الباحث القرآني
﴿إنَّما الصَّدَقاتُ﴾ شُرُوعٌ في تَحْقِيقِ حَقِّيَّةِ ما صَنَعَهُ الرَّسُولُ ﷺ مِنَ القِسْمَةِ بِبَيانِ المَصارِفِ، ورَدٌّ لِمَقالَةِ القالَةِ في ذَلِكَ، وحَسْمٌ لِأطْماعِهِمُ الفارِغَةِ المَبْنِيَّةِ عَلى زَعْمِهِمُ الفاسِدِ، بِبَيانِ أنَّهم بِمَعْزِلٍ مِنَ الِاسْتِحْقاقِ، أيْ: جِنْسُ الصَّدَقاتِ المُشْتَمِلَةِ عَلى الأنْواعِ المُخْتَلِفَةِ ﴿لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ﴾ أيْ: مَخْصُوصَةٌ بِهَؤُلاءِ الأصْنافِ الثَّمانِيَةِ الآتِيَةِ لا تَتَجاوَزُهم إلى غَيْرِهِمْ، كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّما هي لَهم لا لِغَيْرِهِمْ فَما لِلَّذِينَ لا عَلاقَةَ بَيْنَها وبَيْنَهم يَقُولُونَ فِيها ما يَقُولُونَ، وما سَوْغُهم أنْ يَتَكَلَّمُوا فِيها وفي قاسِمِها، والفَقِيرُ مَن لَهُ أدْنى شَيْءٍ، والمِسْكِينُ مَن لا شَيْءَ لَهُ، هو المَرْوِيُّ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقَدْ قِيلَ عَلى العَكْسِ، ولِكُلٍّ مِنهُما وجْهٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿والعامِلِينَ عَلَيْها﴾ السّاعِينَ في جَمْعِها وتَحْصِيلِها.
﴿والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ هم أصْنافٌ؛ فَمِنهم أشْرافٌ مِنَ العَرَبِ كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَأْلِفُهم لِيُسْلِمُوا فَيَرْضَخُ لَهُمْ، ومِنهم قَوْمٌ أسْلَمُوا ونِيّاتُهم ضَعِيفَةٌ فَيُؤَلِّفُ قُلُوبَهم بِإجْزالِ العَطاءِ كَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، والأقْرَعِ بْنِ حابِسٍ، والعَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ، ومِنهم مَن يُتَرَقَّبُ بِإعْطائِهِمْ إسْلامُ نُظَرائِهِمْ، ولَعَلَّ الصِّنْفَ الأوَّلَ كانَ يُعْطِيهِمُ الرَّسُولُ ﷺ مِن خُمُسِ الخُمُسِ الَّذِي هو خالِصُ مالِهِ، وقَدْ عُدَّ مِنهم مَن يُؤَلَّفُ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ مِنها عَلى قِتالِ الكُفّارِ ومانِعِي الزَّكاةِ، وقَدْ سَقَطَ سَهْمُ هَؤُلاءِ بِالإجْماعِ لِما أنَّ ذَلِكَ كانَ لِتَكْثِيرِ سَوادِ الإسْلامِ، فَلَمّا أعَزَّهُ اللَّهُ - عَزَّ وعَلا - وأعْلى كَلِمَتَهُ اسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ.
﴿وَفِي الرِّقابِ﴾ أيْ: ولِلصَّرْفِ في فَكِّ الرِّقابِ، بِأنْ يُعانَ المُكاتَبُونَ بِشَيْءٍ مِنها عَلى أداءِ نُجُومِهِمْ، وقِيلَ: بِأنْ يُفْدى الأُسارى، وقِيلَ: بِأنْ يُبْتاعَ مِنها الرِّقابُ فَتَعْتَقُ، وأيًّا ما كانَ فالعُدُولُ عَنِ اللّامِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ بِعُنْوانٍ مُصَحَّحٍ لِلْمالِكِيَّةِ والِاخْتِصاصِ، كالَّذِينِ مِن قَبْلِهِمْ، أوْ لِلْإيذانِ بِعَدَمِ قَرارِ مِلْكِهِمْ فِيما أعْطَوْا كَما في الوَجْهَيْنِ الأوَّلَيْنِ، أوْ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ رَأْسًا كَما في الوَجْهِ الأخِيرِ، أوْ لِلْإشْعارِ بِرُسُوخِهِمْ في اسْتِحْقاقِ الصَّدَقَةِ؛ لِما أنَّ في لِلظَّرْفِيَّةِ المُنْبِئَةِ عَنْ إحاطَتِهِمْ بِها وكَوْنِهِمْ مَحَلَّها ومَرْكَزَها.
﴿والغارِمِينَ﴾ أيِ: الَّذِينَ تَدايَنُوا لِأنْفُسِهِمْ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، إذا لَمْ يَكُنْ لَهم نِصابٌ فاضِلٌ عَنْ دُيُونِهِمْ، وكَذَلِكَ عِنْدَ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَن غَرِمَ لِإصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ وإطْفاءِ الثّائِرَةِ بَيْنَ القَبِيلَتَيْنِ وإنْ كانُوا أغْنِياءَ ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: فُقَراءَ الغُزاةِ والحَجِيجِ والمُنْقَطَعِ بِهِمْ ﴿وابْنِ السَّبِيلِ﴾ أيِ: المُسافِرِ المُنْقَطِعِ عَنْ مالِهِ، وتَكْرِيرُ الظَّرْفِ في الأخِيرَيْنِ لِلْإيذانِ بِزِيادَةِ فَضْلِهِما في الِاسْتِحْقاقِ، أوْ لِما ذُكِرَ مِن إيرادِهِما بِعُنْوانٍ غَيْرِ مُصَحَّحٍ لِلْمالِكِيَّةِ والِاخْتِصاصِ.
فَهَذِهِ مَصارِفُ الصَّدَقاتِ، فَلِلْمُتَصَدِّقِ أنْ يَدْفَعَ صَدَقَتَهُ إلى كُلِّ واحِدٍ مِنهُمْ، وأنْ يَقْتَصِرَ عَلى صِنْفٍ مِنهُمْ؛ لِأنَّ اللّامَ لِبَيانِ أنَّهم مَصارِفُ لا تَخْرُجُ عَنْهم لا لِإثْباتِ الِاسْتِحْقاقِ، وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وابْنِ عَبّاسٍ، وحُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - وعِنْدَ الشّافِعِيِّ: لا يَجُوزُ إلّا أنْ يُصْرَفَ إلى ثَلاثَةٍ مِن تِلْكَ الأصْنافِ.
﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ (p-77)لِما دَلَّ عَلَيْهِ صَدْرُ الآيَةِ، أيْ: فَرَضَ لَهُمُ الصَّدَقاتِ فَرِيضَةً، ونُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ مَنصُوبٌ بِفِعْلِهِ مُقَدَّرًا، أيْ: فَرَضَ اللَّهُ ذَلِكَ فَرِيضَةً، أوْ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في قَوْلِهِ لِلْفُقَراءِ، أيْ: إنَّما الصَّدَقاتُ كائِنَةٌ لَهم حالَ كَوْنِها فَرِيضَةً، أيْ: مَفْرُوضَةً.
﴿واللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بِأحْوالِ النّاسِ ومَراتِبِ اسْتِحْقاقِهِمْ ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يَفْعَلُ إلّا ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ مِنَ الأُمُورِ الحَسَنَةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها سَوْقُ الحُقُوقِ إلى مُسْتَحِقِّيها.
{"ayah":"۞ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَاۤءِ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِینَ وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۖ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق