الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية. ذكر أبو إسحاق [[أي الزجاج في "معانيه" 2/ 84.]] في الفاء في قوله: ﴿فَقَاتِلْ﴾ وجهين: أحدهما:- أنها جواب لقوله: ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 74] فقاتل [["معاني الزجاج" 2/ 84، 85.]]. قال علي بن عيسى النحوي: ووجه ذلك أنه محمول على المعنى، لأنه قد دل على معنى: إن أردت الفوز فقاتل [[كلام علي بن عيسى النحوي ليس في "معاني الزجاج" حسب المطبوع.]]. الوجه الثاني:- أن يكون متصلًا بقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء:75] فقاتل في سبيل الله [["معاني الزجاج" 2/ 85.]]. وقوله تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾. قال مقاتل: "ليس عليك ذنب غيرك" [["تفسيره" 1/ 393، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 372.]]. وقال الزجاج: أمره الله عز وجل بالجهاد ولو وحده؛ لأنه قد ضمن له النصر [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 85.]]. قال أصحاب المعاني: معناه لا تكلف إلا فعل نفسك، على معنى أنه لا ضرر عليك في فعل غيرك، ولا تهتم بتخلف من يتخلف عن الجهاد فعليهم ضرر ذلك [[انظر: الطبري 5/ 185، و"الكشف والبيان" 4/ 93 ب.]]. وانتصاب قوله: ﴿نَفْسَكَ﴾ على خبر ما لم يسم فاعله [["إعراب القرآن" للنحاس 1/ 439.]]. وقوله تعالى: ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قال الكلبي: حضض المؤمنين على القتال [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91.]]. وقوله تعالى: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. (عسى): حرف من حروف المقاربة، وفيه ترج وطمع، وهي من الله واجب، ومن العباد شك [[من "تهذيب اللغة" 3/ 2427 (عسا). وانظر: الطبري 5/ 185، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 439، و"معانيه" 2/ 143، و"الكشف والبيان" 4/ 93 أ، و"معالم التنزيل" 2/ 256.]]. وقد قال ابن مقبل -فجعله يقينا- أنشده أبو عبيدة: ظنِّي بهم كعسى وهم بِتنُوفَةٍ [[البيت في "مجاز القرآن" 1/ 134، و"الأضداد" لابن الأنباري ص 23، و"تهذيب اللغة" 3/ 2427، و"اللسان" 5/ 2950 (عسا). وعجزه كما في "المجاز": يتنازعون جوائز الأمثال والتنوفة: الصحراء، ومعنى "يتنازعون جوائز الأمثال": يتجاذبون الأمثال السائرة. والشاهد أن "عسى" بمعنى اليقين.]] ... البيت. وقد تكلمنا في هذا الحرف في سورة البقرة. وقال الزجاج: (عسى) معناها معنى الإطماع، والإطماع من الله واجب [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 95، 181.]]. وقال غيره: إطماع الكريم إيجاب. والبأس: الشدة في كل شيء [["معاني الزجاج" 2/ 85، وانظر: "تهذيب اللغة" 1/ 225، و"الصحاح" 3/ 906، 907، و"اللسان" 1/ 199 (بأس).]]. وقال ابن عباس في قوله: ﴿بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء:84]: "يريد شدة حربهم في القتال" [[لم أقف عليه، ونحوه في "الوسيط" 2/ 638 دون نسبة لابن عباس.]] يسمى بأسًا لما فيه من الشدة. والكلبي فسر البأس في قوله: ﴿بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: بالقتال [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91.]]. وقد أنجز الله وعده بكف بأس هؤلاء الذين ذكرهم في قوله: ﴿بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. قال الكلبي: إن أبا سفيان [[تقدمت ترجمته.]] لما انصرف من أحد واعد رسول الله ﷺ موسم بدر الصغرى، فلما جاء الميعاد، خرج إليها رسول الله ﷺ في سبعين راكبًا، فلم يوافهم أبو سفيان، ولم يكن قتال، وكفاهم الله بأس عدوهم [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 93 أ، و"معالم التنزيل" 2/ 256، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا﴾. قال ابن عباس والكلبي: أشد عذابًا [[انظر: "زاد المسير" 2/ 149، و"تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91. == وهذا القول لكثير من المفسرين، انظر: "تفسير الهواري" 1/ 404 و"بحر العلوم" 1/ 372، و"الدر المنثور" 2/ 335.]]. والعذاب يسمى بأسًا لما فيه من الشدة، ومنه قوله: ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ﴾ [غافر: 29]، وقوله: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ [الأنبياء: 12]، وقوله: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: 84]. وقوله تعالى: ﴿وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [النساء:84]. يقال: نكلت بفلان، إذا عاقبته في شر أتاه، عقوبةُ تنكل غيره عن ارتكاب مثله، من قولهم: نكل الرجل عن الشيء إذا جبن عنه وامتنع [["تهذيب اللغة" 4/ 3665 (نكل)، وانظر: الطبري 5/ 185، و"البسيط" بتحقيق الفوزان 3/ 1023، و"اللسان" 8/ 4544 (نكل).]]. وقد ذكرنا هذه الحرف في قوله: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا﴾ [البقرة: 66]. قال الحسن وقتادة في قوله: ﴿وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾: عقوبة [[قول الحسن في "تفسير الهواري" 1/ 404. وأخرج قول قتادة: الطبري 5/ 185، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم انظر: "الدر المنثور" 2/ 335، وقد عزاه له ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 149.]]. ونحو ذلك قال الكلبي [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص91.]]. وقال عطاء: أشد نقمة [[لم أقف عليه.]]. وقال ابن كيسان: أشد انتقامًا [[لم أقف عليه.]]. وذلك أن العقوبة نقمة وانتقام، فالانتقام معنى التنكيل لا تفسيره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب