الباحث القرآني
* [فَصْلٌ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ]
قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسى رَبُّكم أنْ يُكَفِّرَ عَنْكم سَيِّئاتِكم ويُدْخِلَكم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾
فَجَعَلَ وِقايَةَ شَرِّ السَّيِّئاتِ - وهو تَكْفِيرُها - بِزَوالِ ما يَكْرَهُ العَبْدُ، ودُخُولِ الجَنّاتِ - وهو حُصُولُ ما يُحِبُّ العَبْدُ - مَنُوطًا بِحُصُولِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، والنَّصُوحُ عَلى وزْنِ فَعُولٍ المَعْدُولِ بِهِ عَنْ فاعِلٍ قَصْدًا لِلْمُبالَغَةِ، كالشَّكُورِ والصَّبُورِ، وأصْلُ مادَّةِ (ن ص ح) لِخَلاصِ الشَّيْءِ مِنَ الغِشِّ والشَّوائِبِ الغَرِيبَةِ، وهو مُلاقٍ في الِاشْتِقاقِ الأكْبَرِ لِنَصَحَ إذا خَلَصَ، فالنُّصْحُ في التَّوْبَةِ والعِبادَةِ والمَشُورَةِ تَخْلِيصُها مِن كُلِّ غِشٍّ ونَقْصٍ وفَسادٍ، وإيقاعُها عَلى أكْمَلِ الوُجُوهِ، والنُّصْحُ ضِدُّ الغِشِّ.
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِباراتُ السَّلَفِ عَنْها، ومَرْجِعُها إلى شَيْءٍ واحِدٍ، فَقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أنْ يَتُوبَ مِنَ الذَّنْبِ ثُمَّ لا يَعُودَ إلَيْهِ، كَما لا يَعُودُ اللَّبَنُ إلى الضِّرْعِ وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: هي أنْ يَكُونَ العَبْدُ نادِمًا عَلى ما مَضى، مُجْمِعًا عَلى أنْ لا يَعُودَ فِيهِ، وقالَ الكَلْبِيُّ: أنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسانِ، ويَنْدَمَ بِالقَلْبِ، ويُمْسِكَ بِالبَدَنِ، وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: تَوْبَةً نَصُوحًا، تَنْصَحُونَ بِها أنْفُسَكُمْ، جَعَلَها بِمَعْنى ناصِحَةٍ لِلتّائِبِ، كَضَرُوبِ المَعْدُولِ عَنْ ضارِبٍ.
وَأصْحابُ القَوْلِ الأوَّلِ يَجْعَلُونَها بِمَعْنى المَفْعُولِ، أيْ قَدْ نَصَحَ فِيها التّائِبُ ولَمْ يَشُبْها بِغِشٍّ، فَهي إمّا بِمَعْنى مَنصُوحٍ فِيها، كَرَكُوبَةٍ وحَلُوبَةٍ، بِمَعْنى مَرْكُوبَةٍ ومَحْلُوبَةٍ، أوْ بِمَعْنى الفاعِلِ، أيْ ناصِحَةٌ كَخالِصَةٍ وصادِقَةٍ.
وَقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: يَجْمَعُها أرْبَعَةُ أشْياءَ: الِاسْتِغْفارُ بِاللِّسانِ، والإقْلاعُ بِالأبْدانِ، وإضْمارُ تَرْكِ العَوْدِ بِالجِنانِ، ومُهاجَرَةُ سَيْءِ الإخْوانِ.
قُلْتُ: النُّصْحُ في التَّوْبَةِ يَتَضَمَّنُ ثَلاثَةَ أشْياءَ:
الأوَّلُ: تَعْمِيمُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ واسْتِغْراقُها بِها بِحَيْثُ لا تَدَعُ ذَنْبًا إلّا تَناوَلَتْهُ.
والثّانِي: إجْماعُ العَزْمِ والصِّدْقِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَيْها، بِحَيْثُ لا يَبْقى عِنْدَهُ تَرَدُّدٌ، ولا تَلَوُّمٌ ولا انْتِظارٌ، بَلْ يَجْمَعُ عَلَيْها كُلَّ إرادَتِهِ وعَزِيمَتِهِ مُبادِرًا بِها.
الثّالِثُ: تَخْلِيصُها مِنَ الشَّوائِبِ والعِلَلِ القادِحَةِ في إخْلاصِها، ووُقُوعُها لِمَحْضِ الخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وخَشْيَتِهِ، والرَّغْبَةِ فِيما لَدَيْهِ، والرَّهْبَةِ مِمّا عِنْدَهُ، لا كَمَن يَتُوبُ لِحِفْظِ جاهِهِ وحُرْمَتِهِ، ومَنصِبِهِ ورِياسَتِهِ، ولِحِفْظِ حالِهِ، أوْ لِحِفْظِ قُوَّتِهِ ومالِهِ، أوِ اسْتِدْعاءِ حَمْدِ النّاسِ، أوِ الهَرَبِ مِن ذَمِّهِمْ، أوْ لِئَلّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ السُّفَهاءُ، أوْ لِقَضاءِ نَهْمَتِهِ مِنَ الدُّنْيا، أوْ لِإفْلاسِهِ وعَجْزِهِ، ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ العِلَلِ الَّتِي تَقْدَحُ في صِحَّتِها وخُلُوصِها لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
فالأوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِما يَتُوبُ مِنهُ، والثّالِثُ يَتَعَلَّقُ بِمَن يَتُوبُ إلَيْهِ، والأوْسَطُ يَتَعَلَّقُ بِذاتِ التّائِبِ ونَفْسِهِ، فَنُصْحُ التَّوْبَةِ الصِّدْقُ فِيها، والإخْلاصُ، وتَعْمِيمُ الذُّنُوبِ بِها، ولا رَيْبَ أنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ تَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْفارَ وتَتَضَمَّنُهُ، وتَمْحُو جَمِيعَ الذُّنُوبِ، وهي أكْمَلُ ما يَكُونُ مِنَ التَّوْبَةِ، واللَّهُ المُسْتَعانُ، وعَلَيْهِ التُّكْلانُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ تُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةࣰ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یَوۡمَ لَا یُخۡزِی ٱللَّهُ ٱلنَّبِیَّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ یَسۡعَىٰ بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۡ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَاۤۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق