يُحَرِّضُ تَعَالَى نَبِيَّهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ وَمُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ وَمُبَارَزَةِ الْأَقْرَانِ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ حَسْبُهُمْ، أَيْ: كَافِيهِمْ وَنَاصِرُهُمْ وَمُؤَيِّدُهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَعْدَادُهُمْ وَتَرَادَفَتْ أَمْدَادُهُمْ، وَلَوْ قَلَّ عَدَدُ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ شَوْذَبٍ [[في هـ، ك: "عن ابن شوذب" والمثبت من م، أ، والطبري.]] عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ: حَسْبُكَ اللَّهُ، وَحَسْبُ مَنْ شَهِدَ مَعَكَ.
قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ [بْنِ أَسْلَمَ] [[زيادة من أ.]] مِثْلَهُ.
وَلِهَذَا قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ أَيْ: حُثَّهُمْ وَذَمِّرْ [[في أ: "وذمرهم".]] عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ عِنْدَ صَفِّهِمْ وَمُوَاجَهَةِ الْعَدُوِّ، كَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، حِينَ أَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي عَدَدهم وعُدَدهم: "قُومُوا إلى جنة عرضها السموات والأرض". فقال عمير بن الحُمام: عرضها السموات وَالْأَرْضِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "نَعَمْ" فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ " قَالَ [[في ك: "فقال".]] رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا! قَالَ: "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا" فَتَقَدَّمَ الرَّجُلُ فَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، وَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ أَلْقَى بَقِيَّتَهُنَّ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَهُنَّ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ! ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حتى قتل، رضي الله عنه [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٩٠١) من حديث أنس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حِينَ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَمُلَ بِهِ الْأَرْبَعُونَ.
وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، وَإِسْلَامُ عُمَرَ كَانَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَشِّرًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَآمِرًا: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَشَرَةٍ [[فِي ك: "لعشرة".]] ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْأَمْرُ وَبَقِيَتِ الْبِشَارَةُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الخِرِّيت [[في هـ: "الزبير بن الحارث" والمثبت من د، ك، م الطبري.]] عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ شِقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ قَالَ: خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعُدَّةِ، وَنَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ عَنْهُمْ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، نَحْوَهُ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٥٣) .]]
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَتَبَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ، ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ فَلَا يَنْبَغِي لِمِائَةٍ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ مِائَتَيْنِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، بِهِ وَنَحْوَهُ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٥٢) .]]
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثَقُلَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِلَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ، وَمِائَةٌ أَلْفًا، فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَنَسَخَهَا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ الْآيَةَ، فَكَانُوا إِذَا كَانُوا عَلَى الشَّطْرِ مِنْ عَدُوٍّ لَهُمْ [[في د، ك: "عدوهم".]] لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَإِذَا كَانُوا دُونَ ذَلِكَ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ، وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوَّزُوا عَنْهُمْ.
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالضَّحَّاكِ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِينَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ رَفْعٌ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [[المستدرك (٢/٢٣٩) .]]
{"ayahs_start":64,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن یَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَـٰبِرُونَ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ","ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}