الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - نِفاقَهُمُ المُقْتَضِي لِتَقاعُدِهِمْ عَنِ الجِهادِ بِأنْفُسِهِمْ؛ (p-٣٤٥)وتَنْشِيطِهِمْ لِغَيْرِهِمْ؛ كانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِأنَّ يَمْضِيَ ﷺ لِأمْرِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - مِن غَيْرِ التِفاتٍ إلَيْهِمْ؛ وافَقُوا أوْ نافَقُوا؛ فَقالَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - بَعْدَ الأمْرِ بِالنَّفْرِ ثُباتٍ؛ وجَمِيعًا؛ وبَيانِ أنَّ مِنهُمُ المُبْطِئَ؛ مُشِيرًا إلى أنَّ الأمْرَ باقٍ؛ وإنْ بَطَّأ الكُلُّ -: ﴿فَقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ ولَوْ كُنْتَ وحْدَكَ. ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما أفْعَلُ فِيمَن أُرْسِلْتُ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ يَخْرُجُوا؟ قالَ - مُعْلِمًا بِأنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ أشْجَعَ النّاسِ؛ وأعْلَمَهم بِالحُرُوبِ؛ وتَدْبِيرِها؛ وهو مَعَ تَأْيِيدِهِ بِذَلِكَ قَدْ تَكَفَّلَ بِنُصْرَتِهِ؛ ولَمْ يَكِلْهُ إلى أحَدٍ -: ﴿لا تُكَلَّفُ إلا نَفْسَكَ﴾؛ أيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ إثْمُ أتْباعِكَ لَوْ تَخَلَّفُوا عَنْكَ؛ وقَدْ أعاذَهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - مِن ذَلِكَ؛ ولا ضَرَرَ عَلَيْكَ في الدُّنْيا أيْضًا مِن تَخَلِّيهِمْ؛ فَإنَّ اللَّهَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - ناصِرُكَ وحْدَهُ؛ ولَيْسَ النَّصْرُ إلّا بِيَدِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ وما كانَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - لِيَأْمُرَهُ بِشَيْءٍ إلّا وهو كُفُؤٌ لَهُ؛ فَهو مَلِيءٌ بِمُقاتَلَةِ الكُفّارِ كُلِّهِمْ وحْدَهُ؛ وإنْ كانُوا أهْلَ الأرْضِ كُلَّهُمْ؛ ولَقَدْ عَزَمَ في غَزْوَةِ ”بَدْرٍ“؛ المَوْعِدِ - الَّتِي قِيلَ: إنَّها سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ - عَلى الخُرُوجِ إلى الكُفّارِ؛ ولَوْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ أحَدٌ؛ وقَدِ اقْتَدى بِهِ صاحِبُهُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ - في قِتالِ أهْلِ الرِّدَّةِ؛ فَقالَ لِلصَّحابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهم -: ”واللَّهِ لَوْ لَمْ أجِدْ إلّا هاتَيْنِ - يَعْنِي ابْنَتَيْهِ: (p-٣٤٦)عائِشَةَ وأسْماءَ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُما - لَقاتَلَتُهم بِهِما“. ولَمّا كانَ ذَلِكَ قَدْ يُفْتِرُ عَنِ الدُّعاءِ؛ قالَ: ﴿وحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ﴾؛ أيْ: مُرْهم بِالجِهادِ؛ وانْهَهم عَنْ تَرْكِهِ؛ وعَنْ مُواصَلَةِ كُلِّ مَن يُثَبِّطُهم عَنْهُ؛ وعِظْهُمْ؛ واجْتَهِدْ في أمْرِهِمْ؛ حَتّى يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلنَّفْرِ مَتى نُدِبُوا؛ حَتّى كَأنَّهم - لِشِدَّةِ اسْتِعْدادِهِمْ - حاضِرُونَ في الصَّفِّ دائِمًا؛ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الذِّكْرَ؛ لِثَمَرَةِ ذَلِكَ؛ فَقالَ: ﴿عَسى اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي اسْتَجْمَعَ صِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿أنْ يَكُفَّ﴾؛ بِما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أيْ: عَنْ أنْ يَمْنَعُوكَ مِن إظْهارِ الدِّينِ؛ بِقِتالِكَ؛ وقِتالِ مَن تُحَرِّضُهُ؛ ولَقَدْ فَعَلَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - ذَلِكَ؛ فَصَدَقَ وعْدَهُ؛ ونَصَرَ عَبْدَهُ؛ وهَزَمَ الأحْزابَ وحْدَهُ؛ حَتّى ظَهَرَ الدِّينُ؛ ولا يَزالُ ظاهِرًا حَتّى يَكُونَ آخِرُ ذَلِكَ عَلى يَدِ عِيسى - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. ولَمّا كانَ السّامِعُ رُبَّما فَهِمَ أنَّهُ لا يَتَأتّى كَفُّهم إلّا بِذَلِكَ؛ قالَ - تَرْغِيبًا؛ وتَرْهِيبًا؛ واحْتِراسًا -: ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا مِثْلَ لَهُ؛ ﴿أشَدُّ بَأْسًا﴾؛ أيْ: عَذابًا؛ وشِدَّةً مِنَ المُقاتِلِينَ؛ والمُقاتَلِينَ؛ ﴿وأشَدُّ تَنْكِيلا﴾؛ أيْ: تَعْذِيبًا؛ بِأعْظَمِ العَذابِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُهْلِكًا لِلْمُعَذَّبِ؛ ومانِعًا لِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ؛ قالَ الإمامُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ: يُقالُ: ”نَكَّلْتُهُ تَنْكِيلًا“؛ إذا عَمِلْتُ بِهِ عَمَلًا يَكُونُ نَكالًا لِغَيْرِهِ؛ أيْ: عِبْرَةً؛ فَيَرْجِعُ عَنِ المُرادِ مِن (p-٣٤٧)أجْلِهِ؛ وهو أنَّ النّاظِرَ إلَيْهِ؛ والَّذِي يَبْلُغُهُ ذَلِكَ؛ يَخافُ أنْ يَحِلَّ بِهِ مِثْلُهُ؛ أيْ: فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ قَيْدًا عَنِ الإقْدامِ؛ و”النِّكْلُ“؛ بِالكَسْرِ: القَيْدُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب