الباحث القرآني
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ الآية، قال ابن عباس: يريد صدقات الأموال [[لم أقف على مصدره.]]. وذكرنا معنى الصدقة عند قوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 271] الآية [[انظر: "النسخة الأزهرية" 1/ 161 أحيث قال: الصدقة تطلق على الفرض والنفل، والزكاة لا تطلق إلا على القرض، قال الزجاجي: (ص د ق) على هذا الترتيب موضوع للصحة والكمال، من ذلك قولهم: رجل صدق النظر، وصدق اللقاء وصدقوهم القتال، وفلان صادق المودة .. وسمى الله تعالى الزكاة صدقة؛ لأن المال بها يصح ويكمل، فهي سبب لكمال المال.]].
واختلفوا في معنى الفقير والمسكين، والكلام في اشتقاقهما قد سبق [[ذكر الكلام في اشتقاق المسكنة عند تفسير الآية 61 من سورة البقرة، وذكر اشتقاق الفقير عند قوله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ [البقرة: 268]، وأصله في اللغة: المفقور الذي نزعت فقرة من فقر ظهره، فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر، فصرف من مفقور إلى فقير، كما قيل: مجروح وجريح. انظر: "تهذيب اللغة" (فقر) 3/ 2812 - 2813، و"اللسان" (فقر) 6/ 3444.]]، فأما معناهما: فقال ابن عباس والحسن وجابر بن زيد [[هو: جابر بن زيد الأزدي اليحمدي مولاهم، البصري، المعروف بأبي الشعثاء، كان عالم أهل البصرة، في زمانه، وفي طبقة الحسن البصري وابن سيرين، ومن كبار تلاميذ ابن عباس، كان لبيبًا مجتهدًا في العبادة، توفي سنة 93هـ. == انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 204، و"حلية الأولياء" 3/ 85، و"سير أعلام النبلاء" 4/ 481، و"تهذيب التهذيب" 2/ 279.]] والزهري ومجاهد وابن زيد: الفقير: المتعفف الذي لا يسأل الناس [[ساقط من (م).]]، والمسكين الذي يسأل [[أخرج آثارهم بألفاظ متقاربة ابن جرير 10/ 158 - 160، والثعلبي 6/ 117 أ، كما خرج أكثرها السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 449 - 450.]]، وهذا اختيار الفراء، قال: الفقراء أهل الصفة لم تكن لهم عشائر ولا مال كانوا يأوون إلى مسجد رسول الله -ﷺ- والمساكين: الطوافون على الأبواب [["معاني القرآن" 1/ 443 بتصرف ويعني الفراء التمثيل بأهل الصفة لا الحصر.]] [[رجح هذا القول أبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 446 وأيده بالحجج النقلية واللغوية، ورد ما يمكن أن يعترض به عليه. وقد قال قبل ذلك: إن قول من قال: المسكين كذا، والفقير كذا، لم يقل إنه لا يقال لغيره مسكين ولا فقير. وانظر أيضًا: "تفسير الطبري" 10/ 159 - 160 فهو يؤيد هذا القول.]].
وسئل أبو العباس عن تفسير الفقير والمسكين فقال: قال أبو عمرو بن العلاء فيما روى عنه [[في (ج): (عن)، وما أثبته موافق لما في "تهذيب اللغة".]] الأصمعي: الفقير [الذي له ما يأكل، والمسكين الذي لا شيء له [["تهذيب اللغة" (فقر) 3/ 2812.]].
وقال يونس [[هو: يونس بن حبيب البصري.]]:] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] الفقير يكون له بعض ما يقيمه، والمسكين الذي لا شيء له، وقال [[ساقط من (ي)، والقائل يونس كما بينه الأزهري المصدر التالي.]]: قلت لأعرابي أفقير أنت؟ قال: لا والله بل مسكين، قال: فالمسكين أسوأ حالاً من الفقير، والفقير الذي له بلغة من العيش [[انظر أقوال يونس في "تهذيب اللغة" (فقير) 3/ 2813.]]، ونحو هذا قال ابن السكيت [[انظر: "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم" (فقر) 2/ 572.]] وابن قتيبة [[انظر: "تفسير غريب القرآن"، له ص 196.]]، وهو مذهب أهل العراق [[انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 901، و"المغني" لابن قدامة 9/ 306، 307، و"تفسير البغوي" 4/ 62، و"حاشية ابن عابدين" 2/ 339.]]، واحتجوا على هذا بقول الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد [[انظر: "ديوانه" ص 64 ونسب إليه أيضاً في: "طبقات فحول الشعراء" 1/ 511، و"لسان العرب" (فقر)، و"المخصص" 12/ 285.
والسبد: الوبر، والعرب تقول: ما له سبد ولا لبد، أي ماله ذو وبر ولا صوف متلبد، انظر: "لسان العرب" (سبد) 4/ 1918، والشاعر يشكو السعاة والعاملين على الصدقات من قبل عبد الملك بن مروان، ويقول: إنهم لم يرحموا أحدًا حتى الفقير الذي لا يملك إلا ناقة حلوبًا على قد عياله، أخذت منه، ولم يترك له شيء.]]
فسماه فقيرًا، وله حلوبة تكفيه وعياله [[ذكر الأزهري أنه لا حجة في هذا البيت؛ لأن المعنى: كانت لهذا الفقير حلوبة فيما مضى دون الحالة الحاضرة. انظر: "تهذيب اللغة" (فقر) 3/ 2813، وسبقه أبو بكر بن الأنباري في "الزاهر في معاني كلمات الناس" 1/ 128.]].
وقال محمد بن مسلمة [[في (ي): (سلمة)، وما أثبته موافق لمصدري تخريج القول.]] [[هو: محمد بن مسلمة بن الوليد، أبو جعفر الواسطي الطيالسي، محدث معمر، قال الدارقطني: لا بأس به، وقال الخطيب: رأيت أبا القاسم اللالكائي والحسن بن محمد الخلال يضعفانه، قال: وله مناكير، توفي سنة 282 هـ.
انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 305، و"سير أعلام النبلاء" 13/ 395.
أقول: هذا ما ترجح لدي أنه المذكور، ولست على يقين بذلك وأستبعد أن يكون هو محمد بن مسلمة ألأنصاري الصحابي كما جزم بذلك مفهرس "تفسير القرطبي" 22/ 326؛ ألأن النص في "تفسير الثعلبي" طويل، وفيه تعليلات لم يعهد مثلها في == كلام الصحابة، ونص قوله: .. (والمسكين: الذي لا ملك له، قال: وكل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه، وإن كان غنيًا عن غيره، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر: 15]، والمسكين المحتاج إلى كل شيء، ألم تر كيف حض على إطعامه ..) إلخ. انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 117 ب.]]: الفقير الذي له المسكن يسكنه والخادم يخدمه [[هذا خلاف ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو، وسأله رجل فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادمًا، قال: فأنت من الملوك. "صحيح مسلم" (2979) كتاب: الزهد.]]، والمسكين الذي لا ملك له [["تفسير الثعلبي" 6/ 117 ب، والقرطبي 8/ 171.]]، وهؤلاء قالوا [[في "تفسير الثعلبي" القائل هو: محمد بن مسلمة.]]: كل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنيًا عن غيره، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر: 15] والمسكين المحتاج إلى كل شيء، ألا ترى كيف حض على إطعامه وجعل الكفارات من الأطعمة له ولا فاقة أعظم من سد الجوعة.
وقال الشافعي: الفقراء: الزمنى الضعاف الذي لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة التي لا تقع حرفته من حاجتهم موقعًا، [والمساكين: السؤال ممن لهم حرفة تقع موقعًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] ولا تغنيه وعياله [["الأم" 2/ 110.]]، فالفقير أشدهما حالاً عند الشافعي وإلى هذا ذهب جماعة [[ساقط من (ج). وانظر: "كتاب الأموال" ص 717 - 719؛ و"المغني" 9/ 306، و"لسان العرب" (فقر) 6/ 3444 - 3445.]]، وقال أحمد بن عبيد [[هو: أحمد بن عبيد بن ناصح الديلمي ثم البغدادي، أبو جعفر النحوي، المعروف == بأبي عصيدة، من نحاة الكوفة، كان نحويًّا محدثًا رأسًا في العربية من أهل الصدق، وهو من تلاميذ الأصمعي ومن شيوخ أبي بكر بن الأنباري، توفي سنة 278 هـ. انظر: "تاريخ بغداد" 4/ 258، و"نزهة الألباء" ص 158، و"وإنباه الرواة" 1/ 119.]]: المسكين أحسن حالاً من الفقير؛ لأن الفقير أصله في اللغة المفقور الذي نزعت فقرة من فقر ظهره، فصرف عن مفقور إلى فقير كما قيل: مطبوخ وطبيخ ومجروح وجريح [[ذكره بنحوه أبو بكر بن الأنباري في كتابه "الزاهر في معاني كلمات الناس" 1/ 128، وانظر أيضًا: "تهذيب اللغة" (فقر) 3/ 2813، (سكن) 2/ 1724.]]. وقال خالد بن يزيد [[هو أبو الهيثم الرازي.]]: كأن الفقير إنما سمي فقيرًا لزمانة تصيبه مع حاجة شديدة، تمنعه الزمانة من التقلب في الكسب على نفسه فهذا هو الفقير [[اهـ. كلام خالد بن يزيد في "تهذيب اللغة" (فقر) 3/ 2813.]]، ولا حال في الإقلال والبؤس هي أوكد من هذه الحال، وأنشدوا للبيد:
لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم [[في (ي): (الفقير)، وهو خطأ.]] كالفقير الأعزل [[البيت في "ديوان لبيد" ص34، وفي "شرحه" ص 274، ونسب إليه أيضًا في "تهذيب اللغة" (فقر) 3/ 2813، و"لسان العرب" (فقر) 6/ 3445. ولبد: هو النسر السابع من نسور لقمان بن عاد، والأعزل من الخيل: المائل الذنب.
والشاعر يذكر قصة متداولة عند العرب؛ إذ يقال أن لقمان بن عاد خُيّر في عمره، فاختار أن يكون كعمر سبعة أنسر، فكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في فجوة في الجبل الذي هو في أصله، فيعيش الفرخ خمسمائة سنة أو أقل أو أكثر، فإذا مات أخذ آخر مكانه، حتى هلكت ستة، فأخذ السابع وسماه لبدًا، وكان أطولها عمرًا حتى ضرب به المخل، فقيل: طال الأبد على لبد، ثم هلك النسر، فمات لقمان، وقد زعموا أنه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. انظر: "شرح ديوان لبيد" ص 274، و"مجمع الأمثال" 1/ 429.]] قال ابن الأعرابي في هذا البيت: الفقير: المكسور الفقار يضرب مثلاً لكل ضعيف لا ينفذ في الأمور [["تهذيب اللغة" (فقر) 3/ 2813.]].
وقال قتادة: الفقير: الزمن المحتاج، والمسكين: الصحيح المحتاج [[رواه ابن جرير 10/ 158، وابن أبي حاتم 6/ 1819 - 1820، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 449، وزاد: عبد الرزاق وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ.]]، فجعل الفقير أسوأ حالاً، ومما يدل على صحة هذا القول أن الله ابتدأ بذكرهم، فدل أنهم أولى الأصناف بالصدقات لسوء حالهم، وما روي أن رسول الله -ﷺ- تعوذ من الفقر [[رواه أبو داود (1544) كتاب: الصلاة، باب: في الاستعاذة، والنسائي في "سننه" كتاب: الاستعاذة، الاستعاذة من القلة 8/ 261، وابن ماجه (2842)، كتاب: الدعاء، باب: ما تعوذ منه رسول الله -ﷺ-، وأحمد في "المسند" 2/ 305، والحاكم في "المستدرك"، كتاب: الدعاء 1/ 541. وقال: صحيح الإسناد. اهـ. ولفظ الحديث عنده وعند أحمد: "اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة .. " الحديث.]]، وروي عنه أنه قال: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا [[قال ابن الأثير: أراد به التواضع والإخبات، وأن لا يكون من الجبارين المتكبرين. "النهاية في غريب الحديث" (سكن) 2/ 385، ونحوه في "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 19.]]، واحشرني في زمرة المساكين" [[رواه الترمذي (2352) كتاب: الزهد، باب: ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، وقال: حديث غريب، وابن ماجه (4126)، كتاب: الزهد، باب. مجالسة الفقراء، والحاكم في "المستدرك" كتاب: الرقاق 4/ 322، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهو وهم منهما؛ لأن جميع أسانيد الحديث لا تخلو من قادح، ولذا قال الألباني بعد أن ذكر من صححه: (وهذا عجيب منهم، خاصة الذهبي فقد أورد يزيد بن خالد هذا في "الضعفاء" ص 207، == و"الميزان" 6/ 95، وساق أقوال الأئمة فيه، وكلها تتفق على تضعيفه، وساق له أحاديث فيما أنكرت عليه هذا أحدها).
ثم ساق الألباني شاهدين ضعيفين للحديث ثم قال: (والخلاصة: أن جميع طرق الحديث لا تخلو من قادح، إلا أن مجموعها يدل على أن للحديث أصلاً، فإن بعضها ليس شديد الضعف كحديث أبي سعيد وعبادة، والأحاديث تصل بمجموعها إلى درجة الحسن. يعني: الحسن لغيره). انظر: "إرواء الغليل" رقم (8611) 3/ 358 - 363.]].
فلو كان المسكين أسوأ حالاً من الفقير لتناقض الحديثان؛ لأنه يتعوذ من الفقر ثم يسأل حالاً أسوأ منه، ولا تناقض بينهما؛ لأنه تعوذ بالله من الضر [[في (ج): (الضرر).]]، وسوء الحال، وسأله الخضوع وأن لا يجعله من الجبارين.
والمسكنة حرف مأخوذ من السكون، يقال: تمسكن الرجل: إذا لان وتواضع وخشع، ومنه قول النبي -ﷺ-: "تبأس وتمسكن" [[هذا بعض حديث رواه أبو داود (1296)، كتاب: الصلاة، باب: في صلاة النهار، وابن ماجه (1325)، كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.]] يريد: تواضع وتخشع، فيجوز أن يكون الرجل يملك شيئًا، وله حالة من الدنيا، ويكون مسكيناً على ما ذكرنا، ألا ترى أن الله تعالى استجاب دعاء نبيه -عليه السلام- وأعاذه من الفقر؛ لأنه قبضه موسرًا غنيًا بما أفاء عليه، وإن كان لم يضع درهمًا على درهم، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 8]. هذا الذي ذكرنا كلام ابن قتيبة في هذين الحديثين [[انظر: "تأويل مختلف الحديث" ص 196.]].
واحتد ابن الأنباري لهذه [[في (ج): (بهذه).]] الطريقة بقوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] الآية، فوصف بالمسكنة من له سفينة من سفن البحر تساوي جملة من الدنانير [[ليس في هذا دليل على ما ذكر؛ لأن العرب تطلق لفظ المسكين على الذليل الخاضع، فإن كان الذي أذله هو الفقر، كان فقيرًا مسكينًا، وإن كان الذي أذلة غير الفقر، فهو مسكين غير فقير، كما أشار إلى ذلك المؤلف، قال ابن عرفة بعد أن ذكر نحو ما سبق: "إذا كان مسكينًا قد أذله سوى الفقر فالصدقة لا تحل له، إذ كان شائعًا في اللغة أن يقال: ضرب فلان المسكين، وظلم المسكين، وهو من أهل الثروة واليسار". "لسان العرب" (فقر) 6/ 3444.]]، وبقوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)﴾ [البلد: 14 - 16]، ومسكين ذو متربة: هو الفقير الذي قد لصق بالتراب من شدة الفقر، والمسكين الذي ليس بذي متربة هو أحسن حالاً من الفقير؛ لأنه ذو مال، ونعت الله تعالى هذا المسكين بأنه ذو متربة يدل على أن ثم مسكينًا ليس بذي متربة يخالف المنعوت ولا يبلغ منزلته في شدة الفقر.
وأما احتجاجهم ببيت الراعي، قلنا: قد ذكر الفقير وحده وكل فقير أفردته بالاسم جاز إطلاق المسكين عليه، وكذلك إطلاق الفقير على المسكين، وإنما يتبين مقصود هذه المسألة عند الجمع بينهما وفائدة هذا الخلاف لا تبين في تفريق الصدقات، وإنما تبين في الوصايا، وهو أن رجلاً لو [[ساقط من (ي).]] قال: أوصيت للفقراء بمائتين وللمساكين بخمسين وجب [[في (ج): (يوجب).]] دفع المائتين إلى من هو أسوأ حالاً من الفريقين.
ومن الناس من سوى بين الفقير والمسكين وقال: هما واحد إلا أنه ذكر [[في (ي): (ذكرنا).]] بالصفتين لتأكيد أمره [[ذكر القرطبي في "تفسيره" 8/ 169، 170 أن هذا أحد قولي الشافعي، وإليه ذهب أبو يوسف وابن القاسم وسائر أصحاب مالك، وانظر: "حاشية ابن عابدين" 2/ 339.]].
والظاهر من هذه الأقوال الذي يوافق اللغة قول قتادة، هو أن الفقير ذو الزمانة سنة من أهل الحاجة، والمسكين الصحيح منهم، وهو في اللغة (مفعيل) من السكون مثل المنطيق من النطق، ومضى الكلام فيه عند قوله تعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ [البقرة: 61].
وحدّ الفقير والمسكين الذي يجوز دفع الزكاة إليه هو من لا يفي دخله بخرجه.
وقوله تعالى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾، قال ابن عباس: يريد الذين يستخرجونها [[رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1821 بلفظ: السعاة أصحاب الصدقة.]]. وقال الزهري وابن زيد: هم السعاة لجباية الصدقة [[رواه ابن جرير 10/ 160 مختصرًا عن الزهري، وبمعناه عن ابن زيد.]].
وهؤلاء يعطون من الصدقات بقدر أجور أمثالهم، وهو مذهب الشافعي [[انظر: "الأم" 2/ 111.]]، وقول عبد الله بن عمرو [[في (ي): (عمر)، والصواب ما أثبته، وانظر قوله في "تفسير ابن جرير" 10/ 161، والثعلبي 6/ 118 ب.]]، وابن زيد [[رواه ابن جرير 10/ 161، والثعلبي 6/ 118 ب.]]، وقال مجاهد والضحاك: يعطون الثُّمُن من الصدقات [[رواه ابن جرير 10/ 160 - 161 بإسنادين ضعيفين، ففي سنده عن مجاهد مجهول، ومسلم بن خالد الزنجي قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب" ص 529 (6625): صدوق كثير الأوهام، وفي سنده عن الضحاك ضعيف، وهو جويبر.]].
والصحيح أن الهاشمي والمطلبي [[الهاشمي: نشة إلى هاشم بن عبد مناف بن قصي، والمطلبي: نسبة إلى المطلب بن عبد مناف بن قصي. انظر: "السيرة النبوية" 1/ 118.]] لا يجوز أن يكون عاملاً على الصدقات [بعمالة منها؛ لأن رسول الله -ﷺ- أبي أن يبعث أبا رافع [[للنبي ﷺ موليان بهذا الاسم، أبو رافع عبد أبي أحيحة، وقد أعتق كل من بنيه نصيبه منه سوى واحد فإنه وهب نصيبه للنبي ﷺ فأعتقه، والثاني أبو رافع القبطي وقد أفاد الذهبي أنه هو المذكور في حديث الصدقة، واختلف في اسمه، فقيل: أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل غير ذلك، والأول أشهر، كان عبدًا للعباس فوهبه للنبي ﷺ، فلما أن بشر النبي -ﷺ- بإسلام العباس أعتقه، وكان ذا علم وفضل، وقد شهد غزوة أحد وما بعدها، وتوفي بالكوفة سنة 40 هـ. وقيل قبل ذلك: انظر: "المعارف" ص 85، و"سير أعلام النبلاء" 2/ 16، و"الإصابة" 4/ 67 - 68 (396).]] عاملاً على الصدقات] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]]، وقال: "أما علمت أن مولى القوم منهم؟! " [[رواه النسائي في "سننه"، كتاب: الزكاة، باب: مولى القوم منهم 5/ 107، والترمذي (657)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء في كراهية الصدقة للنبي .. ، وأبو داود (1650)، كتاب: الزكاة، باب: الصدقة على بني هاشم، وأحمد في "المسند" 6/ 8، والحديث بنحوه دون ذكر أبي رافع في "صحيح البخاري" (6761)، كتاب: الفرائض، باب: مولى القوم من أنفسهم.]].
وقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾، قال ابن عباس: هم قوم من أشراف العرب استألفهم رسول الله ﷺ ليردوا عنه قومهم ويعينوه على عدوه، منهم عباس بن مرادس السلمي، وعيينة بن حصن الفزاري [[هو: عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، أبو مالك، زعيم فزارة وغطفان، أسلم قبل فتح مكة وشهدها، وشهد حنينًا والطائف، ثم ارتد في عهد أبي بكر ثم عاد إلى الإسلام، وكان من المؤلفة قلوبهم، وفيه جفاء البادية، مع حمق وتيه، توفي في خلافة عثمان -رضي الله عنه-.= انظر: "المعارف" ص 171، و"الإصابة" 3/ 54 (6151).]]، والأقرع بن حابس التميمي [[هو: الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد المجاشعي الدارمي التميمي، من زعماء بني تميم، أسلم قبل فتح مكة وشهد فتحها وحنينًا والطائف، وكان من المؤلفة قلوبهم، ثم حسن إسلامه، وكان حكيمًا شريفًا في الجاهلية والإسلام، قتل بجوزجان في خلافة عثمان رضي الله عنهما.
انظر: "السيرة النبوية" 4/ 135، 141، 143، و"الإصابة" 1/ 58.]]، والحارث بن هشام المخزومي، وأبو سفيان بن حرب الأموي، وجماعة [[ذكر نحوه الرازي في "تفسيره" 16/ 111، وروى ابن جرير 10/ 161 عن ابن عباس قال: (هم قوم كانوا يأتون رسول الله -ﷺ- قد أسلموا .. فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح؛ وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه). وانظر: "إرواء الغليل" 3/ 369.]]، وهذا قول الكلبي [[رواه الثعلبي 6/ 118.]] والأكثرين [[مثل يحيي بن أبي كثير، ومجاهد. والحسن، وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير والشعبي، انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 161 - 162، و"الدر المنثور" 3/ 450 - 451.]].
وكان رسول الله -ﷺ- يعطيهم سهمًا من الزكاة، فأما اليوم فقد أغنى الله المسلمين عن ذلك إنما كانوا على عهد رسول الله -ﷺ- خاصة، وهذا قول الحسن [[رواه ابن جرير 10/ 162، والثعلبي 6/ 116.]] والشعبي [[انظر المصدرين السابقين، نفس الموضع، و"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1822.]]، فإن رأى الإمام على مقتضى الحال يريد أن يؤلف قلوب قوم على الإسلام فله الإعطاء إذا كانوا مسلمين، إذ لا يجوز صرف شيء من زكاة الأموال إلى المشركين، فأما المؤلفة من المشركين فإنما يعطون من مال الفيء لا من الصدقات [[انظر: كتاب "الأم" للإمام الشافعي 2/ 97، ومذهب الإمام أحمد جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة ولو كانوا مشركين، انظر: "المغني" 9/ 318.]].
وقوله تعالى: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾، قال ابن عباس: (يريد المكاتبين) [["تنوير المقباس" ص 196، و"تفسير الرازي" 16/ 112، و"الوسيط" 2/ 506.]]، وقال الزجاج: (كأن يعاون المكاتب حتى يفك رقبته) [[اهـ. كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 456.]].
وهذا على حذف المضاف؛ لأن المعنى: وفي فك الرقاب، وقد مضى مثل هذا في سورة البقرة [177] في قوله تعالى: ﴿وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾.
وسهم الرقاب موضوع في المكاتبين [[المكاتب: العبد يكاتب على نفسه بثمنه، فإذا دفع ثمنه لسيده عتق. انظر: "معجم مقاييس اللغة" (كتب) 5/ 159، و"لسان العرب" (كتب) 6/ 3817.]] ليعتقوا به، وهذا مذهب الشافعي [[انظر: كتاب "الأم" 2/ 113.]] والليث بن سعد [[انظر: "فتح الباري" 3/ 332.]].
ومذهب مالك [[هذه إحدى الروايات عن الإمام مالك، انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 967، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 8/ 182.]] وأحمد [[هذه إحدى الروايات عن الإمام أحمد، لكن لا يعني ذلك أن المكاتبين لا يعانون من الزكاة عنده، بل يعان منها المكاتب ويعتق منها العبيد، واستحب أن لا يعتق الفرد من زكاته رقبة كاملة انظر: "المغني" 9/ 391 - 321.]] وإسحاق [[انظر قوله في: "المغني" 9/ 320، و"فتح الباري" 3/ 332، والمذكور هو إسحاق ابن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي أبو يعقوب المروزي.]]: أنه موضوع [[في (ى): (موضع)، والصواب ما أثبته بدلالة ما قبله.]] لعتق الرقاب يشترى به عبيد فيعتقون.
ومذهب [[من هنا إلى قوله: فيعتقون، مكرر في (ح).]] أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة، ولكن يعطى منها رقبة ويعان بها مكاتب [[انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 906.]]، وهذا قول سعيد بن جبير [[رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 179 كتاب: الزكاة، باب: في الرقبة تعتق من الزكاة، وأبو عبيد في كتاب "الأموال"، باب: سهم الرقاب والغارمين ص 723، ولفظه عند أبي عبيد: (لا تعتق من زكاة مالك فإنه يجر الولاء).]] والنخعي [[رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 179، كتاب: الزكاة، باب: في الرقبة تعتق من الزكاة، وأبو عبيد في كتاب "الأموال"، باب: سهم الرقاب والغارمين ص 723، ولفظه عند أبي عبيد: (قال: يعان منها في الرقبة ولا يعتق منها)، ورواه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 3/ 452، ولفظه: (لا يعتق من الزكاة رقبة تامة، ويعطى في رقبة، ولا بأس أن يعين بها مكاتبًا).]].
وقال الزهري: (سهم الرقاب نصفان نصف للمكاتبين المسلمين، ونصف يشترى به رقاب ممن صلوا وصاموا وقدم إسلامهم، فيعتقون، من الذكور والإناث) [[ذكره عن الزهري، الثعلبي في "تفسيره" 6/ 120 أ، والصواب أن الزهري رواه عن عمر بن عبد العزيز كما في "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1824، وانظر: "الدر المنثور" 3/ 451.]].
قال أصحابنا: (والاحتياط في سهم الرقاب دفعه إلى السيد بإذن المكاتب [[في (ح): (بإذن عبد المكاتب)، وهو خطأ ولا معنى له.]]) [[انظر: "روضة الطالبين" 2/ 315.]]، وهذا معنى تغيير اللفظ على ما ذكره صاحب "النظم"، وهو أنه قال: قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ إلى قوله: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ فصل جاء بنظم له معنى خاص دون ما بعده، وذلك أن الله تعالى قصد به دفع الصدقات إلى هؤلاء ليعملوا فيما يعطون ما شاؤوا في نفقاتهم وغيرها، ثم قال: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ إلى آخر الآية [[في (ى): (آخرها).]] فجاء هذا بنظم غير ذلك النظم، فكأنه -عز وجل- أمر بأن يوضع ما يقدر لهم في المواضع التي بها استحقوا الصدقة دون أن يدفع إليهم فيصرفوه في غيره، فيجب أن يوضع في الرقاب بأن يؤدى عنهم، وكذلك: ﴿وَالْغَارِمِينَ﴾ ويصرف ما أوجب للسبيل وابنه إلى ما يحتاجون إليه من آلة ونفقة، دون دفعه إليهم، وإنما قلنا هذا على ظاهر النظم لأنه لم يجعله فصلين بنظمين مختلفين إلا وقد قصد به معنيين متغايرين.
وقوله تعالى: ﴿وَالْغَارِمِينَ﴾، قال ابن عباس: (يريد أهل الدين) [["تنوير المقباس" 196.]]، وقال مجاهد [[رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، كتاب: الزكاة، باب: ما قالوا في الغارمين منهم 3/ 207، وابن جرير 10/ 164، وابن أبي حاتم 6/ 1824.]] وقتادة [[رواه ابن جرير 10/ 164، والثعلبي 6/ 120 ب.]] والزهري [[رواه ابن أبي شيبة، وابن جرير في المصدرين السابقين، نفس الموضع.]]: (الغارمون: الذين لزمهم الديون في غير معصية ولا إسراف).
قال الشافعي: (وهم صنفان: صنف أدانوا في مصلحتهم أو معروف أو غير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد، فيعطون في غرمهم، وصنف أدانوا في حمالات وصلاح ذات بين، ولهم عروض إن بيعت أضر بهم فيعطى هؤلاء وتوفر عروضهم [["الأم" 2/ 97 بتصرف يسير واختصار، والكلام التالي ذكره الشافعي في كتاب "الأم" 2/ 113.]]، وذلك إذا كان دينهم في غير فسق ولا تبذير ولا معصية، فأما من أدان في معصية الله فلا أرى أن يعطى)، قال الزجاج: (لأن ذا المعصية إن أدي عنه الدين كان ذلك تقوية له على المعاصي) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 456.]].
وأصل الغرم في اللغة: لزوم ما يشق ويتعذر، والغرام: العذاب اللازم أو [[في (ح): (و).]] العشق أو الشر اللازم، وفلان مغرم بالنساء: -إذا كان مولعًا بهن- من هذا [[انظر: "اللسان" (غرم) 6/ 3247.]].
وقوله تعالى: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يعني: الغزاة والمرابطين، عند عامة المفسرين [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 165، وابن أبي حاتم 6/ 1824 - 1825، و"الدر المنثور" 3/ 452.]]، قال الزجاج: (أي للمجاهدين حق في الصدقة) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 456.]].
ومذهب الشافعي في هذا: أن المغازي يجوز أن يعطى وإن كان غنيا إذا طلب [["الأم" 2/ 98.]] وهو مذهب مالك [[انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 969، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 8/ 185.]] وإسحق [[انظر: "المغني" 9/ 326.]] وأبي [[في (ى): (ابن)، وهو خطأ.]] عبيد [[كتاب: "الأموال"، له ص 726.]].
وقال أبو حنيفة وصاحباه [[هما أبو يوسف ومحمد بن الحسن.]]: (لا يعطى المغازي إلا أن يكون محتاجًا [[انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 907، و"المغني" 9/ 326.]]، واحتج [[في (ح): (واحتاج).]] الشافعي بما روي أن النبي -ﷺ- قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو في سبيل الله [[في (ح): (سبيل)، دون لفظ الجلالة.]]، أو ابن السبيل [[هكذا ذكر الواحدي: (ابن السبيل) ومثله ابن جرير 10/ 165، والثعلبي 6/ 120 ب، ولم يذكره الشافعي ولا غيره ممن أخرج الحديث ممن سيأتي ذكرهم، وإنما ذكروا مكانه (الغارم).
ورواية ابن جرير ضعيفة للإرسال ولضعف ابن وكيع، فهو ساقط الحديث كما بينه ابن حجر في "التقريب" ص 245 (2456)، أما الثعلبي فقد ذكر الحديث بغير سند.]]، أو رجل كان له جار فتصدق عليه فأهداها له" [[انظر: "الأم" 2/ 98، وقد ذكر الواحدي رواية ابن جرير، ولفظه عند الشافعي: (لا تحل الصدقة إلا لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني) ولفظه عند غيره: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة، لغاز ..) إلخ، رواه أبو داود (1635)، كتاب: الزكاة، باب: من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، وابن ماجه (1841)، كتاب: الزكاة، باب: من تحل له الصدقة، وأحمد في "المسند" 3/ 56، والحاكم في "المستدرك"، كتاب: الزكاة 2/ 407، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.]].
وقوله تعالى: ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾، قال ابن عباس: (يريد عابر السبيل) [[في (ح): سبيل، وقد روى الأثر ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" بلفظ: المسافر.]]، قال المفسرون: (المسافر المنقطع يأخذ من الصدقة وإن كان غنيًا في بلده [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 165، و"الدر المنثور" 3/ 452.]]، وهذا قول مجاهد [[رواه ابن جرير 10/ 166.]] والزهري [[رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، كتاب: الزكاة، باب: ما قالوا في الغارمين من هم 3/ 207، وابن جرير 10/ 166.]]، وقال الزجاج: (هو الذي قطع عليه الطريق) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 456.]].
قال الشافعي: (ابن السبيل المستحق للصدقة: هو الذي يريد السفر في غير معصية، فيعجز عن بلوغ سفره إلا بمعونة) [["الأم" 2/ 98.]]، قال أصحابنا: (ومن أنشأ السفر من بلده لحاجة جاز أن يدفع إليه سهم ابن السبيل كالمجتاز ببلدك) [[انظر: "المهذب في فقه الإمام الشافعي" 1/ 173، و"روضة الطالبين" 2/ 325.]].
وقوله تعالى: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾، قال الزجاج: (منصوب على التوكيد؛ لأن قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ لهؤلاء كقوله: فرض الله الصدقات [[في (ى): (الصدقة الصدقات)، وهذه الزيادة لا معنى لها، وليست في "معاني القرآن وإعرابه".]] لهؤلاء) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 457. ومراد الزجاج أن المعنى: فرض الله الصدقات لهؤلاء فريضة.]].
﴿فَرِيضَةً﴾، قال ابن عباس: (يريد أن الله تبارك وتعالى افترض هذا على الأغنياء في أموالهم) [["الوجيز" 6/ 546.]] ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بخلقه ﴿حَكِيمٌ﴾ بما حكم فيهم [[في (ح): (فيه).]].
فأما حكم هذه الآية فقال قوم: قاسم الصدقة له أن يضعها في أي هؤلاء الأصناف شاء، وإنما سمى [[في (ى): أسمي، وأثبت ما في (ح) و (م) لموافقته لما في "تفسير الثعلبي".]] الله الأصناف الثمانية [[في (ح): الثلاثة، وهو خطأ.]] إعلاماً منه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيرها، وهذا قول عمر وحذيفة وابن عباس وابن جبير وعطاء وأبي العالية وإبراهيم [[روى أثر إبراهيم ومن قبله ابن أبي شيبة في "المصنف"، كتاب: الزكاة، باب: ما قالوا إذا وضع الصدقة في صنف واحد 3/ 182، وابن جرير 10/ 166 - 167، وابن أبي حاتم 6/ 1817، والثعلبي 6/ 121 أ، والبيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب: قسم الصدقات، باب: من جعل الصدقة في صنف واحد 7/ 11، 12.]]، ومذهب أبي حنيفة [[انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 908. وهو أيضًا مذهب الحنابلة كما في "المغني" 4/ 127.]] [[قلت: ومن أقوى أدلة هذا القول حديث سلمة بن صخر الذي ظاهر من امرأته ثم واقعها، وفيه: (اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له: فليدفعها إليك)، رواه أبو داود رقم (2213)، كتاب: الطلاق، باب: في الظهار، والترمذي رقم (3299)، كتاب التفسير، باب: ومن سورة المجادلة، وابن ماجه رقم (2062)، كتاب: الطلاق، باب: الظهار، وأحمد 4/ 37، والحاكم 2/ 203، وقد حسنه الترمذي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في "إراوء الغليل" 7/ 179: (وبالجملة فالحديث بطرقه وشاهده صحيح).
والشاهد فيه أن النبي -ﷺ- أعطاه صدقة بني زريق كلها ولم يقسمها على الأصناف الثمانية.
وكذلك قول النبي -ﷺ- لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"، رواه البخاري (1395)، كتاب: الزكاة، باب: وجوب الزكاة، فلم يأمره النبي -ﷺ- أن يقسم الزكاة على الأصناف الثمانية.]].
وكان الشافعي يجري الآية على ظاهرها ويقول: ذكر الله تعالى ثمانية أصناف فبين أن كل صنف منهم يستحق سهمه فلا يجوز حرمان صنف موجود، وكيف يجوز مع هذه القسمة [[في (ى): (التسمية).]] التي تولاها سبحانه ثم أكدها بقوله: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ فإذا تولى رب المال قسمها فإن عليه وضعها في ستة أصناف [لأن سهم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] المؤلفة ساقط، وسهم العاملين [[في (ى): الغارمين، والصواب ما أثبته وهو موافق لما في كتاب: "الأم".]] يبطل بقسمة إياها، ولا يجزئه أن يعطي من كل صنف منهم أقل من ثلاثة أنفس، ولا يصرف منها سهم ولا شيء منه عن أهله ما دام من أهله أحد [[ساقط من (ح).]] يستحقه، ولا يخرج من بلد وفيه أهله، وترد حصة من لم يوجد من أهل السهمان على من وجد منهم) [[انظر: أول قول الشافعي إلى قوله (فريضة من الله) في كتاب: "الأم" 2/ 94 - 96 بمعناه، وانظر: بقية قوله في المصدر نفسه ص 106 بتصرف.]]، وهذا قول عمر [[هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي، أبو حفص، أمير المؤمنين، وخامس الخلفاء الراشدين، ومضرب المثل في العدل وحسن السياسة، وكان أحد الأئمة المجتهدين، توفي سنة 101هـ.
انظر: "العبر" 1/ 91، و"تقريب التهذيب" ص 415 (4940).]] بن عبد العزيز [[رواه ابن أبي حاتم مفرقًا في مواضع من "تفسيره"، انظر 4/ 59 أ- 60 ب- 61 أ، وانظر أيضاً "تفسير الثعلبي" 3/ 121 ب.]] وعكرمة [[ذكره الثعلبي 6/ 121 ب، والبغوي 4/ 65، وقد روى عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 183 مثل قول الجمهور.]] والزهري [[ذكره الثعلبي 6/ 121 ب.]].
قال أصحابنا: (أقل عدد كل صنف ثلاثة فصاعدًا، للفظ الجمع في [[ساقط من (ح).]] الآية، فإن دفع سهم الفقراء إلى فقيرين ضمن نصيب الثالث، وهو ثلث سهم الفقراء، يضمنه لفقير واحد أو [[في (ح): (و).]] أكثر) [[انظر: "المهذب في فقه الإمام الشافعي" 1/ 173، و"روضة الطالبين" 2/ 329.]].
وأما كيفية قسمها فهو أن تنظر فإن وجدت خمسة أصناف وقد لزمك أن تتصدق بعشرة دراهم، جعلت العشرة خمسة أسهم، كل سهم درهمان، ولا يجوز التفاضل، ثم يلزمك أن تدفع إلى كل صنف درهمين، وأقل عددهم ثلاثة ولا تلزمك التسوية بينهم، ولك أن تعطي فقيرًا درهمًا، وفقيرًا خمسة أسداس، وفقيرًا سدس درهم، هذه صفة قسم الصدقات على مذهب الشافعي [[انظر: "الأم"، كتاب: قسم الصدقات 2/ 94 وما بعدها، و"روضة الطالبين" 2/ 330.]].
{"ayah":"۞ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَاۤءِ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِینَ وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۖ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق