الباحث القرآني

﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ﴾ أيِ الزِّكْواتُ لِهَؤُلاءِ المَعْدُودِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وهو دَلِيلٌ عَلى أنَّ المُرادَ بِاللَّمْزِ لَمْزُهم في قَسْمِ الزَّكَواتِ دُونَ الغَنائِمِ. والفَقِيرُ مَن لا مالَ لَهُ ولا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِن حاجَتِهِ مِنَ الفَقارِ كَأنَّهُ أُصِيبَ فَقارُهُ. والمِسْكِينُ مَن لَهُ مالٌ أوْ كَسْبٌ لا يَكْفِيهِ مِنَ السُّكُونِ كَأنَّ العَجْزَ أسْكَنَهُ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ (p-86)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ﴾ وأنَّهُ ﷺ كانَ يَسْألُ المَسْكَنَةَ ويَتَعَوَّذُ مِنَ الفَقْرِ. وقِيلَ بِالعَكْسِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوْ مِسْكِينًا ذا مَتْرَبَةٍ﴾ . ﴿والعامِلِينَ عَلَيْها﴾ السّاعِينَ في تَحْصِيلِها وجَمْعِها. ﴿والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ قَوْمٌ أسْلَمُوا ونِيَّتُهم ضَعِيفَةٌ فِيهِ فَيَسْتَأْنِفُ قُلُوبَهم أوْ أشْرافٌ قَدْ يَتَرَتَّبُ بِإعْطائِهِمْ ومُراعاتِهِمْ إسْلامُ نُظَرائِهِمْ، وقَدْ أعْطى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ والأقْرَعَ بْنَ حابِسٍ والعَبّاسَ بْنَ مِرْداسٍ لِذَلِكَ. وقِيلَ أشْرافٌ يُسْتَأْلَفُونَ عَلى أنْ يُسْلِمُوا فَإنَّهُ ﷺ كانَ يُعْطِيهِمْ والأصَحُّ أنَّهُ كانَ يُعْطِيهِمْ مِن خُمُسِ الخُمُسِ الَّذِي كانَ خاصَّ مالِهِ وقَدْ عَدَّ مِنهم مَن يُؤَلَّفُ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ مِنها عَلى قِتالِ الكُفّارِ ومانِعِي الزَّكاةِ. وقِيلَ كانَ سَهْمُ المُؤَلَّفَةِ لِتَكْثِيرِ سَوادِ الإسْلامِ فَلَمّا أعَزَّهُ اللَّهُ وأكْثَرَ أهْلَهُ سَقَطَ. ﴿وَفِي الرِّقابِ﴾ ولِلصَّرْفِ في فَكِّ الرِّقابِ بِأنْ يُعاوَنَ المَكاتَبُ بِشَيْءٍ مِنها عَلى أداءِ النُّجُومِ. وقِيلَ بِأنْ تُبْتاعَ الرِّقابُ فَتُعْتَقَ وبِهِ قالَ مالِكٌ وأحْمَدُ أوْ بِأنْ يَفْدِيَ الأسارى. والعُدُولُ عَنِ اللّامِ إلى (فِي) لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الِاسْتِحْقاقَ لِلْجِهَةِ لا لِلرِّقابِ. وقِيلَ لِلْإيذانِ بِأنَّهم أحَقُّ بِها. ﴿والغارِمِينَ﴾ والمَدْيُونِينَ لِأنْفُسِهِمْ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ومِن غَيْرِ إسْرافٍ إذا لَمْ يَكُنْ لَهم وفاءٌ، أوْ لِإصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ وإنْ كانُوا أغْنِياءَ لِقَوْلِهِ ﷺ: «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلّا لِخَمْسَةٍ: لِغازٍ في سَبِيلِ اللَّهِ أوْ لِغارِمٍ، أوْ لِرَجُلٍ اشْتَراها بِمالِهِ، أوْ لِرَجُلٍ لَهُ جارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلى المِسْكِينِ فَأهْدى المِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ أوْ لِعامِلٍ عَلَيْها» ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ولِلصَّرْفِ في الجِهادِ بِالإنْفاقِ عَلى المُتَطَوِّعَةِ وابْتِياعِ الكُراعِ والسِّلاحِ. وقِيلَ وفي بِناءِ القَناطِرِ والمَصانِعِ. ﴿وابْنِ السَّبِيلِ﴾ المُسافِرُ المُنْقَطِعُ عَنْ مالِهِ. ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ مَصْدَرٌ لِما دَلَّ عَلَيْهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ أيْ فَرَضَ لَهُمُ اللَّهُ الصَّدَقاتِ فَرِيضَةً، أوْ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في ﴿لِلْفُقَراءِ﴾ . وقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلى تِلْكَ فَرِيضَةً. ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ يَضَعُ الأشْياءَ في مَواضِعِها، وظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ اسْتِحْقاقِ الزَّكاةِ بِالأصْنافِ الثَّمانِيَةِ ووُجُوبُ الصَّرْفِ إلى كُلِّ صِنْفٍ وُجِدَ مِنهم ومُراعاةُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهم قَضِيَّةٌ لِلِاشْتِراكِ وإلَيْهِ ذَهَبَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وعَنْ عُمَرَ وحُذَيْفَةَ وابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ جَوازُ صَرْفِها إلى صِنْفٍ واحِدٍ وبِهِ قالَ الأئِمَّةُ الثَّلاثَةُ واخْتارَهُ بَعْضُ أصْحابِنا، وبِهِ كانَ يُفْتِي شَيْخِي ووالِدِي رَحِمَهُما اللَّهُ تَعالى عَلى أنَّ الآيَةَ بَيانُ أنَّ الصَّدَقَةَ لا تَخْرُجُ مِنهم لا إيجابَ قَسْمِها عَلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب