قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ قال أبو إسحاق: معناه توبة بالغة في [[في (ك): (من).]] النصح [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 194.]].
وقال الفراء: ﴿نَصُوحًا﴾ من صفة التوبة، ومعناه يحدث نفسه إذا تاب من ذلك الذنب ألا يعود إليه أبدًا. هذا كلامه [[انظر: "معاني القرآن" 3/ 168.]]. والمعنى: توبة تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه. وهذا معنى قول قتادة وسعيد بن المسيب قالا [[في (س): (هذا قالا).]]: هي الصادقة الناصحة، ينصحون بها أنفسهم [[انظر: "جامع البيان" 28/ 108، و"الكشف والبيان" 12/ 151 أ، و"الدر" 6/ 245.]].
وروي عن عاصم (نصوحًا) بضم النون [[قرأ عاصم ﴿نُصُوحًا﴾ بضم النون، وقرأ الباقون ﴿نَّصُوحًا﴾ بفتحها. انظر: "حجة القراءات" ص 714، و"النشر" 2/ 388، و"الاتحاف" ص 419.]]. قال الفراء: أراد المصدر مثل القعود. ونحو ذلك قال المبرد [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 168، و"الحجة للقراء السبعة" 6/ 303، و"الكشف والبيان" 12/ 151 أ.]] والزجاج. يقال: نصحت لهم نصحًا ونصاحة ونصوحًا [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 194.]]، ويحتمل المصدر هاهنا معنيين:
أحدهما: أنه أراد توبة ناصحة، يسمى الفاعل باسم المصدر.
ويجوز أن يريد به توبة ذات نصوح. وقال أبو زيد نصحته: صدقته، وتوبة نصوح: صادقة [[انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 250، و"اللسان" 3/ 646 (نصح).]]. وأما قول المفسرين فإنهم كلهم على أن التوبة النصوح هي التي لا يعاود صاحبها بعدها الذنب.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: التوبة النصوح أن يجتنب الرجل عمل السوء ثم لا يعود إليه أبدًا [[أخرجه ابن جرير 28/ 108، وابن أبي حاتم، والحاكم 2/ 495، وصححه، وعبد الرزاق. انظر: "تفسير عبد الرزاق" 2/ 303، و"الدر" 6/ 245.]].
وقال مقاتل بن حيان [[في (س): (بن حيان) زيادة.]]: التوبة النصوح أن يتوب العبد من ذنبه صادقًا في ذلك لا يريد مراجعته ولا يعود فيه [[انظر: "معالم التنزيل" 4/ 367، عن عمر، وأبي، ومعاذ.
وهو المعنى الذي ذكره مقاتل بن سليمان في "تفسيره" 160/ ب، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن مجاهد 13/ 568.]]. ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يكفر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الله الجنة [[(الجنة) ساقطة من (س).]]، وهو قوله: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾: لا يعذبهم الله بدخول النار، قاله مقاتل [[انظر: "تفسير مقاتل" 160 ب.]]. وذكرنا تفسير الإخزاء عند قوله: ﴿فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: 192] [[قال: الإخزاء يرد على معان يقرب بعضها من بعض. قال الزجاج: أخزى الله العدو أي أبعده. وقال غيره: الخزي: الهوان، وأخزاه الله، أي: أهانه. وقال شمر: أخزيته: فضحته، وفي القرآن: ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾. وقال ابن الأنباري: معنى الخزي في اللغة الهلاك بتلف أو انقطاع حجة، أو بوقوع في بلاء.
وانظر: "تهذيب اللغة" 7/ 490، و"اللسان" 1/ 829، و"المفردات" (147) (خزي).]].
وقوله: ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ مفسر في سورة الحديد.
قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا﴾ إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ سألوا الله أن يتم لهم نورهم ويبلغهم به الجنة. وهذا معنى قول ابن عباس: لا تطفئه كما أطفأت نور المنافقين [[وهو قول مجاهد، والضحاك، والحسن. انظر: "تنوير المقباس" 6/ 100، و"تفسير مجاهد" 2/ 684، و"جامع البيان" 28/ 108، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 392، و"المستدرك" 2/ 496.]].
قوله: ﴿إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ قال: يريد: من إطفاء نور المنافقين وإثبات نور المؤمنين.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ تُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةࣰ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یَوۡمَ لَا یُخۡزِی ٱللَّهُ ٱلنَّبِیَّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ یَسۡعَىٰ بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۡ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَاۤۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}