الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قال أهل المعاني: كرر في ﴿حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ بعد ما ذكر في قوله: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾؛ لأن المعنى هناك: إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم، والمعنى هاهنا عام في كل كفاية تحتاج إليها [[لم أجد من ذكر هذا القول من أهل المعاني، وقد ذكره بمعناه الفخر الرازي 15/ 191، والقرطبي 8/ 42.]]. روى سعيد ابن جبير، عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في إسلام عمر [[رواه المصنف في "أسباب النزول" ص 241 - 242، والطبراني في "المعجم الكبير" 12/ 60 (12470)، وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 362، وهو موضوع؛ إذ مداره على إسحاق بن بشر الكوهلي، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 101 (11032): هو كذاب اهـ. وقال ابن أبي هاشم في "الجرح والتعديل" 2/ 214 (734): كان يكذب، يحدث عن مالك وأبي معشر بأحاديث موضوعة.]]، وقال سعيد بن جبير: أسلم مع النبي ﷺ ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت هذه الآية [[رواه الثعلبي 6/ 70 أ، والبغوي 3/ 374، وهو مرسل، ثم إن في سندهما إبراهيم == ابن نصر، قال ابن حجر في "تعجيل المنفعة" ص 22: كذبه ابن معين، وقال صالح جزرة: كان يكذب عشرين سنة، وأشكل أمره على أحمد حتى ظهر بعد، وقال النسائي: ليس بثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. اهـ. باختصار.
وفي السند المذكور أيضًا جعفر بن أبي المغيرة، قال عنه الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب" ص 141 (960): صدوق يهم، والأثر رواه ابن أبي حاتم 5/ 1728، وفي سنده جعفر المذكور، ويحيى الحماني: شيخ حافظ، لكنه متهم بسرقة الحديث كما في "تقريب التهذيب" ص 593 (7591).
وعلى فرض صحة السند فإن المتن لا يصح لما يأتي:
1 - قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 2/ 358 معلقًا على هذه الرواية: وفي هذا نظر لأن هذه الآية مدنية وإسلام عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة.
وقال أبو سليمان الدمشقي: هذا لا يحفظ، والسورة مدنية بإجماع. "زاد المسير" 3/ 377.
2 - أن الثابت تاريخيًا أن عدد المهاجرين إلى أرض الحبشة من المؤمنين ثلاثة وثمانون رجلاً سوى النساء والأبناء.
انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 343 - 363 وإسلام عمر كان بعد هذه الهجرة.
3 - أن المعنى الصحيح للآية -كما سيأتي إيضاحه-: يا أيها النبي يكفيك الله ويكفي أتباعك، بينما هذا الأثر يقتضي أن يكون المعنى: يكفيك الله ويكفيك أتباعك من المؤمنين مثل عمر.
انظر: "تفسير السمرقندي" 2/ 25، وهذا المعنى فاسد كما سيأتي بيانه.]].
قال أهل التفسير فعلى هذا القول هذه الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله ﷺ [[هذا قول القشيري، كما في "تفسير القرطبي" 8/ 42، وانظر: "تفسير السمرقندي" 2/ 25، وابن عطية 6/ 362، والرازي 15/ 191.]]، وعن ابن عباس أيضًا: نزلت هذه الآية [بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال، قال: وسورة الأنفال كلها مدنية غير هذه الآية] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]؛ فإنها نزلت بالبيداء [[الأرجح في تعريف المكي والمدني أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، سواء نزل بمكة أم بالمدينة أم بسفر من الأسفار. انظر: "الإتقان" 1/ 36، وعلى هذا فالآية مدنية أيضًا.]] [[ذكره مختصرًا الماوردي 2/ 331، والقرطبي 8/ 430، عن الكلبي، وذكره ابن عطية 6/ 362 بلا نسبة.]]. وقال مقاتل في قوله: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني الأنصار [[لم أجد من ذكره عنه، وقد ذكر الأنصار في الآية السابقة مرتين، انظر "تفسيره" 123 ب. أما قوله في هذه الآية فنصه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ وحسب من اتبعك من المؤمنين الله عز وجل.]]، وقال عطاء، عن ابن عباس: يعني المهاجرين والأنصار [["تنوير المقباس" ص 185 بنحوه من رواية الكلبي، وكلا الروايتين موضوعتان.]].
واختلفوا في محل (من) في قوله: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ﴾. نحو اختلاف المفسرين فقال الفراء: الكاف في (حسبك) خفض و (من) في موضع نصب على معنى: يكفيك الله ويكفي من اتبعك، كما قال الشاعر:
إذا كانت الهيجا وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك سيف مهند [[البيت لجرير كما قال البغدادي في "ذيل الأمالي" ص 140، وليس في "ديوانه"، وانظره بلا نسبة في: "خزانة الأدب" 7/ 581، و"سمط اللآلئ" 2/ 899، و"لسان العرب" (حسب) 2/ 865.]]
قال: وليس بكثير من كلامهم أن يقولوا: حسبك وأخاك حتى يقولوا: حسبك وحسب أخيك، ولكنا أجزناه؛ لأن في (حسبك) معنى واقع من الفعل فرددنا (من) [[ساقط من (س).]] على تأويل (الكاف) لا على لفظها [[يعني: إن لفظ (الكاف) في محل جر بالإضافة، وتأويلها في محل نصب مفعول به؛ لأن معنى (حسبك) يكفيك.]] كقوله: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} [العنكبوت: 33] فرد الأهل على تأويل (الكاف) [["معاني القرآن" 1/ 417 مع اختلاف يسير.]].
وهذا الوجه من الإعراب في محل (من) على قول ابن زيد [وإحدى الروايتين عن الشعبي، قال ابن زيد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] إن الله حسبك وحسبهم [[رواه بنحوه ابن جرير 10/ 47، وابن أبي حاتم 5/ 1727.]]، وقال الشعبي في رواية: حسبك الله وحسب من شهد معك [[انظر المصدرين السابقين، نفس الموضع.]]، قال الفراء: وإن شئت جعلت (من) في موضع رفع وهو أحب الوجهين إليّ [["معاني القرآن" 1/ 417.]]، قال [[في (ح): (وهو قول).]] الزجاج ومن رفع فعلى العطف على الله عز وجل، والمعنى: فإن حسبك الله وتُبّاعك [[بضم التاء وتشديد الباء.]] من المؤمنين [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 423.]].
وذكر الكسائي الوجهين أيضًا في محل (من) [[انظر: "عناية القاضي" للخفاجي 4/ 289، و"محاسن التأويل" 8/ 3032.]].
فإذا قلنا أن في محل (من) رفع فهو معنى قول الشعبي: حسبك الله وحسبك من اتبعك [[ذكر السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 362 أنه أخرجه البخاري في "تاريخه"، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، ولم أجد هذه الرواية في "تفسير ابن أبي حاتم"، بل ذكر عنه الرواية الأولى.]]، ونحو ذلك قال الحسن [[انظر: "تفسير القرطبي" 8/ 43، و"البحر المحيط" 4/ 516، و"الدر المصون" 5/ 632، وفي هذا القول نظر من عدة أوجه منها: == أولاً: نظائر هذه الآية تدل على أن المعنى الصحيح للآية هو: يا أيها النبي يكفيك الله وحده ويكفي أتباعك المؤمنين، قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]، وقال تعالى: ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: 38]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ [الأنفال: 62]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]، ومعلوم أن خير ما يفسر القرآن القرآن نفسه، وقد ذهب إلى هذا المعنى الصحيح جمهور المفسرين، انظر: "زاد المسير" 3/ 377.
ثانيًا: قال الإمام ابن القيم في سياق بيان أوجه التقدير في الآية: وفيه تقدير رابع، وهو خطأ من جهة المعنى، وهو أن تكون (من) في موضع رفع عطفا على اسم (الله) ويكون المعنى: حسبك الله وأتباعك، وهذا -وإن قاله بعض الناس- فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه، فإن (الحسب) و (الكفاية) لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 62]؛ ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]، ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، فإذا كان هذا قولهم ومدح الرب تعالى لهم بذلك فكيف يقول لرسوله: الله وأتباعك حسبك، وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب، ولم يشركوا بينه وبين رسوله فيه، فكيف يشرك بينهم وبينه في حسب رسوله؟ هذا من أمحل الأمحال، وأبطل الباطل. "زاد المعاد" 1/ 36.
ثالثًا: قال جمال الدين القاسمي بعد أن ذكر رد الخفاجي قول ابن القيم محتجًا بأن الفراء والكسائي رجحا وجه الرفع: أقول: هذا من الخفاجي من الولع بالمناقشة، كما هو دأبه، ولو أمعن النظر فيما برهن عليه ابن القيم وأيده بما لا يبقى معه وقفة لما ضعفه، والفراء والكسائي من علماء العربية، ولأئمة التأويل فقه آخر، فتبصر ولا تكن أسير التقليد. "محاسن التأويل" 8/ 3032.]]. وقال بعض أهل المعاني: قد عني الله جل ثناؤه الوجهين جمعيًا بالآية [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 614 - 685 بمعناه.]].
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق