الباحث القرآني

﴿ياأيُّها النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ومَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ نَزَلَتْ بِالبَيْداءِ في غَزْوَةِ بَدْرٍ قَبْلَ (p-٥١٥)القِتالِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ عُمَرَ وأنَسٌ: في إسْلامِ عُمَرَ، قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: أسْلَمَ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ رَجُلًا وسِتُّ نِسْوَةٍ، ثُمَّ أسْلَمَ عُمَرُ فَنَزَلَتْ، والظّاهِرُ رَفْعُ (ومَن) عَطْفًا عَلى ما قَبْلَهُ، وعَلى هَذا فَسَّرَهُ الحَسَنُ وجَماعَةٌ، أيْ: حَسْبُكَ اللَّهُ والمُؤْمِنُونَ، وقالَ الشَّعْبِيُّ وابْنُ زَيْدٍ مَعْنى الآيَةِ: حَسْبُكَ اللَّهُ وحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ، قالَ ابْنَ عَطِيَّةَ: فَمَن في هَذا التَّأْوِيلِ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلى مَوْضِعِ الكافِ؛ لِأنَّ مَوْضِعَها نَصْبٌ عَلى المَعْنى بِيَكْفِيكَ الَّذِي سَدَّتْ حَسْبُكَ مَسَدَّها، انْتَهى، وهَذا لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأنَّ (حَسْبُكَ) لَيْسَ مِمّا تَكُونُ الكافُ فِيهِ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، بَلْ هَذِهِ إضافَةٌ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ مِن نَصْبٍ، وحَسْبُكَ مُبْتَدَأٌ مُضافٌ إلى الضَّمِيرِ، ولَيْسَ مَصْدَرًا ولا اسْمَ فاعِلٍ، إلّا إنْ قِيلَ: إنَّهُ عَطْفٌ عَلى التَّوَهُّمِ، كَأنَّهُ تَوَهَّمَ أنَّهُ قِيلَ: يَكْفِيكَ اللَّهُ، أوْ كَفاكَ اللَّهُ، ولَكِنَّ العَطْفَ عَلى التَّوَهُّمِ لا يَنْقاسُ فَلا يُحْمَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ ما وُجِدَتْ مَندُوحَةٌ عَنْهُ، والَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلامُ الشَّعْبِيِّ وابْنِ زَيْدٍ هو أنْ يَكُونَ (ومَن) مَجْرُورَةً عَلى حَذْفِ وحَسْبِ لِدَلالَةِ (حَسْبُكَ) عَلَيْهِ، فَيَكُونُ، كَقَوْلِهِ: ؎أكُلَّ امْرِئٍ تَحْسَبِينَ امْرَأً ونارٍ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نارا (p-٥١٦)أيْ: وكُلَّ نارٍ، فَلا يَكُونُ مِنَ العَطْفِ عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا الوَجْهُ مِن حَذْفِ المُضافِ مَكْرُوهٌ بِأنَّهُ ضَرُورَةُ الشِّعْرِ، انْتَهى، ولَيْسَ بِمَكْرُوهٍ ولا ضَرُورَةً، وقَدْ أجازَهُ سِيبَوَيْهِ في الكَلامِ، وخُرِّجَ عَلَيْهِ البَيْتَ وغَيْرُهُ مِنَ الكَلامِ الفَصِيحِ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَنِ اتَّبَعَكَ الواوُ بِمَعْنى مَعَ وما بَعْدَهُ مَنصُوبٌ، تَقُولُ: وحَسْبُكَ وزَيْدًا دِرْهَمٌ، ولا يُجَرُّ لِأنَّ عَطْفَ الظّاهِرِ المَجْرُورِ عَلى المُكَنّى مُمْتَنِعٌ. قالَ: فَحَسْبُكَ والضَّحّاكُ سَيْفٌ مُهَنَّدُ والمَعْنى: كَفاكَ وكَفى أتْباعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ اللَّهُ ناصِرًا، انْتَهى، وهَذا الَّذِي قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مُخالِفٌ لِكَلامِ سِيبَوَيْهِ، قالَ سِيبَوَيْهِ: قالُوا حَسْبُكَ وزَيْدًا دِرْهَمٌ، لِما كانَ فِيهِ مِن مَعْنى كَفاكَ، وقَبَّحَ أنْ يَحْمِلُوهُ عَلى المُضْمَرِ نَوَوُا الفِعْلَ، كَأنَّهُ قالَ: حَسْبُكَ ويَحْسَبُ أخاكَ دِرْهَمٌ، ولِذَلِكَ كَفِيكَ، انْتَهى، كَفِيكَ هو مِن كَفاهُ يَكْفِيهِ، وكَذَلِكَ قَطُّكَ، تَقُولُ: كَفِيكَ وزَيْدًا دِرْهَمٌ وقَطُّكَ وزَيْدًا دِرْهَمٌ، ولَيْسَ هَذا مِن بابِ المَفْعُولِ مَعَهُ، وإنَّما جاءَ سِيبَوَيْهِ بِهِ حُجَّةً لِلْحَمْلِ عَلى الفِعْلِ لِلدَّلالَةِ، فَحَسْبُكَ يَدُلُّ عَلى كَفاكَ، ويَحْسَبُنِي مُضارِعُ أحْسَبَنِي فُلانٌ إذا أعْطانِي حَتّى أقُولَ: حَسْبِي، فالنّاصِبُ في هَذا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ المَعْنى، وهو في كَفِيكَ وزَيْدًا دِرْهَمٌ أوْضَحُ؛ لِأنَّهُ مَصْدَرٌ لِلْفِعْلِ المُضْمَرِ، أيْ: ويَكْفِي زَيْدًا، وفي: قَطُّكَ وزَيْدًا دِرْهَمٌ، التَّقْدِيرُ فِيهِ أبْعَدُ؛ لِأنَّ قَطَّكَ لَيْسَ في الفِعْلِ المُضْمَرِ شَيْءٌ مِن لَفْظِهِ، إنَّما هو مُفَسِّرٌ مِن حَيْثُ المَعْنى فَقَطْ، وفي ذَلِكَ الفِعْلِ المُضْمَرِ فاعِلٌ يَعُودُ عَلى الدِّرْهَمِ، والنِّيَّةُ بِالدِّرْهَمِ التَّقْدِيمُ فَيَصِيرُ مِن عَطْفِ الجُمَلِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن بابِ الأعْمالِ؛ لِأنَّ طَلَبَ المُبْتَدَأِ لِلْخَبَرِ وعَمَلَهُ فِيهِ لَيْسَ مِن قَبِيلِ طَلَبِ الفِعْلِ أوْ ما جَرى مَجْراهُ ولا عَمَلِهِ، فَلا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ، وقالَ الزَّجّاجُ: حَسْبُ اسْمُ فِعْلٍ، والكافُ نَصْبٌ، والواوُ بِمَعْنى مَعَ، انْتَهى، فَعَلى هَذا يَكُونُ اللَّهُ فاعِلًا لِـ (حَسْبُكَ) وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ: يَجُوزُ في (ومَن) أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى الكافِ؛ لِأنَّها مَفْعُولٌ بِاسْمِ الفِعْلِ لا مَجْرُورٌ؛ لِأنَّ اسْمَ الفِعْلِ لا يُضافُ، إلّا أنَّ مَذْهَبَ الزَّجّاجِ خَطَأٌ لِدُخُولِ العَوامِلِ عَلى (حَسْبُكَ)، تَقُولُ: بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ، وقالَ تَعالى: ﴿فَإنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٦٢]، ولَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ اسْمَ فِعْلٍ في مَكانٍ فَيُعْتَقَدُ فِيهِ أنَّهُ يَكُونُ اسْمَ فِعْلٍ واسْمًا غَيْرَ اسْمِ فِعْلٍ كَرُوَيْدَ، وأجازَ أبُو البَقاءِ رَفْعَ (ومَن) عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: وحَسْبُكَ مَنِ اتَّبَعَكَ، وعَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ، تَقْدِيرُهُ: ومَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ، أيْ: حَسْبُهُمُ اللَّهُ، وقَرَأ الشَّعْبِيُّ: (ومَن أتْبَعَكَ) بِإسْكانِ النُّونِ، وأتْبَعَ عَلى وزْنِ أكْرَمَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب