الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما الصدقات إلا للفقراء والمساكين، [[في المطبوعة: "لا ينال الصدقات"، وهو كلام غير مستقيم، والصواب ما كان في المخطوطة، ولكنه لم يحسن قراءته.]] ومن سماهم الله جل ثناؤه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة "الفقير" و"المسكين".
فقال بعضهم: "الفقير"، المحتاج المتعفف عن المسألة، و"المسكين"، المحتاج السائل. [[انظر تفسير "المسكين" فيما سلف ١٣: ٥٦٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨١٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ ، قال: "الفقير"، الجالس في بيته = "والمسكين"، الذي يسعى.
١٦٨١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ ، = قال: "المساكين"، الطوافون، و"الفقراء"، فقراء المسلمين.
١٦٨٢٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جرير بن حازم قال، حدثني رجل، عن جابر بن زيد: أنه سئل عن "الفقراء"، قال: "الفقراء"، المتعففون، و"المساكين"، الذين يسألون.
١٦٨٢١- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله الجزريّ قال: سألت الزهري عن قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، قال: الذين في بيوتهم لا يسألون، و"المساكين"، الذين يخرجون فيسألون. [[الأثر: ١٦٨٢١ - "معقل بن عبيد الله الجزري العبسي، الحراني"، ثقة، ليس به بأس. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ \ ١ \ ٣٩٣، وابن أبي حاتم ٤ \ ١ \ ٢٨٦.
وكان في المطبوعة: "الحراني"، مكان "الجزري"، وهو صواب، ولكني أثبت ما كان في المخطوطة.]]
١٦٨٢٢- حدثنا الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الفقير" الذي لا يسأل، و"المسكين"، الذي يسأل.
١٦٨٢٣- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ ، قال: "الفقراء"، الذين لا يسألون الناس، أهلُ حاجة [[في المطبوعة: "وهو أهل حاجة"، زاد ما ليس في المخطوطة.]] = و"المساكين"، الذين يسألون الناس.
١٦٨٢٤- حدثنا الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الفقراء"، الذين لا يسألون، و"المساكين" الذين يسألون.
* * *
وقال آخرون: "الفقير"، هو ذو الزمانة من أهل الحاجة، و"المسكين"، هو الصحيح الجسم منهم. [[في المطبوعة، أسقط "منهم".]]
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٢٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ ، قال: "الفقير"، من به زَمانة = و"المسكين"، الصحيح المحتاج.
١٦٨٢٦- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ ، أما "الفقير"، فالزَّمِن الذي به زَمانة، وأما "المسكين"، فهو الذي ليست به زمانة.
* * *
وقال آخرون: "الفقراء"، فقراء المهاجرين، و"المساكين"، من لم يهاجر من المسلمين، وهو محتاج.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٢٧- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جرير بن حازم، عن علي بن الحكم، عن الضحاك بن مزاحم: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، قال: فقراء المهاجرين = و"المساكين"، الذين لم يهاجروا. [[الأثر: ١٦٨٢٧ - "علي بن الحكم البناني"، ثقة، له أحاديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ \ ١ \ ١٨١.]]
١٦٨٢٨-...... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، المهاجرين، قال: سفيان: يعني: ولا يعطى الأعراب منها شيئًا.
١٦٨٢٩- حدثنا ابن وكيع قال: حدثني أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان يقال: إنما الصدقة لفقراء المهاجرين.
١٦٨٣٠-...... قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: كانت تجعل الصدقة في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله.
١٦٨٣١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي قالا [[في المطبوعة: "قال"، والصواب من المخطوطة.]] كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار، والزوجة، والعبد، والناقة يحج عليها ويغزو، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء، وجعل لهم سهمًا في الزكاة.
١٦٨٣٢- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كان يقال: إنما الصدقات في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله.
* * *
وقال آخرون: "المسكين"، الضعيف الكسب. [[في المطبوعة: "الضعيف البئيس"، لم يحسن قراءة المخطوطة، وكان فيها: " النسب "، وهو تحريف، دل على صوابه الآثار التالية.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٣٣- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون، عن محمد قال: قال عمر: ليس الفقير بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلقُ الكسْب = قال يعقوب: قال ابن علية: "الأخلق"، المحارَفُ، عندنا. [[أراد عمر: أن الفقير، هو الذي لم يقدم لآخرته شيئًا يثاب عليه، وأن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة، وأن فقر الدنيا أهون الفقرين. و "الأخلق" من قولهم: "هضبة خلقاء"، ملساء لا نبات بها. وللجبل المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء "أخلق". وفي حديث فاطمة بنت قيس: "أما معاوية، فرجل أخلق من المال"، أي: خلو عار منه.
وأما "المحارف"، كما فسره ابن علية، فهو المنقوص الحظ، فهو محدود محروم، إذا طلب الرزق لم يرزق، ضد " المبارك ".]]
١٦٨٣٤- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب عن ابن سيرين: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال: ليس المسكين بالذي لا مال له، ولكن المسكين الأخلقُ الكسْبِ.
* * *
وقال بعضهم: "الفقير"، من المسلمين، و"المسكين" من أهل الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٣٥- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عمر بن نافع قال: سمعت عكرمة في قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ ، قال: لا تقولوا لفقراء المسلمين "مساكين"، إنما "المساكين"، مساكين أهل الكتاب.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: "الفقير"، هو ذو الفقر أو الحاجة، ومع حاجته يتعفّف عن مسألة الناس والتذلل لهم، في هذا الموضع = و"المسكين" هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك، وإن كان الفريقان لم يُعْطَيا إلا بالفقر والحاجة، دون الذلة والمسألة، [[في المطبوعة: "الذل والمسكنة"، والصواب ما في المخطوطة، ولم يحسن قراءتها.]] لإجماع الجميع من أهل العلم أن "المسكين"، إنما يعطى من الصدقة المفروضة بالفقر، وأن معنى "المسكنة"، عند العرب، الذلة، كما قال الله جل ثناؤه: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ ، [سورة البقرة: ٦١] ، يعني بذلك: الهون والذلة، لا الفقر. فإذا كان الله جل ثناؤه قد صنَّف من قسم له من الصدقة المفروضة قسمًا بالفقر، فجعلهم صنفين، كان معلومًا أن كل صنف منهم غير الآخر. وإذ كان ذلك كذلك، كان لا شك أن المقسوم له باسم "الفقير"، غير المقسوم له باسم الفقر و"المسكنة"، والفقير المعطَى ذلك باسم الفقير المطلق، هو الذي لا مسكنة فيه. والمعطى باسم المسكنة والفقر، هو الجامع إلى فقره المسكنة، وهي الذلّ بالطلب والمسألة.
= فتأويل الكلام، إذ كان ذلك معناه: إنما الصدقات للفقراء: المتعفِّف منهم الذي لا يسأل، والمتذلل منهم الذي يسأل.
* * *
وقد روي عن رسول الله ﷺ بنحو الذي قلنا في ذلك خبَرٌ.
١٦٨٣٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "ليس المسكين بالذي تردّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف! اقرءوا إن شئتم: ﴿لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ ، [[الأثر: ١٦٨٣٦ - "إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري" روى له الجماعة، مضى برقم: ٦٨٨٤، ٨٣٩٨.
و" شريك بن أبي نمر "، هو " شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي " ثقة، روى له البخاري ومسلم، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ \ ٢ \ ٢٣٧، وابن أبي حاتم ٢ \ ١ \ ٣٦٣.
وهذا الخبر رواه البخاري من طريق محمد بن جعفر عن شريك بن أبي نمر (الفتح ٨: ١٥٢) ، ورواه مسلم في الصحيح من طريق إسماعيل بن جعفر، عن شريك، ومن طريق محمد بن جعفر، عن شريك، عن عطاء بن يسار، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة (٧: ١٢٩) .]] [سورة البقرة: ٢٧٣] .
ومعنى قوله ﷺ: "إنما المسكين المتعفف" على نحو ما قد جرى به استعمال الناس من تسميتهم أهل الفقر "مساكين"، لا على تفصيل المسكين من الفقير.
ومما ينبئ عن أن ذلك كذلك، انتزاعه ﷺ بقول الله: [[في المطبوعة: "انتزاعًا لقول الله"، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة. يقال: "انتزع بالآية، وبالشعر"، إذا تمثل به.]] اقرءوا إن شئم: ﴿لا يسألون الناس إلحافًا﴾ ، وذلك في صفة من ابتدأ الله ذكره ووصفه بالفقر فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ ، [سورة البقرة: ٢٧٣] .
* * *
وقوله: ﴿والعاملين عليها﴾ ، وهم السعاة في قبضها من أهلها، ووضعها في مستحقِّيها، يعطون ذلك بالسعاية، أغنياء كانوا أو فقراء.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٣٧- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري: عن "العاملين عليها"، فقال: السعاة.
١٦٨٣٨- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿والعاملين عليها﴾ ، قال: جُباتها الذين يجمعونها ويسعون فيها.
١٦٨٣٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿والعاملين عليها﴾ ، الذي يعمل عليها.
* * *
ثُمّ اختلف أهل التأويل في قدر ما يعطى العامل من ذلك.
فقال بعضهم: يعطى منه الثُّمُن.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٤٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح، عن جويبر، عن الضحاك قال: للعاملين عليها الثمن من الصدقة.
١٦٨٤١- حدثت عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ﴿والعاملين عليها﴾ ، قال: يأكل العمال من السهم الثامن.
* * *
وقال آخرون: بل يعطى على قدر عُمالته.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٤٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الأخضر بن عجلان قال، حدثنا عطاء بن زهير العامري، عن أبيه: أنه لقي عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله عن الصدقة: أيُّ مالٍ هي؟ فقال: مالُ العُرْجان والعُوران والعميان، وكل مُنْقَطَع به. [["منقطع به" (بالبناء للمجهول) ، هو الرجل إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت، أو قامت عليه راحلته، أو أتاه أمر لا يقدر على أن يتحرك معه. يقال: "قطع به"، و "انقطع به".]] فقال له: إن للعاملين حقًّا والمجاهدين! قال: إن المجاهدين قوم أحل لهم، والعاملين عليها على قدر عُمالتهم. [[في المطبوعة: " وللعاملين "، وأثبت ما في المخطوطة.]] ثم قال: لا تحل الصدقة لغنيّ، ولا لذي مِرَّة سويّ [[الأثر: ١٦٨٤٢ - " عبد الوهاب بن عطاء الخفاف "، ثقة، مضى برقم: ٥٤٢٩، ٥٤٣٢، ١٠٥٢٢.
و"الأخضر بن عجلان الشيباني"، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ١ \ ٢ \ ٦٧.
و" عطاء بن زهير بن الأصبغ العامري "، روى عن أبيه، روى عنه شميط، والأخضر بن عجلان، هكذا ذكره ابن أبي حاتم ٣ \ ١ \ ٣٣٢، ولم أجد له ترجمة في غيره.
وأبوه: " زهير بن الأصبغ العامري "، روى عن عبد الله بن عمرو، روى عنه ابنه عطاء. مترجم في الكبير ٢ \ ١ \ ٣٩٢، وابن حاتم ١ \ ٢ \ ٥٨٧، ولم يذكرا فيه جرحًا.
وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور ٣: ٢٥٢، ولم ينسبه إلا إلى أبي الشيخ، وفيه "عبد الله بن عمر"، وهو خطأ.]]
١٦٨٤٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: يكون للعامل عليها إن عمل بالحق، ولم يكن عمر رحمه الله تعالى ولا أولئك يعطون العامل الثمن، إنما يفرضون له بقدر عُمالته.
١٦٨٤٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: ﴿والعاملين عليها﴾ ، قال: كان يعطى العاملون.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: يعطى العامل عليها على قدر عُمالته وأجر مثله.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه لم يقسم صدقة الأموال بين الأصناف الثمانية على ثمانية أسهم، وإنما عرّف خلقه أن الصدقات لن تجاوز هؤلاء الأصناف الثمانية إلى غيرهم، وإذ كان كذلك، بما سنوضح بعدُ، وبما قد أوضحناه في موضع آخر، كان معلومًا أن من أعطي منها حقًّا، فإنما يعطى على قدر اجتهاد المعطى فيه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان العامل عليها إنما يعطى على عمله، لا على الحاجة التي تزول بالعطية، كان معلومًا أن الذي أعطاه من ذلك إنما هو عِوَض من سعيه وعمله، وأن ذلك إنما هو قدر يستحقه عوضًا من عمله الذي لا يزول بالعطية، وإنما يزول بالعزل.
* * *
وأما "المؤلفة قلوبهم"، فإنهم قوم كانوا يُتَألَّفون على الإسلام، ممن لم تصحّ نصرته، استصلاحًا به نفسَه وعشيرتَه، كأبي سفيان بن حرب، وعيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، ونظرائهم من رؤساء القبائل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٤٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ﴿والمؤلفة قلوبهم﴾ ، وهم قوم كانوا يأتون رسول الله ﷺ قد أسلموا، وكان رسول الله ﷺ يرضَخ لهم من الصدقات، [["رضخ له من ماله رضيخة"، أعطاه عطية مقاربة، ليست بالكثيرة، وأصله من "الرضخ"، وهو كسر النوى وغيره، كأنه كسر له من ماله شيئا.]] فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح! وإن كان غير ذلك، عابوه وتركوه.
١٦٨٤٦- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، [[في المطبوعة: "حدثنا عبد الأعلى"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وهذا إسناد دائر في التفسير وشيخ الطبري "محمد بن عبد الأعلى".]] حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير: أن المؤلفة قلوبهم من بني أمية: أبو سفيان بن حرب = ومن بني مخزوم: الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن يربوع = ومن بني جُمَح: صفوان بن أمية = ومن بني عامر بن لؤي: سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى = ومن بني أسد بن عبد العزى: حكيم بن حزام = ومن بني هاشم: سفيان بن الحارث بن عبد المطلب = ومن بني فزارة: عيينة بن حصن بن بدر = ومن بني تميم: الأقرع بن حابس = ومن بني نصر: مالك بن عوف = ومن بني سليم: العباس بن مرداس = ومن ثقيف: العلاء بن حارثة = أعطى النبي ﷺ كل رجل منهم مئة ناقة، إلا عبد الرحمن بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، فإنه أعطى كلَّ رجل منهم خمسين.
١٦٨٤٧- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري قال، قال صفوان بن أمية: لقد أعطاني رسول الله ﷺ، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما بَرِح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليّ. [[الأثر: ١٦٨٤٧ - رواه مسلم في صحيحه ١٥: ٧٢، ٧٣، مطولا من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية.
ورواه أحمد في مسنده ٣: ٤٠١ من طريق زكريا بن عدي، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان، (هكذا جاء هنا في المسند) ، والصواب ما سيأتي في المسند ٦: ٤٦٥، من طريق زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب.]]
١٦٨٤٨- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ناس كان يتألفهم بالعطية، عيينة بن بدر ومن كان معه.
١٦٨٤٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن: ﴿والمؤلفة قلوبهم﴾ ،: الذين يُؤَلَّفون على الإسلام.
١٦٨٥٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: وأما "المؤلفة قلوبهم"، فأناس من الأعراب ومن غيرهم، كان نبي الله ﷺ يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا.
١٦٨٥١- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري عن قوله: ﴿والمؤلفة قلوبهم﴾ ، فقال: من أسلم من يهوديّ أو نصراني. قلت: وإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًّا.
١٦٨٥٢- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا معقل بن عبيد الله الجزري، عن الزهري: ﴿والمؤلفة قلوبهم﴾ ، قال: من هو يهوديّ أو نصرانيّ. [[الأثر: ١٦٨٥٢ - " معقل بن عبيد الله الجزري "، مضى قريبًا برقم: ١٦٨٢١، وكان في المطبوعة هنا أيضًا "الحراني"، مكان "الجزري"، وهو صواب، ولكني أثبت ما في المخطوطة.]]
ثم اختلف أهل العلم في وجود المؤلفة اليوم وعدمها، وهل يعطى اليوم أحدٌ على التألف على الإسلام من الصدقة؟
فقال بعضهم: قد بطلت المؤلفة قلوبهم اليوم، ولا سهم لأحد في الصدقة المفروضة إلا لذي حاجة إليها، وفي سبيل الله، أو لعامل عليها.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٥٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: ﴿والمؤلفة قلوبهم﴾ ، قال: أما "المؤلفة قلوبهم" فليس اليوم.
١٦٨٥٤- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم، إنما كانوا على عهد رسول الله ﷺ.
١٦٨٥٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: وأتاه عيينة بن حصن: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ، [سورة الكهف: ٢٩] ، أي: ليس اليوم مؤلفة.
١٦٨٨٥٦- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك، عن الحسن قال: ليس اليوم مؤلفة.
١٦٨٥٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: إنما كانت المؤلفة قلوبهم على عهد النبي ﷺ، فلما ولي أبو بكر رحمة الله تعالى عليه، انقطعت الرشى.
* * *
وقال آخرون: "المؤلفة قلوبهم"، في كل زمان، وحقهم في الصدقات.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٥٨- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال: في الناس اليوم، المؤلفة قلوبهم.
١٦٨٥٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سدُّ خَلَّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته. فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يُعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونةً للدين. وذلك كما يعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا، للغزو، لا لسدّ خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم، يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام وطلبَ تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي ﷺ من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله. فلا حجة لمحتجّ بأن يقول: "لا يتألف اليوم على الإسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم"، وقد أعطى النبي ﷺ من أعطى منهم في الحال التي وصفت.
* * *
وأما قوله: ﴿وفي الرقاب﴾ ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه.
فقال بعضهم، وهم الجمهور الأعظم: هم المكاتبون، يعطون منها في فك رقابهم. [[انظر تفسير " الرقاب " فيما سلف ٣: ٣٤٧ \ ٩: ٣٥، ٣٦ \ ١٠: ٥٥٢ - ٥٥٧.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٦٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسين: أن مكاتبًا قام إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله تعالى وهو يخطب الناسَ يوم الجمعة، فقال له: أيها الأمير، حُثَّ الناس عليَّ! فحثَّ عليه أبو موسى، فألقى الناسُ عليه عمامة وملاءة وخاتمًا، حتى ألقوا سَوادًا كثيرًا، فلما رأى أبو موسى ما ألقي عليه قال: اجمعوه! فجمع، ثم أمر به فبيع. فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب، ولم يرده على الناس، وقال: إنما أعطي الناسُ في الرقاب.
١٦٨٦١- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال، سألت الزهري عن قوله: ﴿وفي الرقاب﴾ ، قال: المكاتَبون.
١٦٨٦٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿وفي الرقاب﴾ ، قال: المكاتَب.
١٦٨٦٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: ﴿وفي الرقاب﴾ ، قال: هم المكاتبون.
* * *
وروي عن ابن عباس أنه قال: لا بأس أن تُعْتَقَ الرقبة من الزكاة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، قولُ من قال: "عنى بالرقاب، في هذا الموضع، المكاتبون"، لإجماع الحجة على ذلك، فإن الله جعل الزكاة حقًّا واجبًا على من أوجبها عليه في ماله، يخرجها منه، لا يرجع إليه منها نفعٌ من عرض الدنيا، ولا عِوَض. والمعتق رقبةً منها، راجع إليه ولاء من أعتقه، وذلك نفع يعود إليه منها.
* * *
وأما "الغارمون"، فالذين استدانوا في غير معصية الله، ثم لم يجدوا قضاء في عين ولا عَرَض.
* * *
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٦٤- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد قال: "الغارمون"، من احترق بيته، أو يصيبه السيل فيذهب متاعه، ويدَّانُ على عياله، فهذا من الغارمين.
١٦٨٦٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد في قوله: ﴿والغارمين﴾ ، قال: من احترق بيته، وذهب السيل بماله، وادَّان على عياله.
١٦٨٦٦- حدثنا أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "الغارمين"، المستدين في غير سَرَف، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال.
١٦٨٦٧-...... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألنا الزهري عن "الغارمين"، قال: أصحاب الدين.
١٦٨٦٨-...... قال، حدثنا معقل، عن عبد الكريم قال، حدثني خادم لعمر بن عبد العزيز خدمه عشرين سنة قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن يُعْطى الغارمون = قال أحمد: أكثر ظني: من الصدقات.
١٦٨٦٩-...... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "الغارمون"، المستدين في غير سرف.
١٦٨٧٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أما "الغارمون"، فقوم غرَّقتهم الديون في غير إملاق، [[" الإملاق " هنا هو: إنفاق المال وتبذيره حتى يورث حاجة، و " الإملاق " أيضًا: الإفساد. وانظر ما سلف في الخبر رقم: ٦٢٣٣، ج ٥: ٦٠٢، تعليق: ٢.]] ولا تبذير ولا فساد.
١٦٨٧١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "الغارم"، الذي يدخل عليه الغُرْم.
١٦٨٧٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: ﴿والغارمين﴾ ، قال: هو الذي يذهب السيل والحريق بماله، ويدَّان على عياله.
١٦٨٧٣-...... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: المستدين في غير فساد.
١٦٨٧٤-...... قال، حدثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: "الغارمون"، الذين يستدينون في غير فساد، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم.
١٦٨٧٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: هم قوم ركبتهم الديون في غير فساد ولا تبذير، فجعل الله لهم في هذه الآية سهمًا.
* * *
وأما قوله: ﴿وفي سبيل الله﴾ ، فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده، بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار. [[انظر تفسير " سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .]]
* * *
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٧٦- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿وفي سبيل الله﴾ ، قال: الغازي في سبيل الله.
١٦٨٧٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: قال النبي ﷺ: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار تصدَّق عليه فأهداها له. [[الأثر: ١٦٨٧٧ - رواه أبو داود في سننه ٢: ١٥٨، رقم: ١٦٣٥ من طريق مالك، عن زيد بن أسلم، موقوفًا، ثم رواه برقم: ١٦٣٦، من طريق معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ مرفوعًا.
ورواه ابن ماجه في سننه: ٥٨٩، رقم: ١٨٤١، مرفوعًا، بنحوه.]]
١٦٨٧٨-...... قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة: في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار فتصدق عليه، فأهداها له. [[الأثر: ١٦٨٧٨ - "عطية" هو "عطية بن سعد بن جنادة العوفي"، ضعيف، مضى مرارًا.
وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه ٢: ١٦٠، رقم: ١٦٣٧، من طريق سفيان، عن عمران البارقي، عن عطية، بنحوه، ثم قال أبو داود: "ورواه فراس، وابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ، مثله".
وهو حديث ضعيف لضعف "عطية العوفي".]]
* * *
وأما قوله: ﴿وابن السبيل﴾ ، فالمسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد.
* * *
و"السبيل": الطريق، [[انظر تفسير "السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
= وتفسير " ابن السبيل " فيما سلف ٣: ٣٤٥ \ ٤: ٢٩٥ \ ٨: ٣٤٦ - ٣٤٧.]] وقيل للضارب فيه: "ابن السبيل"، للزومه إياه، كما قال الشاعر: [[لم أعرف قائله.]]
أنَا ابنُ الحَرْبِ رَبَّتْنِي وَلِيدًا ... إلَى أنْ شِبْتُ واكْتَهَلَتْ لِدَاتِي
وكذلك تفعل العرب، تسمي اللازم للشيء يعرف به: "ابنه". [[في المطبوعة والمخطوطة: "يعرف بابنه"، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت.]]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٧٩- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "ابن السبيل"، المجتاز من أرض إلى أرض.
١٦٨٨٠- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا مندل، عن ليث، عن مجاهد: ﴿وابن السبيل﴾ ، قال: لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيًّا، إذا كان مُنْقَطَعًا به.
١٦٨٨١- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري عن "ابن السبيل"، قال: يأتي عليَّ ابن السبيل، وهو محتاج. قلت: فإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًا.
١٦٨٨٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿وابن السبيل﴾ ، الضيف، جعل له فيها حق.
١٦٨٨٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال [ابن زيد] : "ابن السبيل"، المسافر من كان غنيًّا أو فقيرًا، إذا أصيبت نفقته، أو فقدت، أو أصابها شيء، أو لم يكن معه شيء، فحقه واجب. [[الأثر: ١٦٨٨٣ - في المطبوعة والمخطوطة: " قال قال ابن السبيل ". والزيادة بين القوسين من إسناده قبل، وهو إسناد دائر في التفسير، أقربه رقم ١٦٨٧٦.]]
١٦٨٨٤- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، أنه قال: في الغني إذا سافر فاحتاج في سفره. قال: يأخذ من الزكاة.
١٦٨٨٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "ابن السبيل"، المجتاز من الأرض إلى الأرض.
* * *
وقوله: ﴿فريضة من الله﴾) ، يقول جل ثناؤه: قَسْمٌ قسمه الله لهم، فأوجبه في أموال أهل الأموال لهم [[انظر تفسير " الفريضة " فيما سلف ٩: ٢١٢، تعليق:، والمرجع هناك.]] = ﴿والله عليم﴾ ، بمصالح خلقه فيما فرض لهم، وفي غير ذلك، لا يخفى عليه شيء. فعلى علم منه فرض ما فرض من الصدقة وبما فيها من المصلحة = ﴿حكيم﴾ ، في تدبيره خلقه، لا يدخل في تدبيره خلل. [[انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .]]
واختلف أهل العلم في كيفية قسم الصدقات التي ذكرها الله في هذه الآية، وهل يجب لكل صنف من الأصناف الثمانية فيها حق، أو ذلك إلى رب المال؟ ومن يتولى قسمها، في أن له أن يعطي جميعَ ذلك من شاء من الأصناف الثمانية.
فقال عامة أهل العلم: للمتولي قسمُها ووضعُها في أيِّ الأصناف الثمانية شاء. وإنما سمَّى الله الأصناف الثمانية في الآية، إعلامًا منه خلقَه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف الثمانية إلى غيرها، لا إيجابًا لقسمها بين الأصناف الثمانية الذين ذكرهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٨٨٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن الحجاج بن أرطاة، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، عن حذيفة في قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها﴾ ، قال: إن شئت جعلته في صنف واحد، أو صنفين، أو لثلاثة.
١٦٨٨٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن المنهال، عن زر، عن حذيفة قال: إذا وضعتها في صنف واحد أجزأ عنك.
١٦٨٨٨-...... قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، قال: أيُّما صنف أعطيته من هذا أجزأك.
١٦٨٨٩-...... قال، حدثنا ابن نمير، عن عبد المطلب، عن عطاء: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، الآية، قال: لو وضعتها في صنف واحد من هذه الأصناف أجزأك. ولو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعفِّفين فجبرتهم بها، كان أحبَّ إليَّ.
١٦٨٩٠-...... قال أخبرنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... وابن السبيل﴾ ، فأيّ صنف أعطيته من هذه الأصناف أجزأك.
١٦٨٩١-...... قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
١٦٨٩٢-...... قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها﴾ ، قال: إنما هذا شيء أعلمَهُ، فأيَّ صنف من هذه الأصناف أعطيته أجزأ عنك.
١٦٨٩٣-...... قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، قال: في أيّ هذه الأصناف وضعتها أجزأك.
١٦٨٩٤-...... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك.
١٦٨٩٥-...... قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك.
١٦٨٩٦-...... قال، حدثنا خالد بن حيان أبو يزيد، عن جعفر بن يرقان، عن ميمون بن مهران: ﴿إنما الصدقات للفقراء﴾ ، قال: إذا جعلتها في صنف واحد من هؤلاء أجزأ عنك. [[الأثر: ١٦٨٩٦ - " خالد بن حيان الرقي "، أبو يزيد الكندي الخراز، ثقة، متكلم فيه، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ \ ١ \ ١٣٣، وابن أبي حاتم ١ \ ٢ \ ٣٢٦.]]
١٦٨٩٧-...... قال، حدثنا محمد بن بشر، عن مسعود، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾ ، الآية، قال: أعلمَ أهلَها مَنْ همْ.
١٦٨٩٨-...... قال، حدثنا حفص، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: أنه كان يأخذ الفرْض في الصدقة، ويجعلها في صنف واحد.
* * *
وكان بعض المتأخرين يقول: إذا تولى رب المال قَسْمها كان عليه وضعها في ستة أصناف، وذلك أن المؤلفة قلوبهم عنده قد ذهبوا، وأنّ سهم العاملين يبطل بقسمه إياها. ويزعم أنه لا يجزيه أن يعطي من كل صنف أقل من ثلاثة أنفس. وكان يقول: إن تولى قَسْمها الإمامُ، كان عليه أن يقسمها على سبعة أصناف، لا يجزي عنده غير ذلك.
{"ayah":"۞ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَاۤءِ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِینَ وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۖ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق