الباحث القرآني
﴿فَقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إلّا نَفْسَكَ وحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ﴾ قِيلَ نَزَلَتْ في بَدْرٍ الصُّغْرى. دَعا النّاسَ إلى الخُرُوجِ، وكانَ أبُو سُفْيانَ واعَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اللِّقاءَ فِيها؛ فَكَرِهَ بَعْضُ النّاسِ أنْ يَخْرُجُوا فَنَزَلَتْ. فَخَرَجَ، وما مَعَهُ إلّا سَبْعُونَ لَمْ يَلْوِ عَلى أحَدٍ، ولَوْ لَمْ يَتْبَعْهُ أحَدٌ لَخَرَجَ وحْدَهُ.
ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ هي أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ في الآياتِ قَبْلَها تَثْبِيطَهم عَنِ القِتالِ، واسْتَطْرَدَ مِن ذَلِكَ إلى أنَّ المَوْتَ يُدْرِكُ كُلَّ أحَدٍ، ولَوِ اعْتَصَمَ بِأعْظَمِ مُعْتَصِمٍ، فَلا فائِدَةَ في الهَرَبِ مِنَ القِتالِ، وأتْبَعَ ذَلِكَ بِما أتْبَعَ مِن سُوءِ خِطابِ المُنافِقِينَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ وفِعْلِهِمْ مَعَهُ مِن إظْهارِ الطّاعَةِ بِالقَوْلِ وخِلافِها بِالفِعْلِ، وبَكَّتَهم في عَدَمِ تَأمُّلِهِمْ ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنَ القُرْآنِ الَّذِي فِيهِ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتالُ؛ عادَ إلى أمْرِ القِتالِ. وهَكَذا عادَةُ كَلامِ العَرَبِ تَكُونُ في شَيْءٍ ثُمَّ تَسْتَطْرِدُ مِن ذَلِكَ إلى شَيْءٍ آخَرَ لَهُ بِهِ مُناسَبَةٌ وتَعَلُّقٌ، ثُمَّ تَعُودُ إلى ذَلِكَ الأوَّلِ.
والفاءُ هُنا عاطِفَةٌ جُمْلَةَ كَلامٍ عَلى جُمْلَةِ كَلامٍ يَلِيهِ؛ ومَن زَعَمَ أنَّ وجْهَ العَطْفِ بِالفاءِ هو أنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: ﴿وما لَكم لا تُقاتِلُونَ﴾ [النساء: ٧٥] أوْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٤]، وهو مَحْمُولٌ عَلى المَعْنى عَلى تَقْدِيرِ شَرْطٍ؛ أيْ إنْ أرَدْتَ الفَوْزَ فَقاتِلْ. أوْ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿فَقاتِلُوا أوْلِياءَ الشَّيْطانِ﴾ [النساء: ٧٦] فَقَدْ أُبْعِدَ. وظاهِرُ الأمْرِ أنَّهُ خِطابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ وحْدَهُ، ويُؤَكِّدُهُ: لا تُكَلَّفُ إلّا نَفْسَكَ. وحَمَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلى تَقْدِيرِ شَرْطٍ، قالَ أيْ إنْ أفْرَدُوكَ وتَرَكُوكَ وحْدَكَ لا تُكَلَّفُ إلّا نَفْسَكَ وحْدَها أنْ تُقَدِّمَها لِلْجِهادِ، فَإنَّ اللَّهَ هو ناصِرُكَ لا الجُنُودُ؛ فَإنْ شاءَ نَصَرَكَ وحْدَكَ كَما يَنْصُرُكَ وحَوْلَكَ الأُلُوفُ، انْتَهى. وسَبَقَهُ إلَيْهِ الزَّجّاجُ قالَ: أمَرَهُ بِالجِهادِ؛ وإنْ قاتَلَ وحْدَهُ؛ لِأنَّهُ ضَمِنَ لَهُ النُّصْرَةَ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَمْ نَجِدْ قَطُّ في خَبَرٍ أنَّ القِتالَ فُرِضَ عَلى النَّبِيِّ دُونَ الأُمَّةِ مَرَّةً ما؛ فالمَعْنى - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّهُ خِطابٌ لِلنَّبِيِّ في اللَّفْظِ، وهو مِثالُ ما يُقالُ لِكُلِّ واحِدٍ في خاصَّةِ نَفْسِهِ؛ أيْ أنْتَ يا مُحَمَّدُ وكُلُّ واحِدٍ مِن أُمَّتِكَ القَوْلُ لَهُ فَقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ، ولِهَذا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أنْ يَسْتَشْعِرَ أنْ يُجاهِدَ، ولَوْ وحْدَهُ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «لَأُقاتِلَنَّهم حَتّى تَنْفَرِدَ سالِفَتَيَّ» (p-٣٠٩)وقَوْلُ أبِي بَكْرٍ وقْتَ الرِّدَّةِ: ولَوْ خالَفَتْنِي يَمِينِي لَجاهَدْتُها بِشِمالِي.
ومَعْنى ﴿لا تُكَلَّفُ إلّا نَفْسَكَ﴾؛ أيْ لا تُكَلَّفُ في القِتالِ إلّا نَفْسَكَ؛ فَقاتِلْ ولَوْ وحْدَكَ. وقِيلَ المَعْنى إلّا طاقَتَكَ ووُسْعَكَ. والنَّفْسُ يُعَبَّرُ بِها عَنِ القُوَّةِ، يُقالُ: سَقَطَتْ نَفْسُهُ؛ أيْ قُوَّتُهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (لا تُكَلَّفُ) خَبَرًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، قالُوا: والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إخْبارًا مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ لا حالًا شُرِعَ لَهُ فِيها أنَّهُ لا يُكَلَّفُ أمْرَ غَيْرِهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ إنَّما يُكَلَّفُ أمْرَ نَفْسِهِ فَقَطْ. وقُرِئَ: (لا نُكَلِّفُ) بِالنُّونِ وكَسْرِ اللّامِ، ويَحْتَمِلُ وجْهَيِ الإعْرابِ: الحالُ والِاسْتِئْنافُ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لا تُكَلَّفْ بِالتّاءِ وفَتْحِ اللّامِ والجَزْمِ عَلى جَوابِ الأمْرِ. وأمَرَهُ تَعالى بِحَثِّ المُؤْمِنِينَ عَلى القِتالِ وتَحْرِيكِ هِمَمِهِمْ إلى الشَّهادَةِ.
﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قالَ عِكْرِمَةُ وغَيْرُهُ: عَسى مِنَ اللَّهِ واجِبَةٌ، ومِنَ البَشَرِ مُتَوَقَّعَةٌ مَرْجُوَّةٌ. والَّذِينَ كَفَرُوا: هم كُفّارُ قُرَيْشٍ، وقَدْ كَفَّ اللَّهُ تَعالى بَأْسَهم وبَدا لِأبِي سُفْيانَ تَرْكُ القِتالِ. وقالَ: هَذا عامٌ مُجْدِبٌ، وما كانَ مَعَهم إلّا السَّوِيقُ، ولا يَلْقَوْنَ إلّا في عامٍ مُخْصِبٍ فَرَجَعَ بِهِمْ. وقِيلَ كَفُّ البَأْسِ يَكُونُ عِنْدَ نُزُولِ عِيسى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. وقِيلَ ذَلِكَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةَ. وقِيلَ هي فِيمَن ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الجِزْيَةُ. والجُمْهُورُ عَلى ما قَدَّمْناهُ مِن أنَّ ذَلِكَ كانَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ إلى بَدْرٍ الصُّغْرى. والظّاهِرُ في هَذا أنَّهُ لا يَتَقَيَّدُ كَفُّ بَأْسِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما ذَكَرُوا، والتَّخْصِيصُ بِشَيْءٍ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ.
﴿واللَّهُ أشَدُّ بَأْسًا وأشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ هَذا تَقْوِيَةٌ لِقُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، وأنَّ بَأْسَ اللَّهِ أشَدُّ مِن بَأْسِ الكُفّارِ. وقَدْ رَجى كَفَّ بَأْسِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ ما أعَدَّ لَهم مِنَ النَّكالِ، وأنَّ اللَّهَ تَعالى هو أشَدُّ عُقُوبَةً. فَذَكَرَ قُوَّتَهُ، وقُدْرَتَهُ عَلَيْهِمْ، وما يَئُولُ إلَيْهِ أمْرُهم مِنَ التَّعْذِيبِ. قالَ الحَسَنُ وقَتادَةُ: ﴿وأشَدُّ تَنْكِيلًا﴾؛ أيْ عُقُوبَةً فاضِحَةً، والأظْهَرُ أنَّ أفْعَلَ التَّفْضِيلِ هُنا عَلى بابِها. وقِيلَ هو مِن بابِ: العَسَلُ أحْلى مِنَ الخَلِّ؛ لِأنَّ بَأْسَهم بِالنِّسْبَةِ إلى بَأْسِهِ تَعالى لَيْسَ بِشَيْءٍ.
{"ayah":"فَقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسࣰا وَأَشَدُّ تَنكِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق