِه تعالى: ﴿واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] يُستَثْنى منه الحرَمُ لتعظيمِه، وقد تقدَّمَ الكلامُ على حُكْمِ القتالِ في الحرَمِ، وإقامةِ الحدودِ والعقوباتِ فيه عندَ قولِهِ تعالى: ﴿ولا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١].
وكذلك فإنّ عمومَ الأزمنةِ في قتالِ الكفارِ استُثْنِيَ منه الأشهُرُ الحرُمُ وأشهُرُ التسييرِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ على نَسْخِ القتالِ في الأشهُرِ الحُرُمِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ﴾ [البقرة: ١٩٤]، وقولِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وقولِهِ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ ولا الشَّهْرَ الحَرامَ﴾ [المائدة: ٢].
{"ayahs_start":7,"ayahs":["كَیۡفَ یَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِینَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِیمُوا۟ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِینَ","كَیۡفَ وَإِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ لَا یَرۡقُبُوا۟ فِیكُمۡ إِلࣰّا وَلَا ذِمَّةࣰۚ یُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَـٰسِقُونَ"],"ayah":"كَیۡفَ وَإِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ لَا یَرۡقُبُوا۟ فِیكُمۡ إِلࣰّا وَلَا ذِمَّةࣰۚ یُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق